مؤشرات البورصة الأمريكية تغلق على تراجع    البديوي يرحب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لقرار "إنهاء الوجود غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة"    اختتام دورة حراس المرمى التمهيدية في الرياض وجدة    «الروع» تعزز الوهم وتنشر الخرافة..    السعودية تطرق أبواب العالم    وكالات التصنيف: الاقتصاد السعودي في المسار الصحيح    المواطن عماد رؤية 2030    95 ألف معمر .. اليابان تحطم الرقم القياسي في طول العمر!    هل تريد أن تعيش لأكثر من قرنين ونصف؟    لماذا يُفضل الأطباء البياجر    492 قراراً أصدرها المجلس العام الماضي    «الأحمران» يبحثان عن التعويض أمام الأخدود والخلود    "بيولي" يقود النصر أمام الاتفاق .. في جولة "نحلم ونحقق"    «التعليم»: تخصيص بائع في مقاصف المدارس لكل 200 طالب    «صرام» تمور الأحساء !    حضن الليل    داعية مصري يثير الجدل.. فتاة تتهمه بالتحرش.. و«قضايا المرأة»: تلقينا شكاوى أخرى !    نجمة برنامج America's Got Talent تنتحر    أحياناً للهذر فوائد    اكتشاف توقف تكوين نجوم جديدة بالمجرات القديمة    إصدار 32 رخصة تعدينية جديدة خلال يوليو 2024    تعزيز التحول الرقمي وتجربة المسافرين في مطارات دول "التعاون"    انطلاق المؤتمر السعودي البحري 2024.. نائب وزير النقل: ترسيخ مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي    12 لاعب احتياط في كأس الملك    الزعيم يعاود تحضيراته    الكل يتوعد خصمه ب«القاضية» فمن سيتأهل للنهائي؟    رابيو: استغرقت وقتا قبل قراري بالانتقال إلى مارسيليا    في دوري أبطال أوروبا.. برشلونة في ضيافة موناكو.. وأتالانتا يواجه آرسنال    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 7,922 رجل أمن من مدن التدريب بمناطق المملكة    وفد من الخطوط السعودية يطمئن على صحة غانم    المهندس الغامدي مديرا للصيانة في "الصحة"    العواد إلى الثانية عشرة    الأمير سعود بن مشعل يشهد اجتماع الوكلاء المساعدين للحقوق    إلى جنَّات الخلود أيُّها الوالد العطوف الحنون    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.. الأمير عبدالعزيز بن سعود ينقل تعازي القيادة لأمير الكويت وولي عهده    أمريكا «تحذر» من أي «تصعيد» بعد انفجارات لبنان    سموه رفع الشكر للقيادة.. وزير الثقافة يُثمّن تسمية مجلس الوزراء ل "عام الحِرف اليدوية"    د. حياة سندي تحصد جائزة المرأة الاستثنائية للسلام    ملاحقة "الشهرة" كادت تقضي على حياة "يوتيوبر"    سلامة المرضى    315 مختبراً شاركوا في اختبار الكفايات اللغوية    دعم الأوقاف تُطلق مبادرة "الحاضنة" للقطاع الوقفي بالمملكة برعاية أوقاف الضحيان    أمير منطقة تبوك الخطاب الملكي تأكيد للنهج الثابت للمملكة داخلياً وخارجياً    وزير «الشؤون الإسلامية» : الخطاب الملكي يؤكد حرص القيادة على تقرير مبدأ الشورى    محافظ حفر الباطن ينوه برعاية الدولة للقطاع الصحي    مجلس الشورى خلال دورته الثامنة.. منهجية عمل وتعزيز للتشريعات    فرع هيئة حقوق الإنسان بالمنطقة الشرقية بضيافة تقني الشرقية    المملكة ترحب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بشأن «إنهاء الوجود غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة»    "دوائي" تحذر من أضرار الخلطات العشبية على الكلى    مهرجان المسرح الخليجي يختتم فعالياته ويعلن عن الفائزين    أمانة الشرقية والهيئة العامة للنقل توقعان مذكرة تفاهم    كسر الخواطر    كلام للبيع    هيئتا الأمر بالمعروف في بلجرشي والمخواة تفعّلان برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    الرياض تستضيف الاجتماع التشاوري العالمي لخبراء منظمة الصحة العالمية    الأرصاد: رياح مثيرة للأتربة والغبار تؤدي إلى تدني مدى الرؤية في تبوك والمدينة    خادم الحرمين يأمر بترقية 233 عضواً في النيابة العامة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللواء الأحمر.. جنرال «الثورة» و«التحرير»
على خطى «الحزم» و«الأمل»
نشر في اليوم يوم 26 - 02 - 2016

جنرال وطني، وعسكري مخضرم، ظلّت "بزّته" علامته الفارقة، حمل وسام "ثورة الشباب" بامتياز، والآن على خُطى "الحزم" في مهمة "استعادة اليمن"، ليتوّج – مجدداً - بطلاً ل "التحرير"، ورمزاً ل"الخلاص"، في انتصار جديد ل "الشرعية"، عقب انتصاره ل "إرادة الشعب" ب "خلع المحروق".
