الموت نهاية كل حي، سنة جارية على الأولين والآخرين، والمصطفى صلى الله عليه وسلم استحب ذكر الموت لهيبة ذكره والعظة من التماس حقائق ما بعده؛ لتستقيم أنفسنا، ويصلح شأن ما بيننا في هذه الحياة. وفي الحديث الشريف عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجل من الأنصار، فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: يا رسول الله، أي المؤمنين أفضل؟، قال: "أحسنهم خلقا" قال: فأي المؤمنين أكيس، قال: أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم لما بعده استعدادا، أولئك الأكياس". وذكر الموت يذكرنا دائما بالمقابر ورغبة الإنسان الفطرية في أن يُكَرم حيا وميتا، ولما نعتقده أبناء الإسلام من مشروعية إكرام الميت وكل ما يرفع من شأنه ميتا إذ أن حرمته ميتاً كحرمته حياً، وأن مما يصل الميت الدعاء له، سواء كان ذلك في صلاة أو في غيرها، لكل هذا كان لأمر مراسم غسل الميت والجنازة هيبة فطرية فرضتها قدرة المولى -عز وجل-. ولقد وافق أن استحثني للكتابة هذا الأسبوع في شأن الموتى والمقابر أن توفي رجل من الأحباب وتلته امرأة من القربى -رحمهما الله رحمة واسعة- وكان مدفنهما في نفس المقبرة وفي ساعات متوالية لنفس اليوم مما استدعى بقاءنا لنهار وليل ذلك اليوم في المقبرة وتلك المقبرة تعتبر من أقدم المدافن التي نعرفها على مر تاريخ المنطقة وهي مقبرة "الكوت" العتيقة التي يمتد تاريخها لصدر الإسلام الأول، بل ويذكر بعض العارفين أنها أقدم من ذلك، وعلى هذا فإن المفترض عقلاً أن تكون من الأفضل تنظيماً في كل شيء وخصوصاً ما يخص بروتوكول الدفن ونظام التعزية المباشرة بعد الدفن. وإنه لمما يحزنني حقاً مجرد الحديث عن حزمة السلبيات التي واجهتنا وتواجهنا في كل مناسبة أسى وحزن عند دفن حبيب أو قريب، والأمر كما هو في واقعه مريراً، وقد قاومت نفسي كثيراً في الحديث عنه؛ كونه أمراً حساساً. وأختصر فوضى المقابر وما يجب على من يهمه الأمر التعامل معه بصورة فورية من أمانات المدن والبلديات وجمعيات إكرام الموتى لدينا فيما يلي: أولاً: ما يخص موقع القبر.. يشهد موقع القبر تجمع أعداد في العادة تكون كبيرة في مساحة صغيرة جداً ومجاورة في معظم الأحيان لقبور أخرى، وما يحدث في الواقع هو حالة من التزاحم الشديد والتصادم، ويزيد الأمر سوءاً الأرضية الطينية واختلاط الماء بالأتربة لحاجة الدفن وبناء اللحد وكون عدد كبير من الواقفين على القبر من كبار السن الذين يحتاجون في الأصل للمساندة، كل هذا في وجود جو عارم من الحزن مما يزيد النفس ألماً على ألمها لفقد المتوفى. والمرجو على أقل تقدير من مسؤولي البلديات والأمانات توفير مخطط مبسط وسهل لمدخل ومخرج القبر، يضمن انتظام المعزين في صف منتظم للدخول في هدوء والخروج بسلاسة تضمن كرامة الجميع. أما على المدى البعيد فإنه من حق أهل المتوفى حرية الزيارة والعودة لقبر حبيبهم المتوفى والأمر متاح بكل سهولة هذه الأيام بإمكانية تحديد إحداثيات كل قبر مع بعض المعلومات الأساسيه كحد أدنى للتوثيق. ثانياً: مكان تقديم العزاء داخل المقابر يشهد عادة حالة من التكدس البشري والاختناقات التي يخلقها في معظم الأحيان الناس أنفسهم بتجمعهم من عدة اتجاهات وإصرار كل اتجاه على الدخول قبل الآخر في منظر يتكرر بطرائق تستجلب الإحباط والأسى. والأمر كما أراه يستوجب وجود لقبول شخص واحد كل مرة مما سيضمن السلاسة وسرعة الانتهاء أو تواجد عنصر بشري يقوم بمهام تنظيم المرور ويضمن سلاسة الحركة. وفيما رأته عيني من مبانٍ معدة لهذا الغرض نجد أن التصميم والتكييف يخضع لآراء شخصية كون هذه المجالس تبرعات شخصية من أهل الخير في معظم الأحيان. ثالثاً: أماكن وقوف السيارات معدومة في معظم الاحيان ويعمد المعزون في أحيان كثيرة للدخول بسياراتهم داخل المقابر. رابعاً: تواجد عامل بشري يمارس دور الرقابة والأعمال الإدارية الاعتيادية، يكاد يكون معدوما فيما عدا وجود لوحة تحمل ارقام تليفونات من يفترض تواجدهم عند الحاجة. ولقد كان لي سابق تجربة في زيارة إحدى المقابر التي أعدها نموذجية وهي مقبرة الصليبيخات في دولة الكويت الشقيقة وقد وجدت فيها من التنظيم والترتيب في كل شيء ما سرني كثيرا مما يجعلني أدعو القائمين على شؤون المقابر لدينا للاطلاع على هذه المقبرة وبالتأكيد غيرها من التجارب الناجحة مما يستوجب ضرورة تغيير النمطية المؤلمة في مقابرنا، وهو أمر أرى وجاهته وأولوية الأخذ به لحساسية سويعات مفارقة الأحبة؛ لكي تتفرغ القلوب لمصاب الموت، وكفى بالموت واعظا، وعلى الله قصد السبيل.