أمريكي "عنصريّ"، يَركن إلى "الحماقة" في ماراثون "الرئاسة الأمريكية"، فعمّده -ابتداء- ب"تميّز عرقيّ" مزعوم، وأثثه ب"كراهية" مُفرِطة، مُستقطباً من ألقت بهم "تصاريف الحياة" في "هوامش الأزقة"، لا يأوون على شيء، باستثناء "غضب كامن"، هو -في حقيقته- "جذوة عنف"، إن استعر سيعيد "الإمبراطورية" إلى غابرٍ "عُقده" ما زالت حاضرة. "هتلر أمريكا"، أو "موسوليني أمريكا"، الاسم الآخر لمرشح الحزب الجمهوري "المضطرب" دونالد جون ترامب، الذي يدفع حزبه إلى خيار من اثنين، إما التسليم بتفوقه في الانتخابات الداخلية والقبول بترشيحه إلى الرئاسة الأمريكية، حتى إن لم يحظ بغالبية أصوات المندوبين (1237 صوتاً)؛ وإما "أعمال شغب هائلة" قِوامها "ملايين الأشخاص" ممن يقول عنهم "إنهم لا يؤمنون بالنظام". ترامب، رجل العقار الأمريكي، المولود في نيويورك (14 يونيو 1946)، ابن أسرة من أصول أوروبية، فوالده (فريد كريست ترامب ودهافن) تعود جذوره إلى عائلة ألمانية، هاجرت إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1885، ونالت الجنسية الأمريكية بعد سبع سنوات، أما والدته (ماري ماكلويد ستورنواي) فتعود عائلتها إلى أصول أسكتلندية. أصول ترامب الأوروبية، وتحديداً الشق الألماني منها، وسيرة العائلة "البرجوازية"، التي حافظت طوال عقود على ثرائها، قد تفسر إلى حد بعيد الجوهر "العنصري" للمرشح الجمهوري، غير المنضبط ب"قومية" أو "دين"، والمنفلت إلى حد "إلحاق الأذى" بمن يخالفه الرأي، في دولة ل"الحرية" فيها شعلة ومقام ومزار. البدايات المبكرة لدونالد ترامب تقليدية تماماً، إلا أن ما يميزها "هيجانه" و"خشونته"، وفق ما تنقله "صحيفة النيويورك تايمز" عن والده في مقال قديم (أغسطس 1983) بعنوان "الإمبراطورية والأنا من دونالد ترامب"، ما دفع بالعائلة إلى نقل "الهائج" من مدرسة "كيو – فورست"، لما أثاره من متاعب وهو في ال13 من عمره، إلى "أكاديمية نيويورك العسكرية"؛ بهدف "توجيه طاقاته ومحاولات تأكيده لذاته بطريقة إيجابية". "الهائج" غادر الأكاديمية العسكرية عام 1964، بعد أن أتم ال 18 من عمره، دون نضوج يُذكر، اذ رافقته أحلام الصبى، فسعى للذهاب إلى مدرسة الأفلام، إلا أنه في النهاية اقتنع بمهنة العقارات، التي تعمل بها العائلة، فالتحق ب"جامعة فوردهام" لمدة عامين، ومن ثم انتقل إلى "كلية وارتون" التابعة ل "جامعة بنسلفانيا"، لينال إجازة في "العلوم الاقتصادية". حياته العملية بدأت في عباءة والده، وتحديداً في تأجير المساكن المخصصة للطبقة الوسطى، واستمر ذلك حتى حصل على "قرض صغير"، وفق ما يقوله في كتابه "فن الصفقة" (The Art of the Deal)، وهو قرض بقيمة مليون دولار أخذه من والده عام 1971، لتبدأ مسيرته في بناء "الثروة"، التي قدرتها مجلة فوربس (عدد فبراير/ شباط 2015) ب4 مليارات دولار، رغم كل ما لحق به من أزمات مالية وإخفاقات عملية. "الملياردير" ترامب، أو صاحب "منظمة ترامب العقارية"، التي تدير مجموعة ضخمة من الاستثمارات العقارية والترفيهية (الأبراج والكازينوهات وملاعب الجولف..)