بيّن رئيس المجلس الإسلامي بالدنمارك الشيخ عبدالحميد الحمدي أن الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم أسهمت في توحيد كلمة مسلمي الدنمارك، حيث التفت بعض الجمعيات مع المجلس الذي طور عمله بشكل سريع، على الرغم من الصعوبات الكثيرة التي تواجه المسلمين في الدنمارك، بعضها ذاتي يتعلق بحجم التنوع والتباين في وجهات نظر الأقلية المسلمة، واعترف الحمدي أن التنسيق بين المؤسسات الإسلامية في أوروبا ضعيف وذلك لتباين المرجعيات الفقهية والفكرية والتنوع العرقي والجغرافي. وأكد رئيس المجلس الإسلامي بالدنمارك في حواره مع «الجزيرة» أن الأعمال التي تقوم بها الجماعات المتطرفة في بلاد المسلمين زادت في ترسيخ الصورة لدى الإعلام الغربي بوحم الإسلام والمسلمين بالإرهاب. كما تناول الحوار مجموعة من القضايا المتعلقة في العمل الإسلامي بأوروبا وغير ذلك.. وفيما يلي نص الحوار: * ما تعداد المسلمين في الدانمارك، وما عدد المساجد فيها؟ - لا توجد إحصائيات دقيقة حول تعداد المسلمين في مملكة الدنمارك، وإن كانت التقديرات تشير إلى وجود نحو ربع مليون مسلم ينحدرون من عدة بلدان وأعراق وثقافات. وهناك تقديرات عن أن المسلمين السنة يشكلون أكثر من 85 % بينما يمثل الشيعة حوالي 13 % ويعتبر وجودهم حديثاً حيث أن أغلبهم ينحدرون من العراق وإيران ولبنان وباكستان أي بنسبة 5% من مجموع المواطنين الدنماركيين. وتتوزع خارطة المسلمين في الدنمارك على عدد من الجنسيات والأعراق، مسلمون من منطقة البلقان وشمال أفريقيا وجنوب شرق آسيا وتركيا، وإيرانيون وفلسطينيون ولبنانيون وألبان وعراقيون وصوماليون إضافة إلى بضعة مئات من سورية وليبيا و تونس والجزائر ومصر والمغرب واليمن وقلة من دول الخليج العربي، كما أنه يوجد حوالي عشرين ألف مسلم من جذور دنماركية. وقد أثر هذا التنوع على نشاط المسلمين هنا في الدنمارك، حيث اتجهت كل جنسية إلى العمل لوحدها وتأسيس جمعيات وربما حتى مساجد بشكل منفصل، تستخدم اللغات الأصلية لتلك الأعراق، قبل أن ينشأ جيل ثاني من المسلمين بدأ يتجه لاستخدام اللغة الدنماركية للتعريف بالإسلام. وقد كان للرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم الأثر الكبير في توحيد كلمة مسلمي الدنمارك، حيث التفت بعض الجمعيات مع المجلس الإسلامي الدنماركي، الذي طور عمله بشكل سريع وأنجز بالإضافة لبناء مسجد كبير بمئذنة هي الأولى من نوعها في دولة اسكندنافية ومركزا حضاريا يضم العديد من المرافق، وبالنسبة للمساجد، يمثل مسجد خير البرية الذي تم افتتاحه في حزيران (يونيو) الماضي أحد أهم المساجد وقبلة المسلمين التي يجتمعون فيها في المناسبات الدينية الرسمية، كما يوجد في الدنمارك أكثر من مئة مصلى ودار للصلاة، ويوجد مسجد للطائفة الأحمدية في أحدى ضواحي كوبنهاغن وتعمل جمعية أهل البيت على تشيد مسجد في الحي الشمالي الغربي في العاصمة كوبنهاغن. * لا شك أن هناك ثمة صعوبات تواجه المسلمين في البلدان الأوروبية ماذا عنها في الدانمارك؟ - هناك صعوبات كثيرة تواجه المسلمين في الدنمارك، بعضها ذاتي يتعلق بحجم التنوع والتباين في وجهات نظر الأقلية المسلمة، بالنظر إلى انحدارها من بلدان إسلامية شتى، واختلاف مرجعياتها الفقهية والفكرية، واختلاف لغاتها الأم، وبعضها الآخر موضوعي لجهة الصورة النمطية التي يحفل بها الإعلام الغربي عامة والدنماركي تجاه الإسلام كدين والمسلمين كأقلية، وهذا العامل الموضوعي بدأنا في التغلب عليه، بسبب صعود عدد من أبناء الجيل الثاني من أبناء المسلمين ممن يتقنون اللغة الدنماركية واستطاعوا تبوأ مناصب وظيفية مهمة في المؤسسات البلدية والتنفيذية في الدنمارك، دون أن يتمكنوا من تحقيق تقدم جوهري في الإعلام الدنماركي. وربما هذا الأمر يعود في الأساس إلى قلة الإمكانيات الاقتصادية، وانشغال المسلمين بتوفير مستلزمات حياتهم في الدنمارك، والتزامات عائلية لازالت تربطهم بأوطانهم الأم. لكن هذه الصورة بدأت في التغير مع تأسيس جمعيات إسلامية تطورت شيئا فشيئا لتواكب القضايا المعيشية والتحديات اليومية التي تواجه المسلمين في الدنمارك خاصة وفي الغرب عامة. * كيف ترون التنسيق بين المؤسسات والمجالس الإسلامية في أوروبا لتقديم صورة صحيحة عن الإسلام الوسطي البعيد عن العنف والتطرف والإرهاب؟ - للأسف التنسيق بين المؤسسات الإسلامية في أوروبا ضعيف، والسبب في ذلك ليس فقط لتباين المرجعيات الفقهية والفكرية فحسب، وإنما أيضا التبرع العرقي والجغرافي الذي ينحدر منه المسلمون الموجودين هنا في الدنمارك. وقد تمكنا في المجلس الإسلامي الدنماركي من تجميع بعض الجمعيات الإسلامية، لكن هذه خطوة أولى تحتاج إلى كثير من الجهد الفكري والثقافي والدعوي، وأيضا ترسيخ الحوار بينها وتكثيفه من أجل الوصول إلى تحديد القواسم المشتركة التي توحد مسلمي الدنمارك وتخدم مطالبهم في هذه البلاد. * بحكم تجربتكم في العمل الإسلامي في أوروبا ما الأسباب الرئيسة وراء خوف بعض الأوروبيين من انتشار الإسلام؟ - لا بد في البداية من التأكيد على أن جزءا كبيرا من المخاوف التي يتم التعبير عنها في الإعلام الغربي من الإسلام والمسلمين فيها مبالغة كبيرة، وتعكس صورة نمطية في الغرب عن الإسلام والمسلمين لم تتطور على الرغم من أن مياه كثيرة قد جرت في نهر العلاقات بين الأديان والثقافات والحضارات ومنها الجهد الكبير الذي تبذله المملكة في هذا المجال. والظاهر هنا في الغرب أنهم يحترمون الأديان، لكنهم يخافون التأويلات الموجودة للدين، وتحديدا في ملفي الإرهاب والموقف من المرأة. فالمسلم لا يزال في الصورة الغالبة هنا في الغرب، هو مشروع إرهابي، وينظر إلى المرأة نظرة دونية ويعتبرها متاعا ليس إلا. وللأسف الشديد فقد زاد من ترسيخ هذه الصورة الأعمال التي تقدم عليها الجماعات المتطرفة في بعض بلاد المسلمين، لا سيما في العراق وسورية وأفغانستان، وهي أعمال تعمق ذات الأفكار المسبقة عن الإسلام والمسلمين. إلا أن المتابع المتفحص للجهات النافذة في الإعلام الغربي، يستطيع أن يتأكد أن كثيرا منها غير منصف، وأنه يعبر عن قناعات قبلية عن الإسلام، ويستخدم الوقائع الشاذة ويعممها على اعتبارها تمثل الإسلام. * من الملاحظ أن الإعلام في أوربا عامة وفي الدنمارك خاصة يركز بشكل كبير على السلبية في المجتمع المسلم على الرغم من أن المسلمين مندمجون في المجتمع بشكل كبير.. ترى ما سبب ذلك؟ وكيف يمكن تصحيح الصورة المغلوطة؟ - السبب في التركيز على الجانب السلبي لدى المسلمين وإبرازه بشكل لافت للانتباه، هو جزء من طبيعة الصراع الثقافي والحضاري الموجود في العالم من جهة، لكنه في الحقيقة يستبطن موقفا قبليا يرفض أن يعطي المساحة الكافية للإسلام الوسطي المعتدل، وهو الغالب في كل أنحاء العالم ليفند أفكار المتطرفين ويشرح الصورة الحقيقية للإسلام المتسامح القائم على الكلمة السواء، والمتسامح الذي يحترم الاختلاف ليس فقط في الثقافات والحضارات وإنما أيضا في الأديان. بعض المتابعين يربطون هذا العداء للإسلام في الإعلام الغربي بلوبيات صهيونية لها مصلحة في تأجيج الرأي العام الغربي ومراكز النفوذ تحديدا ضد الإسلام والمسلمين، ويدعمون ذلك بالقول بأن المؤسسات الإعلامية وإن تمسكت بكل مبادئ الحياد والموضوعية، إلا أنها في نهاية المطاف لن تكون جمعيات خيرية تخدم مصالح دول وقوميات لا علاقة لها بالغرب. لكن هذه القوى على الرغم من نفوذها إلا أن وسطية الإسلام واعتداله تبدو أقوى من كيدها، وظلت يد الحوار والتواصل الحضاري قائمة، حتى لدى الحكماء في المؤسسات التشريعية والتنفيذية والإعلامية الدنماركية والغربية. * يلحظ نقل المسلمين العرب مشكلاتهم في بلدانهم إلى البلاد الأوروبية مما يؤثر على مسيرة العمل الإسلامي وتعطيلة؟ ما السبيل للحد من ذلك؟ - نعم، هذه أحد عوائق العمل الإسلامي الموجودة ليس في الدنمارك وحدها وإنما أيضا في الدول الغربية جميعا. فالجيل الأول من المسلمين وهو آخذ في الاضمحلال والتلاشي بالمناسبة، ظل مزدوج الانتماء، فهو مواطن أوروبي بكل ما تعنيه المواطنة من معنى، ويتمتع بكل امتيازات المواطنة الغربية، لكنه مازال مرتبطا بوطنه الأم رحما وعلاقات. وهذا الارتباط أثر على عمل المؤسسات الإعلامية التي كانت في بدايتها عبارة عن تجمعات لمسلمين من دول ومناطق مختلفة. لكن مع مرور الزمن وضخامة التحديات، ونشوء الجيل الثاني والثالث بدأت قضايا جديدة تبرز على السطح، وبدأ ارتباط المسلمين يركز على التحديات المحلية للمسلمين هنا، وقد تمكنا بالفعل من تجاوز كثير من العقبات، وأسسنا مؤسسات إسلامية ضخمة تمهد الطريق لوحدة المسلمين وأولوية قضاياهم هنا، ومنها كما قلت المجلس الإسلامي الدنماركي ومركز حمد بن خليفة آل ثاني الحضاري التابع للمجلس. * ضبط الفتوى من المسائل المهمة التي تحتاج إلى وضع آلية عملية لها؟ فكيف يمكن أن تسهم المؤسسات والهيئات والمجالس الإسلامية في الغرب في إيجاد الحل؟ - على الرغم من أن التحديات اليومية التي يعيشها المسلمون في الغرب عامة والدنمارك على وجه الخصوص كبيرة وضخمة، لجهة تأمين حياتهم والاعتناء بأبنائهم، فقد ظل الدين حاضرا بقوة في توجيه حياة المسلمين. ولا شك أن الفتوى تمثل أحد أهم التحديات التي تعترض المسلمين هنا، بسبب قلة العلماء المنشغلين بفقه الأقليات أولا، وضيق مساحة الوقت وخصوصية التجربة الإسلامية في الغرب، التي تواجه كل يوم مستجدات لا قبل