الأكثرية من المجتمع تعول على ما يتمخض عنه برنامج التحول الوطني الذي ينظمه مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية (CEDA)، وأعتقد أننا منذ زمن ونحن ننادي بمثل هذه الخطوة التاريخية التي تجعلنا نفكر ونعمل لما بعد النفط وأن يكون هناك تنوع لمصادر الدخل اضافة الى النظر للقطاع الخاص كشريك اقتصادي واجتماعي وليس مجرد صاحب حصة محدودة وكذلك تفعيل القطاع الثالث وهو القطاع التطوعي أو الخيري للوصول الى التوازن المنطقي في الادوار والمسئوليات بين تلك القطاعات الثلاثة وهو ما تعتمد عليها الان اقتصادياً واجتماعياً كافة دول العالم المتحضر والمتقدم. المملكة استثمرت خلال العقود الماضية في تأهيل وتطوير القوى البشرية بشكل فريد وكان من نتائج ذلك وجود علماء وخبراء ومفكرين سعوديين في كافة المجالات وأصبحت المملكة تقدم الاستشارات والخبرات لكافة دول العالم وبالاخص العربية وأيضاً تنافس وتنفذ مشاريع من خلال الشركات السعودية في أغلب دول العالم، وكنا وما زلنا منفتحين على العالم ونسعى جاهدين لاستقدام وتوطين الخبرات والتقنيات ولدينا ما يزيد على أربعمائة مكتب استشاري سعودي يديره خبراء سعوديون في كافة المجالات. نحن اليوم نعرف مشاكلنا والتحديات التي تواجهنا والحلول التي تتوافق مع كافة بيئاتنا سواء اجتماعية أو غير اجتماعية وما بقي إلا وأقول نحن نعرف ولدينا القدرة لقيادة مرحلة التحول بكفاءة وجدارة ولكن ما لم أفهمه وما يدور في الشارع الثقافي والعلمي هو لماذا نندفع ونجعل شركات الاستشارات الأجنبية تفكر وتخطط عنا وتدير الأمور وتجعلنا مسحورين بها علماً بأننا على يقين بأنهم لن يقدموا أكثر مما نقدم ولن يقدموا أكثر مما قدموا في السابق من خطط واستراتيجيات واخرتها استلموا فلوسهم وباعوا لنا ورقا ولم يبيعوا لنا منجزا على الاقل قد نلمسه على أرض الواقع ونراه بأعيننا. الكثير من الأفكار التي تقدمها تلك الشركات جميلة ونحلم بها وقد تكون نجحت في دول متقدمة وتسبقنا بقرون من التجارب والتحولات ولكن في ثقافات وأنماط اجتماعية مختلفة والعالم وصل اليوم إلى قناعات بأن المنظور الثقافي والاجتماعي والتشريعي لأي بلد هو المنطلق لأي تغيير وتحول، فمثلاً في العلاج وبالأخص العلاج النفسي أصبح هناك ما يسمى بمفهوم الطب النفسي أو العلاج النفسي الثقافي أو من منظور ثقافي وهو أن يكون المعالج من نفس الثقافة حتى يستطيع أن يشخص ويعالج علاجاً ناجحاً وفي أبسط الأمور السيارة الأمريكية أو الأوروبية لا تعمل في الأجواء السعودية الا بعد أن تعدل وتخضع للمواصفات والمقاييس السعودية. أخيراً ماذا ستسوق وتبيع لنا هذه الشركات؟ وهل ما تبيعه لنا من استشارات يتناسب مع التكلفة العالمية لمثل هذه الخدمة خاصة أنها عبارة عن أفكار وأحلام ومعلومات على ورق؟ أجزم أنها لدينا ونعرف أكثر منها لا سيما أننا سنقدم تنازلات وتضحيات باختراق أمننا المعلوماتي لتقديمه على طبق من ذهب لأي جهاز معلوماتي ثم تأخذ المقسوم وتمشي تاركة لنا مجلدات من الورق والرسوم البيانية الملونة والمخرجة بدقة.. وما أخشاه أن يقود ذلك الجيل الذي استثمرنا فيه للوصول الى مرحلة الإحباط والموت البطيء ليصبحوا متقاعدين من كل شيء وخروج الكثير من تلك المكاتب والاستشارات الوطنية من السوق وخلق ثقافة من الاعتمادية والسلبية بأنه ما دام هناك من يفكر عنا فلا داعي لنتعب أنفسنا بتقديم الأفكار التي قد لا تلاقي الترحيب.