، امتدت نجاحاته العقارية إلى خارج أمريكا، لتشمل أوروبا والشرق الأوسط والخليج العربي وبقاع متعددة حول العالم. رغم النجاحات العقارية، إلا أن "حُلم الصبى" (مدرسة الأفلام) لم يغادر ترامب، الذي دخل مجال الإعلام عام 2003، عبر "قناة أن بي سي" (NBC)، التي قد أنتج لها وقدم فيها برامج تلفزيونية حظيت بمتابعة واسعة في الولاياتالمتحدة، من أشهرها "المتدرب" (The Apprentice)، الذي اشتهر فيه بعبارة "أنت مطرود" (You are expelled) ودفعه إلى محاولة تسجيلها كعلامة تجارية خاصة به. زوجات ترامب من اللافت في سيرة ترامب العملية امتلاكه "منظمة ملكة جمال الكون"، التي تقيم مهرجاني "ملكة جمال الولاياتالمتحدة"، و"ملكة جمال مراهقات أمريكا"، وهو أمر يستدعي التدقيق، خاصة لجهة ارتباطه مباشرة بمغامرات "المرشح الهائج" النسائية، وتأثيرها على حياته العائلية، وفق ما تورده مواقع إخبارية أمريكية مختصة بالمشاهير. أول زيجات ترامب كانت عام 1977 من عارضة الأزياء "إيفانا زلينيكوفا"، التي أنجب منها ثلاثة دونالد الابن (38 عاماً)، إيفانكا (34 عاماً)، إريك(31 عاماً)، إلا أن مغامراته النسائية قضت على زواجهما بعد 15 عاماً، لينفصلا عن بعضهما عام 1992، وليتزوج بعد عام واحد من الممثلة "مارلا ميبلس"، التي أنجبت له الطفلة "تيفاني" قبل أن يطلقها عام 1999 أيضاً لأسباب تتعلق بخياناته الزوجية، أما زواجه الثالث فقد جاء بعد 6 سنوات، إذ تزوج من عارضة الأزياء "ميلينا ناوس"، التي اشتهرت بظهورها عارية (عام 2000) على غلاف مجلة "GQ" الأمريكية، واسعة الانتشار في أوساط المراهقين، وأنجبت له طفله الخامس "بارون". "المِزواج" ترامب، أو "المِزواج الكهل"، عُرف بشغفه ب"النساء الجميلات"، وهو دائم الظهور معهن، فيما لا يشكل فارق العمر عقبة أمام هذا الظهور، وربما -أيضاً- أمام علاقاته النسائية، ما يمكن التقاطه مما تورده زوجته الأخيرة، في مقابلة مع الإعلامية الشهيرة "باربرا وولترز" على تلفزيون "ABC" الأمريكي، حول "العلاقة الجنسية بترامب". تقلب سياسي سياسياً، لا يمكن رصد خط واضح لنهج ترامب السياسي، فعلى صعيد حزبيّ، تقلّب الرجل بين عدة أحزاب، فبين عامي 1987-1999 التحق بالحزب الديمقراطي، ليغادره بين 1999-2001 إلى حزب الإصلاح، وهو حزب صغير سعى من خلاله إلى الترشح للرئاسة الأمريكية لكنه أخفق تماماً، ليعود بين 2001-2009 إلى حضن الديمقراطيين، متأثراً بكراهيته ل"آل بوش"، وتحديداً خلال تسلم جورج بوش الابن الرئاسة، وبعد مغادرته البيت الأبيض انتسب بين 2009-2011 إلى الحزب الجمهوري، ليهجره لمدة عام واحد، ويعود إليه في 2012. خلال تقلبات ترامب الحزبية حاول تقديم نفسه كسياسي يمكنه أن يكون في مصاف النخبة الحزبية، إلا أنه عجز عن ذلك طوال قرابة ال30 عاماً، لاعتبارات عديدة، فهو في سنواته الديمقراطية لم يكن ديموقراطياً، وكذلك الأمر في سنواته الجمهورية، إذ عجز عن أن يكون جمهورياً، سواء لجهة خطابه أو لجهة غياب الرؤية السياسية الناضجة، أو على اقل تقدير في أوساط الجمهوريين المحافظين، الذين لا يتورعون عن نعته ب"الانتهازي السياسي" و"الجاهل الاستثنائي"، و"الدجال"، و"الأناني"، و"الفارغ". لكن، الانتقادات اللاذعة، التي توجه ل"ترامب"، من مختلف مكونات الطيف السياسي الأمريكي لم تمنع تقدمه الواضح في أوساط "المرشحين الجمهوريين" المفترضين للرئاسة الأمريكية، وهو ما يُرجعه المراقبون إلى خطابه "الشعبوي" المنفلت من أية ضوابط، أو المستند إلى أية "رؤية سياسية أو اقتصادية" واضحة، مستقطباً بكلماته قطاعاً مُعتَبراً من "الأمريكيين البيض"، المتواضعين فكرياً وثقافياً وسياسياً، خاصة أولئك المتضررين من العولمة، ومتأثرين بالواقع الاقتصادي، ويشعرون بالضغينة على "نخبة الجمهوريين"، الذين "خانوهم" و"خانوا ثقتهم"، وفق ما يصدر عنهم، وهم كُثر على أية حال. الحملة الانتخابية ترامب يدرك جيداً أن "نخبة الجمهوريين" ليست في صفه، وكذلك الأمر بالنسبة ل"نخب" المال والأعمال، الذين لا يتوانى عن وصفهم ب"الغباء"، وهو ما يدفعه إلى قيادة حملته الانتخابية بشكل شخصي، مستعيناً بثروته، وبعيداً عن أية مراهنة على تمويل الروافع السياسية التقليدية، فيما يستعد لمواجهتهم بعد انتهاء الحملة التمهيدية، خاصة إذا حرموه من حق تمثيل الحزب الجمهوري، وهو أمر غير مستبعد. الموقع الرسمي لحملة ترامب الانتخابية، التي تتبنى شعار "اجعل أمريكا عظيمة مجدداً" (Make America Great Again)، يكاد يخلو من خطوات أو برامج، اقتصادية وسياسية واجتماعية، تُقدم خطاباً واضحاً للناخبين، وهو ما يبرره الرجل بقوله "عدم الوضوح يحول دون معرفة اللآخرين لخططي ومهاجمتها"، الأمر الذي يتحمس له كثيرون ممن ينتسبون إلى "حزب المُغَيّبين"، الذين لا يعرفون شيئاً، وهو مستودع الأصوات الأكبر في عُقر الديمقراطية. العناوين العريضة، التي يقدمها الموقع الرسمي لحملة ترامب، تبدأ كلها بكلمة "إصلاح" (Reforming)، ومن بينها "إصلاح الرعاية الصحية"، و"إصلاح التجارة بين الولاياتالمتحدةوالصين"، و"إصلاحات إدارة المحاربين القدامى"، و"الإصلاح الضريبي"، و"إصلاح نظام الهجرة". ويستثني ترامب من كلمة "إصلاح" رؤيته لتملك الأمريكيين الأسلحة، إذ يناهض مشاريع منع الأسلحة بأيدي المدنيين، التي عملت عليها إدارة الرئيس الحالي، وهذا يتجاوب إلى حد بعيد مع رغبات "الأمريكيين البيض"، الذين يقدسون امتلاكهم للأسلحة الشخصية في ولايات عديدة ك(تكساس وغيرها)، ويدفع بإيجاد بدائل لنمو العنف الداخلي. أفكاره أفكار ترامب السياسية، أمريكياً ودولياً، التي يمكن رصدها عبر تصريحاته في وسائل الإعلام، كان قد نشرها في كتاب اصدره عام 2015 بعنوان "أمريكا العاجزة (أو المريضة): كيف نستعيد عظمة أمريكا؟"، وأورد فيه، عبر 17 باباً، رؤيته كاملة وأهميته ك"رئيس لأمريكا". تتخذ أفكار ترامب أبعاداً "عنصرية استعلائية" تجاه الآخر، وفق أساسين اثنين: "قومي/ عرقي"، و"عقائدي/ ديني"، متجاهلاً أن الآخر قد يكون "أمريكياً أسوداً"، أو "أمريكياً مكسيكياً"، أو "أمريكياً عربياً"، أو "أمريكياً مسلماً"، وهو ما يثير حنق قطاع واسع من الناخبين الأمريكيين، فيما يستثني من "الآخر" أتباع الدين اليهودي، الذي اتخذته ابنته "إفانكا" ديناً ب"الاعتناق" بعد زواجها من ثري يهودي متشدد. على الصعيد القومي، يهاجم ترامب ذوي الأصول المكسيكية، سواء كانوا مهاجرين شرعيين (يحملون المواطنة الأمريكية) أو غير شرعيين (يقدر تعدادهم بنحو 13 مليوناً)، ويعتبرهم سبباً رئيسياً في الكثير من المشكلات التي تعانيها بلاده، واعتبرهم مجرمين ومغتصبين، ولمواجهة الأمر ينوي بناء "جدار" على طول الحدود مع المكسيك، لكن "الرجل الأهوج" يتجاهل تماماً حقيقة الوزن الانتخابي ل"الأمريكيين من أصول مكسيكية"، وكذلك دورهم في الاقتصاد الأمريكي، الذي ظل على الدوام بحاجة لأيدي عاملة متدنية الأجر، فضلاً عن حاجة أمريكا لمنتجاتهم (الصناعية والزراعية..). استعداء ترامب للمكسيك دفع الرئيس المكسيكي انريكي بينا نيتو، الذي تمتلك بلاده أضخم سفارة أجنبية في أمريكا، وتحتل مساحة كبيرة بمبناها الضخم على جادة بنسلفانيا وسط العاصمة واشنطن، إلى الخروج عن صمته بالقول: إن "خطاب ترامب