رجل اليمن القوي، اللواء الركن علي محسن الأحمر، المولود في صنعاء عام 1945، هو "الأحمريّ" ابن "حاشد"، القبيلة اليمنية، التي وفّرت عبر عقود الحماية للنظام السياسي في البلاد، طفولته ليست استثناء لحال أبناء جلدته، فقيم القَبلِيّة متجذّرة، بما تتضمنه من تقديسٍ ل "البطولة" و"الفراسة" و"الفروسية"، التي يزيدها "السلاح" زهواً، باعتباره درب "العِزَة" وعنوان "الأَنَفَة"، وهو ما عشقه في صِباه.
"الصبي العاشق" انبرى باحثاً عما يصقل تلك القَبلِيّة في "حُلّة وطنية"، ليهتدي سريعاً إلى "العسكرية" وهو بالكاد قد بلغ ربيعه السادس عشر (1961)، وتبدأ سيرته العملية، مُتدرجاً في مراتبها، من جندي بسيط إلى رجل الجيش الأول، في صيرورة عسيرة، شأنها شأن تاريخ اليمن.
"الجندي"، الذي أصبح بطلاً مُتوجاً، أدرك أن "العلم" سلاح، كما هي البنادق والمدافع، فأكمل تعليمه الثانوي، والتحق ب "الكلية الحربية اليمنية"، ليتحصل منها - عند مشارف عقده الرابع - على إجازة العلوم العسكرية (البكالوريوس)، دون أن يرتوي، ليكمل حتى نال درجة الدكتوراة من أكاديمية ناصر العسكرية العليا في القاهرة عام 1986.
"الإنسان" كما "المكان"، يصنع كل منهما الآخر، في تبادلية يرويها "التاريخ" لاحقاً؛ وفي مسقط رأس "الأحمر" للمكان عبق مختلف، فهو صنعاء، المدينة الغائرة في التاريخ، والضاربة في الحضارة، مذ كانت "الحصن" ب "أرضم همدن" (أرض همدان)، وفق ما جاءت به اللغة السبئية القديمة (نسبة إلى مملكة سبأ)، الذي ظلّ مأهولاً، لا يبرحه أهله، ولا يطيب فيه لغاز مقام؛ قيل فيها أنها "أعظم المدن، وأكثرها عملاً وخيراً، وأهلها أشرف أصلاً"؛ وحين أسلم أهلها على يدي علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه) سجد الرسول (عليه الصلاة والسلام) لإسلامهم مُرَدِداً: "السلام على همدان، السلام على همدان" (صحيح البخاري).
"التاريخ" رافق "الجندي"، الذي آمن بصنعاء العصية على الغزاة، وبنت التاريخ التي يجب أن تظلّ ماجدة، كما أيقن أن غاية العصر الحديث هو "الدولة" الحاضنة لمواطنيها، القادرة على بناء مستقبل أفضل لأبنائها، وهو ما انعكس في دفاعه عن "الجمهورية" وقيمها.
قِتاله لأجل "الجمهورية" بدأ بانضمامه ل "حركة الضباط الأحرار اليمنية"، التي أطلقت ثورة 26 سبتمبر 1962، التي صارت حرباً أهلية على مدى سنوات 1962 - 1970، انتهت بانتصار "الجمهوريين" ضد "الملكيين".
