مسارات الشراكة الإنسانية، تعرّضت في الشرق لتحديات كبيرة، سواء عبر حروب الغرب واحتلالاته المدمرة ضد الشعوب والأبرياء، أو الردود المنحرفة من تيار متطرف من العالم الإسلامي على المدنيين الغربيين، وهو ما أثر في تقليص المنصة الثقافية للمصالح الإنسانية. وهجرة هذا المفهوم والاكتفاء بثقافة الملاعنة، لكل غربي رسمي وشعبي وأكاديمي ومدني، أضر كثيراً بفكرة الإنسان في وجدان المسلم المعاصر، ولم يحم ولم يساعد أبداً مناطق النكبات التي تعرضت لأقسى تدخل وانحياز وحروب بالتفعيل أو التفويض، فيما تخصصت جماعات العنف الوحشي، لتعقب المدنيين الغربيين، وقتلهم أو رهنهم لكونهم مدنيين كفاراً في أوطانهم أو في وطن الشرق الكبير. إن مثل هذا المسار لم يستوف في تقديرنا، مساحة معرفة الساحة الأخرى، واعتمدت المؤتمرات الغربية المُسيسة للحكم على المجتمع، وليس تقييم حراك اليسار الغربي الجديد أو قساوسة منصفين، أو الأكاديميين الباحثين المعتدلين، أو شريحة واسعة من منظمات أو أفراد للمجتمع المدني الغربي، حملوا أفكارا ومواقف منصفة فضلا، عن مبادرات تضامن نوعية. ورغم كل هذه الأمواج من الكراهية المتبادلة وهي كراهية ذوات لا كراهية عقائد منحرفة، نص عليها الإسلام، إلا أن ما رشح من تجارب وجسور، يؤكد أن هناك جذوراً للطريق الثالث، والذي في خسارته والقطيعة معه، خسائر كبرى للشرق الإسلامي وشعوبه، وهي تجيّر اليوم، في التسويق لمفاهيم طائفية وقومية من طرف اقليمي ضد العرب لمحاصرة الشرق، ولا تبني أي تفاهمات بين الطوائف، ولكن تُسعرها وتخاطب الغرب ومجتمعه المدني، بتحريض على أمة الغالبية في الشرق المسلم. لقد غابت كثيراً مبادرات صناعة الطريق الثالث، ومع وجود صعوبات في تحقيقها، خارج الأُطر الرسمية، أو في أطر رسمية تؤمن بمبدئيه المشروع والفكرة، ولا تتدخل فيه لصالح علاقتها الموسمية مع الغرب، إلا أنّ هذا المفهوم، تأثر أيضا من منابر وشخصيات. تحولت لديهم قضية المواجهة مع أي مجتمع أو جماعة من أهل الكتاب في الغرب، إلى نزعة صراع شخصي فيهم، فيُحرض فيها بكل قوة على أي رأي فضلا عن مشروع، ويساعده حجم الخطاب العنيف الذي يسود في علاقات المسلمين الذاتية، ونزعة التكفير والمشاتمة فضلا عن أجواء الصراع المتوحش مع الغرب من الطرفين. وكان من الضروري للعبور إلى قاعدة التفكير في الطريق الثالث للعلاقة الغربية الإسلامية، الذي شرحنا مبادئه في المقال السابق، جس الواقع المشترك، بين المسلمين المواطنين في الدول الغربية، وبين المجتمع المدني والمؤسسات السياسية والرأي العام، وما هو واقعها كجس نبض أولي لمسار بحث أوسع من أطروحة مقال. ولقد كان الجواب الذي وردني في كوبنهاجن أو ستوكهولم، متقاربا جدا، من حيث إن العهد الأول لقدوم الجاليات المسلمة، كان محل ترحيب كبير جدا، واحتواء وتقديم للمساعدات وتضامن معهم، وربما استمر الأمر حتى منتصف السبعينات، ولم يكن ذلك التغيّر في البداية من آثار الحملات الإعلامية على الإسلام والصراعات المختلفة، ولكن كان وفق هذه الشهادة كان بسبب سلوك بعض المسلمين، الذين أساء بعضهم استخدام هذا التعاون، في الخدمات والعلاقات، فتأثر الموقف الإسكندنافي بذلك. ثم ازدادت التحديات، بعد 2001، والتطورات السلبية والحملات من اليمين المسيحي والاعلام، الذي بلا شك وجد في صورة جماعات التوحش، دليلا مركزيا لاستهداف المسلمين في المهجر، أو تعزيز استهداف الشرق المسلم، الذي كان مرتهنا في تدخلات الغرب الرسمي وحروبه، ومع ذلك ذكر لي بعض شخصيات المجتمع المسلم الاسكندنافي، جملة من المواقف والشخصيات الإيجابية، التي تواصلت وقدمت مواقف جيدة، تجاوز بها المسلمون هذه الظروف بنسبية عالية. ومن هذه المواقف رفض القس الأكبر في كوبنهاجن، توجه طُرح للحكومة الدنماركية بعد حادثة شارلي ابيدو، لنشر الرسوم المسيئة في المناهج، وهو الاقتراح الأحمق الذي صُرف النظر عنه، بعد موقف القس الأكبر ومسؤولين آخرين، وهو موقف محمود تحول لصالح الدنمارك ذاتها، وكل مواطنيها المسيحيين والمسلمين وغيرهم. ويقاس على ذلك حملة المجتمع المدني في السويد، بعد هجوم متشددين كتبوا عبارات مشينة على مساجد السويد وألقوا برأس خنزير، وغيرها، قابلتها حملة تضامن تقصد المساجد من مواطني السويد غير المسلمين، وتضع باقات ورد عند أبوابها، وتتواصل مع ممثلي المسلمين هناك للتضامن معهم، فيما دعم بعض الفعاليات السياسية والثقافية حقوقهم الوطنية المدنية. وذكر لي أحد الشخصيات المرموقة من مسلمي السويد، أن الجالية تجاوزت كثيرا هذه التحديات وربطت جسرا حيويا، مع المؤسسات والشخصيات المختلفة، لكن لا يزال الطريق طويلا لتحولهم الى جماعة ضغط سياسي لحقوقهم المدنية، ومنبراً لقضايا الشرق المضطهدة من الغرب وغيره.