رغم التوسع العمراني وتمدد المخططات ونطاق المدن والقرى، إلا اننا نسينا أوضاع المقابر، حيث شغلنا ما فوق الأرض من علو البنيان وزينة الحياة الدنيا ومتعها، عن الاهتمام الكافي لما تحتها لاكرام موتانا بتوفير مقابر وقبور كافية، وأعني هنا مقابر جدة رغم ما نلمسه من الأمانة من جهود وخطط، ولمن لا يعلم بها، ومن الانصاف هنا أن أذكر أبرز جوانبها: فطبقاً لتقرير حديث صدر مؤخراً عن أمانة محافظة جدة، شهدت المقابر خلال الفترة الماضية لقلة نوعية من حيث الكم والكيف وادخال التقنية الحديثة على آلية العمل بها، وذلك بربط المقابر إلكترونياً مع وزارة الصحة والمستشفيات التابعة لها وتوحيد نماذج الدفن، وتأمين أجهزة إلكترونية وطوابع وماكينات تصوير وتوصيل خطوط هاتفية للمقابر التي لا يوجد بها خطوط هاتفية. ويضيف التقرير أنه تم تحديد أماكن المقابر في المحافظة والمناطق المحيطة بها مثل (ثول وذهبان والخمرة وطريق مكة القديم) والتي تبلغ 115 مقبرة بنظام GPS وذلك لسهولة الوصول اليها، وزيادة عدد السيارات المختصة بنقل الوفيات وتوفير 3000 قبر للطوارىء فضلاً عن تخصيص مقبرة للمرة الأولى لدفن المشيمات والأبتار التي تأتي من المستشفيات ووضع لوحات إرشادية توضح أن الدفن والغسيل والقبر مجاناً، الى آخر التقرير من حيث تسوير عدد من المقابر وترسية 8 مقابر للمؤسسات الخاصة من بين العدد الاجمالي لمقابر جدة العاملة والبالغة 15 مقبرة بهدف تحسين الخدمة المقدمة لذوي المتوفين. وتسعى الأمانة الى تزويد المقابر بخطوط هاتف وجهاز كمبيوتر متصل مع الشؤون الصحية بالغربية والأمانة لتوحيد إجراءات الدفن وزيادة مواقف السيارات حولها وعمل صالات استقبال للمعزين بكل مقبرة إضافة الى تخصيص غرفة لتغسيل الرجال وأخرى للسيدات. وقد لمست أكثر من حالة حضرت دفنها وسمعت من ذوي المتوفين حجم المعاناة التي أشرت اليها رغم أهمية الاسراع بدفن الميت ففيه اكرامه. لابد من تأهيل مقابر أخرى وتوسعة اضافية لبعض القبور العاملة، ولابد من مساهمة القطاع الخاص من الموسرين مع الأمانة، أليس في هذا ثواب وجزاء من الله وإكرام لموتانا، بدلا من الحيرة وكأن الأرض قد ضاقت بجثامينهم الواجب الاسراع بدفنها. فزيادة الطاقة الاستيعابية للمقابر القائمة لا يكفي ولا يمكن الاتكاء على ذلك، بينما الحاجة قائمة الى زيادة عدد المقابر. نتمنى أن تبدأ خطة عاجلة لادخال عدد من المقابر غير العاملة للخدمة والاستفادة منها في دفن موتى المسلمين، فهذا جانب مهم وخدمة أساسية لا يمكن أن تشغلنا عنها مشروعات التطوير فوق الأرض، بينما من الصعب الا نجد مكانا للمتوفين، وكأن الأرض ضاقت بهم على رحابتها وامتدادها، وأخشى أن تكون نظرية القائمين على هذا الأمر بأن الحي أهم من الميت وهو أمر صعب. فالانسان في حياته يستطيع أن يصبر على صعوبة الحياة أو ضيق العيش أو ضيق المكان شهوراً وسنين، بل هناك من يتحملون ذلك العمر كله، أما الجري الى هذه المقبرة أو تلك بحثاً عن قبر يوارى فيه الميت الثرى فإنه شيء مؤلم وصعب، فيكفي حزن ذوي المتوفين على الفراق ولا ينقصهم معاناة في أن يجدوا حفرة لموتاهم وإكرامه بسرعة دفنه، نتمنى من أصحاب المعالي امناء المدن ورؤساء البلديات في المملكة دفع هذه الجهود نحو زيادة الطاقة الاستيعابية للمقابر أو زيادة عددها.. اسأل الله أن يبارك في أعمار الجميع وجزاكم الله عنا كل خير. حكمة : قبورنا تبنى ونحن ما تبنا ياليتنا تبنا من قبل أن تبنى