في حرب السنوات الثمانية، أو في "الحرب الأهلية اليمنية"، أدرك صاحب البزّة العسكرية أن لبلاده طبيعة جغرافية وديموغرافية خاصة، وسياستها تمر من على حد سيف بتّار، فالخارج على توافق قبائلها، إما "مقتول" أو "مخلوع"، وهي السيرة التي بدأت بعد سقوط حكم آخر أئمة "المملكة المتوكلية"، الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين، التي حكمت اليمن بين 1916 – 1962، دون أن يخلو حكمها من الانقلابات ومحاولات الاغتيال.
"الجمهورية"، منذ قيامها في "اليمن الشمالي" برئاسة عبد الله السلال في أعقاب ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962، مرّت بمفاصل تاريخية عديدة، شكّلت حصيلة تجربة "الجنرال الأحمر"، سواء في ميادين القِتال، أو في أروقة الساسة، الذين جلس لاحقاً في صفهم الأول ببزته العسكرية.
"الرئيس الأول" (السلال)، صاحب السيرة الطويلة في الانقلابات العسكرية إبان العهد الملكي، لم يمكث طويلاً في رئاسة الجمهورية، فأطيح به في انقلاب عسكري عام 1967، لدى زيارته للعراق، ليخلفه مجلس عسكري رئاسي، من ثلاثة أمناء، برئاسة القاضي عبد الرحمن الإرياني، الذي أمهله اليمنيون حتى عام 1974، وأطاحوا به في انقلاب أبيض بعد تيقنهم من "ضعفه"، وفق ما ترويه كتب التاريخ.
خَلَفَ مجلس الإرياني الثلاثي آخر "سباعي"، برئاسة المقدم إبراهيم الحمدي، الذي خاض انقلابه بوصفه "حركة تصحيحية"، أسماها "حركة 13 يونيو التصحيحية"، وضمن برنامج عكس مدى ابتعاده عن الواقع السياسي – الاجتماعي، سواء لجهة ما أسهمت به سنوات حكمه الثلاث في "عسكرة الجمهورية"، أو لجهة عدم إدراكه لجوهر البنية القَبلِيّة في اليمن، وسعيه إلى "إقصاء شيوخ القبائل" من قيادة المؤسسة العسكرية دونما اتفاق مسبق معهم.
الحميدي اعتبر أن "القيادات القَبلِيّة" أحد أهم معيقات التنمية في اليمن، فألغى وزارة شئون القبائل التي رأسها – آنذاك - عبد الله بن حسين الأحمر، شيخ القبيلة الواسع النفوذ، وبعيداً عن مدى وجاهة فكر صاحب "الحركة التصحيحية" من عدميته، إلا أنه جرّ عليه عداء القبائل، التي بدونها لن يستطيع الحكم، وهو ما كان فعلاً باغتياله، ليعقبه المقدم أحمد حسين الغشمي، الذي اغتيل بعد تسعة أشهر فقط بحقيبة مفخخة، أرسلت إليه – وفق الروايات - من اليمن الجنوبي.
بعد اغتيال الغشمي تسلم السلطة السياسي اليمني عبد الكريم عبد الله العرشي لمدة 24 يوماً فقط (بين 24 يونيو إلى 18 يوليو 1978)، ضمن مجلس رئاسي ضمّ: علي الشيبة، وعبد العزيز عبد الغني، وعلي عبد الله صالح، وسرعان ما انتخب المجلس علي عبد الله صالح رئيساً للجمهورية.
بين ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962 و18 يوليو/ تموز 1978، وهي الفترة التي عرفت 5 رؤساء للجمهورية تساقطوا تباعاً، كان علي محسن الأحمر يتدرج في التراتيبية العسكرية، وفي الوقت عينه يراقب عن كثب التطور السياسي والاجتماعي للجمهورية، وصولاً إلى علي عبد الله صالح، الرئيس السادس.
علامات فارقة
تعرّض علي عبد الله صالح لأول محاولة انقلابية قبل أن يُتِم أيامه المائة الأولى في الرئاسة، وهي المحاولة التي أحبطها "الجنرال الأحمر" وقادته إلى مرتبة متقدمة في النفوذ داخل المؤسسة اليمنية، وقدمته إلى واجهة العسكريين في العهد الجمهوري الجديد، وهي العلامة الفارقة الأولى التي أسست مستقبل الرجل.
