أجمع باحثون وأكاديميون على أن صنع الثروة الثورية في عصرنا الحاضر يعتمد بالدرجة الأولى على اقتصاد المعرفة أو ما يعرف ب" الموجة الثالثة" مشددين على أهمية المعرفة في خلق الثورة وبشكل لا يقبل الجدل منوهين بأثرها السريع في عبور الحدود بين الأمم في عالم يموج بالمتغيرات ويشهد تواصلاً ونمواً في عالم المعرفة دائم النمو والتغير، نافين أن تكون الثورة محصورة في المال فقط ففي الندوة التي احتضنتها قاعة مكارم بفندق ماريوت بالرياض صباح أمس على هامش الفعاليات الثقافية في "مهرجان الجنادرية" وكانت بعنوان" مجتمع المعلوماتية واقتصاد المعرفة " والتي أدارها الدكتور عبدالرحمن الحبيب وكان المتحدث الأول خلالها الدكتور محمد بنتن قدم في ورقته استعراضاً لخدمة الشبكة العالمية "الإنترنت" منوهاً بقدرتها الفائقة على إنتاج وتخزين واستخدام المعلومات وكذلك دورها الكبير في مد خيوط التواصل والتفاعل المعرفي بين البشر محليا وعالميا الأمر الذي اصبحت معه المعرفة ومن خلفها العقل البشري أحد أهم القطاعات الحساسة التي تستأثر باهتمام الدول في الاستثمار باعتبارها عوامل قوة وتفوق في العصر الراهن وعدة الحضور الفاعل في المستقبل وواصل الدكتور بنتن حديثه عن هذه الفورة التي اجتاحت العالم وغيرت ملامحه بعد أن جاءت الانترنت لتغدو أحد أهم اختراعات القرن العشرين واصبح معها العالم قرية صغيرة. ثم مضت الورقة مشيرة الى نمو استخدام الانترنت بشكل لافت في كل مكان ليودع العالم التواصل الورقي .بعدها طرح الدكتور بنتن تساؤلاً مهماً مفاده: هل نحن مجتمع معلوماتي والى أي مدى نجحنا في استخدامنا لها ليضع بعدها معايير هذا الامتلاك وحيازة المعلومة من خلال سمة الشفافية حيث اشار الى ان انتشارها في كل مكان بالإضافة الى معرفة خطط هذا المكان هي احد اهم المعايير وزاد: يأتي بعد ذلك توفر قاعدة بيانات للمعلومات وكذلك الانضباط والعقلانية في التعاملات والسلوكيات ثم العدل والمساواة في الحصول على هذه المعلومات واخيراً الأمن والأمان المعلوماتي بعدها تطرق الى ما وصلت اليه المملكة من اشواط في هذا الاستخدام مؤكداً مضي المملكة واستفادتها من هذه الثورة المعلوماتية قبل عشر سنوات تقريباً حيث اصبح: هناك 90% من السعوديين لا يصلون الى البنوك ولا يراجعونها بعد ان اتاحت لهم الشبكة العنكبيوتية التواصل والتعامل الإلكتروني مدللاً على مدى ما كان يعانيه الزائر للمملكة سواء للحج او العمرة في سبيل الحصول على تأشيرة حج او عمرة او حتى للسياحة وامتدح التطور الذي آلت اليه الأمور في الوقت الراهن بحيث اصبح بالإمكان الحصول على هذه التأشيرة خلال دقائق معدودة من أي مكتب سياحي في العالم بفضل هذه التقنية لكنه لفت الى نقطة جديرة بالتوقف وهي ما اوردته احصائية من وجود 17 مليون مراجع خلال عام ما يعني ان هذا العدد ترك عمله بغرض قضاء مصلحة او انهاء معاملة وهو ما يتنافى مع وجود هذه التقنية والثورة المعلوماتية التي اتت لتقضي على هذا الهدر للجهود وللأوقات وامتدح بنتن تجربة المملكة في استثمار المعلومة وقال: البريد قطع شوطاً كبيراً في هذه الناحية فالسعودية الدولة الوحيدة في العلم الاسلامي لديها عنوان كامل صحيح للمواطن والترتيب السابع عشر عالمياً. الورقة التي تلتها قدمها الأستاذ ايمن الصياد بدأها بلمحة سريعة عن المصطلحات التي يجب التنبه لها للتفريق بين العلم والمعرفة معتبراً ان الأخيرة تنطوي تحت الأولى انتقل بعدها الى الانفجار المعرفي الحاصل في العالم وما احدثه من تغير في ملامح التواصل والتعامل بين البشر بشكل مذهل ولفت الصياد الى وجود جدار معرفي يمثل تحدياً لنا كعرب ومسلمين يتمثل في تحديد الهوية وضرورة بذل الجهد لتغيير الصورة الذهنية المرتبطة بنا مؤكداً ان قيمتنا تتحدد بمدى ما نملك من معرفة. د بنتن: المملكة الأولى في العالم الإسلامي وال 17 عالمياً في اكتمال عنوان البريد لمواطنيها اما الورقة الرابعة فقد قدمتها الدكتور اسماء باهرمز استعرضت فيها تجربة المفكر الفن توفلر وتناولت مؤلفاته بالشرح