الانظمة التخطيطية والادارية التي تعمل بها البلديات اليوم يعود معظمها الى اكثر من اربعين سنة. هذه الانظمة تم اعتمادها في ذلك الوقت بسبب ملاءمتها لواقع المدن آنذاك وبناء على توقعات نمو مستقبلية تخالف واقع اليوم. لا يمكن لأحد ان يتوقع قبل اربعين سنة نوع وحجم النمو الذي حصل في سنوات الطفرة الاقتصادية او السنوات الاخيرة، وما صاحب ذلك من تغيرات ديموغرافية واجتماعية واقتصادية. هذه التغيرات كافية لأن تعيد وزارة الشؤون البلدية والقروية وبلدياتها حساباتها وتراجع انظمتها التي اعتمدتها لمدن المملكة. إن التعديلات التي ادخلتها بعض المدن على أنظمة البناء - مثل نظام الارتفاعات - لم تغيير من واقع المدن الى الافضل، حيث بقيت الانظمة الاساسية دون تغيير، فنظام البناء للمساكن لم يطرأ عليه اي تغيير يذكر حيث ما زال نظام الارتدادات هو نفسه من اربعين عاماً او اكثر. هذا النظام لم يعد مجديا لمدن تعاني ازمة سكن، فالنظام لا يسمح بالبناء عل 40٪ من الارض، وبالتالي قاد الى هدرٍ لمساحات كبيرة وتسبب في انخفاض الكثافة وزيادة الطلب على الاراضي، وهذا بدوره تسبب في تباعد المسافات وإجبار الناس على التنقل بالسيارات مما زاد من حدة الازدحام وكثرة الحوادث المرورية. ومثال آخر على هذه الانظمة التي اتضح تسببها في كثير من مشاكل المدن، هو نظام الشوارع التجارية. وهو نظام اعتمد على تشريح المدينة بكاملها من جنوبها الى شمالها ومن شرقها الى غربها بشوارع تسمى "شوارع تجارية" يسمح ببناء المحلات التجارية على كل شبر منها، بغض النظر عن مدى الحاجة لها ومدى توفر مواقف السيارات من عدمه وبغض النظر ايضاً عما تسببه من أذى للمساكن الملاصقة لها وللاحياء التي تتخللها. هذه المئات من الكيلومترات من "الشوارع التجارية" تتسبب في تقليل المعروض من الاراضي السكنية – على الرغم من الحاجة الماسة لها - وتلوث الاحياء وزيادة العمالة الاجنبية وما يترتب عن ذلك من آثار سلبية على الاقتصاد والمجتمع. ماذا لو اُستبدل هذا النظام بنظام المناطق التجارية، الذي يحدد مناطق كاملة يسمح بها بمزاولة الانشطة التجارية ومناطق اخرى سكنية لا يسمح بها إلا لنشاطات تخدم الساكنين (بقالات ومطاعم وسوبر ماركت ومحطات بنزين ومحلات اخرى صغيرة في مناطق تشبه مجمعات اسواق العزيزية) كل كيلومترين او ثلاثة، يتم تحديد اماكنها ومساحاتها مسبقاً بناءً على معايير مبنية على دراسات محلية لواقع المدن، كما ان المناطق السكنية يتم تقسيمها الى مناطق فرعية حسب نوعية نظام البناء، فيكون هناك مناطق مخصصة للعمائر السكنية واخرى للمساكن المستقلة. ان ما نحتاجه اليوم هو أن تقوم وزارة الشؤون القروية بإعادة النظر في جميع الانظمة البلدية واختبار تلك الانظمة لمعرفة مدى تحقيقها أهداف التنمية وراحة ورفاهية المواطنين ودورها في المحافظة على المال العام. قبل هذا كله على الوزارة أن تعيد النظر في الهياكل التنظيمية للوزارة والبلديات ومعرفة ما إذا كانت الادارات الحالية بحاجة إلى تغيير أو إضافة، لكي تستطيع ان تتعامل مع الوضع الراهن للمدن والمتغيرات المستمرة بها. لا يمكن لوزارة الشؤون البلدية والقروية أن تقود اي تغيير إيجابي دون أن تبدأ بنفسها وتنظر إلى مرآتها، فإن فعلت ذلك فسوف تلاحظ الترهل الذي حصل لها وما نتج عنه من ضعف. لقد اسرفت الوزارة في الاهتمام بالتفاصيل والدخول في متاهات المعاملات اليومية التي ما كان لها ان تشغل وقت الوزارة لو كانت الانظمة فاعلة وواضحة، فالوزارة دورها تشريعي ورقابي ولكن البلديات اشغلت الوزارة عن هذا الدور الهام بقصد او بغير قصد، واستمرت البلديات في الاهتمام بالفسوحات والتراخيص - دون غيرها - بانظمتها واسلوبها القديم، بينما تستمر المدن وسكانها في معاناتهم من آثار القرارات البلدية التي لا تعير اهتماماً للمتغيرات، كما ان أداء البلديات لم يتطور ليواكب التطور الاقتصادي والاجتماعي.