العلامة الفارقة الثانية في سيرة "اللواء الأحمر" ارتبطت وثيقاً بتوطيد أركان الجمهورية، وتحديداً دوره في تثبيت حكم صالح، وتوفير الحاضنتين "القَبلِيّة" و"العسكرية" الضامنتين لاستقراره، إذ احتفظ الرجل بصلات وثيقة مع القبائل، التي شكلت القوام الرئيس للمعارضة اليمنية، وكذلك ظلّ قريباً ومنغمساً مع قوات الجيش، بمختلف تصنيفاتها، التي أدرك احتياجاتها وسعى إلى تلبيتها.
لا شك أن "اللواء الأحمر" استفاد على "صعيد وطني" من "نظام الكلِبتوقراط"، الذي أرساه صالح، وهو نظام يستند إلى مراكمة الثروة الشخصية والسلطة السياسية لنخبة الحكم على حساب الجماعة، ما سمح للعسكري المخضرم بهوامش حركة واسعة، على المستويين الاجتماعي والعسكري، لتوفير حواضن الاستقرار للنظام.
في هذه المرحلة، عوّل "اللواء الأحمر" كثيراً على تثبيت الجمهورية في بلاده، وإرساء تقاليدها، إلا أنها ظلّت ناقصة وعاجزة عن تلبية أهداف وغايات "ثورة 26 سبتمبر"، لأسباب تتعلق بصالح دون غيره، الذي سعى بنظامه "الكلِبتوقراطي" إلى "جمهورية ديكتاتورية" أو "استبدادية"، بعيداً عن قيم الحرية والديمقراطية والحكم الرشيد.
العلامة الفارقة الثالثة في سيرة اللواء الأحمر ارتبطت ب "الوحدة اليمنية"، فحتى تسلم صالح الرئاسة كانت اليمن يمنين، شمالية وجنوبية، افترق هواهما بين معسكرين، في زمن اشتدت فيه رحى "الحرب الباردة"، فأخذا منها ما عمّق الشِقاق في الوطن الواحد، الذي عَبَرَ التاريخ وحضاراته مُوحداً.
"الوحدة اليمنية"، كانت المهمة السياسية والعسكرية الأولى الأكثر بروزاً ل "اللواء الأحمر"، فبعد عام من "ثورة 26 سبتمبر"، انطلقت ثورة 14 أكتوبر/ تشرين أول 1963 ضد الاحتلال البريطاني في جنوب اليمن، ما أسفر عن استقلاله وإعلان "جمهورية اليمن الشعبية الديمقراطية"، لتبدأ سيرة من العداء بين الشقيقتين، أدت إلى نشوب حرب عام 1979.
تفكك الاتحاد السوفيتي، الذي كان الدعامة الرئيسية لليمن الجنوبي، أسهم إلى حد كبير في تقارب الشقيقتين، ليوقعا في 22 مايو/ أيار 1990 "اتفاقية الوحدة"، التي شارك "اللواء الاحمر" في العديد من لجانها الوحدوية، وصولاً إلى الإعلان عن "الجمهورية اليمنية"، وما ترتب إثر ذلك من بروز "الحركة الانفصالية" واندلاع الحرب بين الانفصاليين والقوات الحكومية عام 1994، وهي الحرب التي قادها فعلياً "اللواء الأحمر"، بوصفه القائد الميداني لجبهة عدن، وأعاد فيها تثبيت الوحدة في البلاد.
العلامة الرابعة في سيرة الرجل كانت المؤسسة العسكرية، ف "ثورة 26 سبتمبر" لم تَرِث من العهد الملكي جيشاً وطنياً، فيما جاءت سنوات الانقلابات والاغتيالات بقوى عسكرية أشبه بالمليشيات، بعضها رسمي والآخر قَبَلِيّ، وشكلا معاً نواة القوة العسكرية للنظام السياسي، ما استدعى عمل "اللواء الأحمر" على تحديث الجيش الرسمي، وضمان ولائه.