والتحليل معتبرة ان كتابه "الموجة الثالثة" يحوي فكرا جدير بالدراسة فهو يدعو- بحسب الكاتبة- الى ان مسؤولية التغيير تقع علينا ويجب ان نبدأ بأنفسنا فتعلم ان لا نغلق عقولنا عن كل مدهش او جديد او ما يبدو غير مقبول حتى لا نئد الفكرة في مهدها واضافت ان التقنية اداة من صنعنا اما ان نتحكم فيها او نتركها تتحكم فينا. من جانبه استعرض الدكتور نبيل علي في ورقة عمل بعنوان العالم العربي وقوة المعرفة ، ثلاث قضايا أساسية يرى أنها الأكثر مغزى بالنسبة لعالمنا العربي وهي القوى الحاكمة في مجتمع المعرفة وعلم اجتماع المعرفة واقتصادها. وقدمت دراسته القضايا السابقة في طرح عام تبعه بتناول كل قضية من المنظور العربي ففي شأن القوى الحاكمة في تشكيل المعرفة هناك الموقف من ثلاثية القوى فعالمنا العربي لا يزال يجهل الكثير عن الأبعاد الاقتصادية والثقافية والأخلاقية والتشريعية لمنظومة أقوى في مجتمع المعرفة ناهيك عن غياب رؤية شاملة لشبكة العلاقات البينية التي تربط القوى المحورية الثلاث والتي بدونها يتعذر بلورة نموذج واقعي لإقامة مجتمع معرفي عربي. ويؤكد علي في دراسته أن العولمة الراهنة تمركزت حول محور وحيد هو القلب الأمريكي وتتجه حالياً إلى صوب عولمة قائمة على التعددية الإقليمية، بسبب تزايد الثقل الصيني على الخريطة الجيواقتصادية والسياسية مما جعلها بلا منازع محوراً أساسياً لإقليم شرق آسيا. د نبيل :عالمنا العربي يجهل الكثير عن الأبعاد الاقتصادية والثقافية والتشريعية لمنظومة القوى ويرى علي أن الواقع يفرض على العرب إحياء التوجه القومي بهدف إقامة تكتل عربي إقليمي يتعذر بدونه انتقال المجتمعات العربية إلى مجتمعات معرفية يكتب لها الاستدامة والاعتماد المتبادل والمشاركة في الموارد، وقال علي" التكتل المعرفي هو حشد الموارد للإنتاج العلمي والتنسيق والمشاركة في الموارد" وأشار الدكتور علي إلى مقومات إقامة مجتمع معرفة عربي وقال إن الدراسة اكتفت بمقومين أساسيين هما إطلاق حرية التعبير لتكون وثقة الصلة بتحقيق التنمية المستدامة والشاملة، وضمان المشاركة الفعالة من خلال تمكين الأفراد والجماعات والمؤسسات من المشاركة في جهود إنجاز مهام التنمية. وقال علي " ويعوق تحقيق هذا المطلب الأساسي غياب العمل بروح الفريق وغياب التنسيق بين أصحاب المصلحة خاصة على مستوى القطاعات الأساسية: الحكومي والأهلي والعام والخاص". ويواجه اقتصاد المعرفة وفق المنظور العربي والحديث للدكتور علي ازدواجية اقتصادية وهو ما يتطلب إبداعا اقتصادياً يتجاوز روشتات البنك الدولي ويتصدى لتوجه الشركات المتعددة الجنسية لاحتكار الأسواق وتكالب العالم المتقدم على نهب عقول الدول النامية. د.أسماء باهرمز كما أن هناك إشكالية الملكية الفردية والتي يحتاج العرب لتناولها الإلمام الدقيق بأبعادها التقنية والقانونية والأخلاقية والسياسية، ومن المتوقع أن تنعقد إشكالية الملكية الفردية مع التطور الهائل في تكنولوجيا مجتمع المعرفة من قبيل التوسع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية وهو ما يستوجب تنمية كوادر عربية قادرة على هذا النوع من التفاوض المعرفي. ودعا علي إلى التصدي لترسخ البيروقراطية من خلال نهج مختلف في الإدارة يتبنى مبدأ البناء من أسفل إلى أعلى ليتم تحويل المؤسسات إلى كيانات قادرة على التعلم ذاتياً ومداومة التطوير وإعادة البناء. اما الورقة الأخيرة قدمها الأستاذ ادماء سيما سيكو تناولت نفس الكتاب الذي اشارت اليه الدكتورة اسماء"الموجة الثالثة" كما استعرض فيه اثر العولمة في اذابة الخصوصية كما تطرق الى الهوية والمستقبل معتبراً ان امتلاك المعرفة مشيرا الى ان دول العالم الثالث تعاني من غياب المعلومة واستئثار العالم الغربي بها بحكم التطور والقدرة المالية التي تحول دون الفقراء في الاستفادة منها وختم ورقته بالدعوة الى ضرورة التكتل وخلق عالم معرفي نتمكن من خلاله تطوير شعوبنا لتصبح قادرة على خوض غمار المنافسة في عالم لا يعترف إلا بسيادة المعرفة وامتلاك المعلومة. د. محمد بنتن