للمسلم بها في بلادنا العربية والإسلامية. لكن مع ذلك ظل غالبية المسلمين هنا في الدنمارك، والمجلس الإسلامي الدنماركي، واحد من هذه المؤسسات يعتمد المراجع الإسلامية الكبرى كهيئة كبار العلماء والمجمع الفقهي بجدة في المملكة العربية السعودية والأزهر الشريف ووزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية السعودية والكويتية والقطرية ومراجعها بالإضافة إلى مجلس الإفتاء الأوروبي، الذي استطاع أن ينهض بدور مهم في معالجة قضايا المسلمين في الغرب، لكن مع ذلك يظل فقه الأقليات المسلمة في الغرب أحد أهم الملفات المطلوب العمل عليها. * مالذي تريده المؤسسات والمجالس الإسلامية في أوروبا من وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية في بلدان العالم الإسلامي؟ - المؤسسات الإسلامية في أوروبا تمتلك الكثير من الإمكانيات الموضوعية للإشعاع الحضاري على ثقافات الغرب، وبإمكان وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية العربية، ولا سيما في المملكة العربية السعودية، أن تسهم في دعم هذه المراكز، من حيث توفير المادة العلمية والعلماء القادرين على ترجمة الرؤية الوسطية المتسامحة للإسلام المعتدل بعيدا عن الأفكار المتطرفة يمينا أو يسارا. ويمكن القيام بذلك إما عبر مؤتمرات فكرية وفقهية وعلمية مختصة عن النقاط التي لا يزال الغرب يأخذها عن الإسلام، وأيضا من أجل عزل الفكر المتطرف والتأكيد على أنه لا يمثل الإسلام ولا المسلمين. كما أن وزارات الأوقاف يمكنها أن تسهم في دعم مسلمي الغرب عبر توفير دورات علمية ودينية لطلاب المدارس هنا في الغرب، بل وتأسيس جامعات علمية تكون من بين اختصاصاتها تدريس الفكر الإسلامي والفقه وأصوله مع تطويرها على نحو يواكب تحديات المسلمين هنا في الغرب، ويجيب على أسئلتهم الأساسية. هذا بالإضافة إلى الإسهام في تكوين علماء أصحاب عقيدة سليمة قادرين على الإبداع باللغات الأجنبية وخبراء بمسائل الفقه والفتوى يمكنهم أن يكونوا جزءا من مؤسسات الفتوى في هذه الديار. * إضافة أخيرة تودون طرحها؟ - الملاحظة التي أريد إضافتها، أن جزءا كبيرا من الصورة التي يتم ترويجها عن الإسلام والمسلمين هنا في الغرب عامة، وفي الدنمارك على وجه الخصوص، هي نتيجة من نتائج الصراعات الموجودة في بلادنا الإسلامية، بل إن ظاهرة العنف التي رمي الإسلام بها، هي أحد إفرازات الصراعات الدائرة في العالم العربي والإسلامي، وهذه عملية تطويقها ليست بيدنا نحن، لكن ما نستطيع أن نفعله لجهة عزل هذه الأعمال وتهميشها هنا في العالم الغربي كبير، والمساحات متوفرة، المهم أن تتوفر الإرادة لدى المؤسسات العاملة للإسلام في بلادنا العربية والإسلامية، والمعنية بتحسين صورة الإسلام في الغرب والدفاع عن وسطية المسلمين واعتدالهم ضد محاولات الشيطنة والدفع إلى الحروب بين الأديان. هذه الإرادة تتطلب مزيدا من التنسيق المباشر بين المؤسسات الإسلامية والأكاديمية والأهلية العاملة هنا في الغرب، وبين المؤسسات العلمية والدينية في عالمنا العربي، ولا سيما هيئة كبار العلماء ومؤسساتهم الفقهية، وإنتاجاتهم الفكرية.