وكذلك، عَمِل "الأحمر" على دمج القوة العسكرية لليمن الجنوبي في إطار القوة العسكرية لدولة الوحدة، وهي المهمة ربما الأصعب، خاصة في ظل التباين الكبير في العقيدة العسكرية، ومرجعيتها الفكرية والاجتماعية، فضلاً عن المشكلات الداخلية، التي نمت بالتزامن مع الوحدة.
ورغم ذلك، "اللواء الأحمر" لم يستطع توحيد السلاح في اليمن ضمن القوات الحكومية، لاعتبارات عدة، من أهمها تقديس الثقافة الاجتماعية السائدة للسلاح، وتحقيق الحالة المليشيوية منافع للقيادات القَبَلِية، ووجود تشكيلات مذهبية تتمسك بتسليحها لغايات الاستيلاء على السلطة (كما هو الحال لدى الحوثيين)، وارتباط جزء من هذا السلاح بمشاريع إقليمية (كمشروع الهيمنة الفارسي)، فضلاً عن طبيعة إدارة علي عبد الله صالح للصراع الداخلي في الدولة اليمنية على مدى ثلاثة عقود.
أما العلامة الخامسة في سيرة "اللواء الأحمر" فكانت قيادته ست حروب ضد الحوثيين، بدأت في يونيو/ حزيران 2004، واستمرت إلى عام 2010 بشكل متقطع، خاضها الرجل عبر الجيش اليمني والتشكيلات المليشيوية القَبَلِية، وأسفرت عن مقتل حسين بدر الدين الحوثي، الذي قاد الحوثيين في حربهم الأولى (عام 2004)، وكان ملهم شقيقه الأصغر عبد الملك الحوثي، الذي يقود الآن التمرد الحوثي في اليمن.
"الحوثية"، ممثلة في بدر الدين الحوثي، مروراً بأبنائه، سعت إلى بناء حزب إيراني في اليمن، على غرار حزب الله اللبناني، بهدف "استرجاع السلطة"، وفق زعمهم، وإعادة السلطة الإمامية، ما يعني بالضرورة إلحاق اليمن بإيران، الساعية إلى الهيمنة على المنطقة.
إدراك "اللواء الأحمر" لهذه الحقيقة، وباعتباره "رجل الجمهورية"، الذي دافع عنها طويلاً، جعله أهم خصوم الحوثيين في اليمن، خاصة بعد مقتل حسين الحوثي على يد الجيش اليمني في العمليات العسكرية التي قادها الرجل، ومواجهته لمشروعهم بمختلف الوسائل، بما يتضمن ذلك تعزيز مكانة تيارات إسلامية سنية.
العلامات الخمس، شكّلت عملياً جوهر "الرجل الأقوى" في اليمن، الذي يعترف له الخصوم قبل الأصدقاء بسعة نفوذه، وقدراته القيادية، التي تزاوج بين الروابط القبلية والقيم العسكرية، رغم أنه لم يشأ يوماً بالظهور كرجل أول، وفضّل على الدوام أن يكون الرجل القوي في الظل، وهو ما استمر عليه حتى بات خروجه إلى العلن واجباً وطنياً.
الانحياز للثورة
صمت "الرجل القوي" في بداية "الربيع العربي"، الذي بلغت موجاته اليمن، وراقب عن كثب دون تدخل يوميات "ثورة الشباب"، التي انطلقت من جامعة صنعاء في 11 فبراير/ شباط 2011، للمطالبة برحيل صالح بعد حكم استمر - بفضل "اللواء الاحمر" - 34 عاماً، بيد أن "مجزرة جمعة الكرامة"، التي ارتكبها موالون للمخلوع في 18 مارس/ آذار، أدت إلى خروج الرجل عن صمته، وإعلانه الانحياز إلى "الإرادة الشعبية".
"اللواء الأحمر" انحاز إلى "ثورة الشباب" بعد 37 يوماً من انطلاقها، في بيان مقتضب قال فيه: "نزولاً عند رغبة زملائي وأبنائي في المنطقة العسكرية الشمالية الغربية، والفرقة الأولى المدرعة، وأنا واحد منهم، أعلن نيابة عنهم دعمنا وتأييدنا السلمي لثورة الشباب السلمية..، سنؤدي واجباتنا غير منقوصة في حفظ الأمن والاستقرار"، واتهم نظام صالح ب "إجهاض العملية الحوارية، وإغلاق منافذ التوافق الوطني، وقمع المعتصمين السلميين"، وحذّر من اندفاع اليمن نحو "شفير العنف والحرب الأهلية".