هو ذاته الذي مكّن الإيطالي الفاشي موسوليني، والألماني النازي هتلر من تولي الحكم". الإسلاموفوبيا أما على الصعيد الديني، فيعتبر ترامب المسلمين عموماً، والمسلمين الأمريكيين خصوصاً، واحداً من عناصر التهديد، متأثراً في ذلك بباحث مغمور مصاب ب"الإسلاموفوبيا"، يدعى فرانك جافني، وهو مؤسس "مركز السياسة الأمنية"، ويعتبره مركز "ساوثرن بوفرتي" القانوني واحداً من "أعتى" دعاة "الإسلاموفوبيا" الأمريكيين. "الإسلام يكره الأمة الأمريكية"، يقول ترامب، ويذهب بعيداً في تصوراته عن الأمر، فهو يرى أن "معظم المسلمين يكنون كراهية كبيرة للأمريكيين"، وهو ما دفعه (في ديسمبر/ كانون أول 2015) إلى إصدار بيان بعنوان "بيان دونالد ترامب لمنع الهجرة الإسلامية"، دعا فيه إلى منع المسلمين من دخول أمريكا، وإخضاع "المسلمين الأمريكيين" ضمن "قوائم دينية"، إضافة إلى إعلانه نيته إغلاق العديد من "المراكز الإسلامية" (المساجد) الأمريكية. ويتهم ترامب المسلمين عموماً ب"الإرهاب"، إذ لا يستطيع التمييز بين الجماعات المتشددة (كتنظيم داعش) وبين الإسلام والمسلمين، كدين ومؤمنين، ويجهل أو يتجاهل تماماً عدالة الإسلام، ودعوته إلى السلام بين الأمم، فهو الإسلام متجسداً ب"تنظيم داعش" ودولته، ويقول "سأقطع بسرعة رأس دولة داعش وسآخذ نفطها". سياسته الخارجية وفي السياسة الخارجية، يقدم ترامب نماذج مثيرة ل"الاستعلاء والعنصرية"، وكذلك ل"السخرية"، فهو يريد التحكم في الصين، وفرض قيود على تجارتها مع الولاياتالمتحدة، التي تسيطر فيها "المنتجات الصينية" و"المنتجات الأمريكية المصنعة في الصين" على حصة ضخمة من السوق، كل ذلك دون أن يحدد كيف. وفيما يخص "المنطقة العربية"، فلا يتردد ترامب من تبني خطاب "متناقض" و"غريب"، ولا صلة له ب"الممكن"، فهو يرى أن الدول العربية عليها دفع "الجزية" (ضريبة) لأمريكا، لمساهمتها في حماية المنطقة والتصدي لتنظيم داعش، وكذلك يدعو إلى إعادة احتلال العراق، رغم أنه عارض الحرب عام 2003. ويعتقد ترامب أن العالم "سيكون أفضل" لو بقي صدام حسين في العراق، ومعمر القذافي في ليبيا، وذلك في سياق انتقاده لحكم الديمقراطيين، فهو يرى أن "ليبيا كارثة، العراق كارثة، سوريا كارثة، كل الشرق الأوسط تحوّل إلى كارثة في عهد هيلاري كلينتون وباراك أوباما". وفيما يتعلق بإسرائيل والقضية الفلسطينية، فيقترح ترامب، الذي يؤكد على دعمه المطلق لإسرائيل، اخضاع الفلسطينيين لإسرائيل"، وتمويل واشنطن عمليّة نقل أربعة ملايين فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى جزيرة بورتوريكو الأمريكية، وزاد في عطائه بالقول: "حتى أنا شخصياً سأنشئ لهم نسخة مطابقة للمسجد (المسجد الأقصى) الذي يَقتلون بسببه الإسرائيليين الأبرياء". كثيرة هي ترهات ترامب، لا يمكن رصدها بدقة، إذ تشمل أيضاً العداء والسخرية الجندرية حيال النساء، وكذلك دعواته المتكررة إلى الاعتداء على مناوئيه، ومناصرته للتمييز ضد السود، وتعهده بتقديم "الدعم القانوني" لمن يخضع للمساءلة من أتباعه. حملة ترامب "عوراء"، لا ترى الواقع على حقيقته، وتكتفي بالنظر إلى كرسي الرئاسة، موظفة خطاباً "شعبوياً"، يعبر عن "جهل عميق" و"سطحية مفرطة"، لكنها استطاعت أن تضع "الأهوج" على قائمة أصحاب الفرصة في الفوز، مستحوذاً على حيّز مهم من ماكينة الإعلام الأمريكي، استطاع إيصال كلماته إلى نطاقات لم يحلم ببلوغها. دونالد ترامب