موقف "اللواء الأحمر"، الذي شكّل ضربة قاسمة لصالح، ورفع الغطاء عنه، دفع بالرجل إلى واجهة الأحداث في اليمن، وأحاله جنرالاً متوجاً لثورة الشباب، التي أدركت قياداتها الميدانية أن أيام صالح في السلطة باتت معدودة.
"جنرال الثورة" يُنسَب إليه الكثير من الفضل في توجيه بوصلة الأحداث خلال وبعد خلع صالح، خاصة في جانب الحفاظ على تماسك الدولة، وعدم انزلاقها في حرب أهلية، فالرجل طالما كان "رجل الإطفاء"، القادر على إخماد الحرائق الداخلية، بما يمتلكه في صلاة وثيقة مع المكونات اليمنية بمختلف مشاربها، وهو ما أثبتته التجارب حيال قدرته على ضمان تنفيذ أية تسوية سياسية في البلاد.إلى جانب تاريخه العسكري، أطلّ "الجنرال" على السياسية عبر بوابات عدة، لعل من أهمها المساهمة في تأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح، وهو تجمع سياسي – إسلامي يُعد أحد أكبر الأحزاب المعارضة في اليمن؛ وكذلك عضويته في لجنة الحوار الوطني، التي عملت على صياغة "الميثاق الوطني اليمني"؛ والعضوية في اللجنة الدائمة ل "حزب المؤتمر الشعبي العام"؛ وفي أعقاب انتصار "ثورة الشباب" اختاره الرئيس اليمني عبد ربه هادي مستشاراً للشؤون الأمنية.
الانطلاقة الجديدة
أقدار اليمن، وما حيك لها في ليل، تُصِر على إعادة "جنرال الثورة" إلى واجهة الأحداث مجدداً، فقد اختاره الرئيس عبد ربه منصور هادي في 22 فبرابر/ شباط 2016 نائباً عاماً للقائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية، ما يجعله "رهان الشرعية" اليمنية في مواجهة "التمرد"، الذي يخوضه المخلوع صالح بالتحالف مع الحوثيين.
المهمة الجديدة ل "جنرال الثورة" مُركّبة، فهي – أولاً – تتطلب مواجهة إيران، باعتبارها صاحبة القرار في صفوف الحوثيين، واجتثاث عناصرها، خاصة الموتور عبد الملك الحوثي ومن يدور في فلكه، وقطع سبل إمدادها العسكري، بما يضمن عدم عودتها إلى حمل السلاح.
أما ثانياً، ف "الجنرال" سيكون على موعد مع "المخلوع"، ليس بوصفه رئيساً سابقاً، بل بما يسيطر عليه من بقايا "نظام الكلِبتوقراط"، الذي عمِل على تجذيره في اليمن، وهي المواجهة التي يدرك الأحمر خباياها تماماً، ويعرف حقّ المعرفة ضرورة أن تؤدي إلى اجتثاث المخلوع وأعوانه من بُنى الدولة، المدنية والعسكرية والاجتماعية، إذ تُشكل عائلته الصغيرة، ممثلة بأبنائه، واحدة من دعائمه. وثالثاً، سيجد "الجنرال" نفسه أمام "اتفاق الواجب الوطني" مع قبائل اليمن، التي يزيد عددها عن 200 قبيلة، وفق دراسات المجتمع اليمني، وهو الاتفاق الواجب عقده على قاعدة المصلحة العليا للدولة، التي لا شك أنهكتها "الفوضى" على مدى عقود طويلة. وأخيراً، "ثورة شباب 11 فبراير"، التي تحل رابعاً على مهمة "الجنرال"، إذ جذبتها الأطراف البائدة بعيدا عن مسارها الصحيح، الهادف بناء دولة وطنية لكل أبنائها، تكون قادرة على الإجابة عن أسئلة الغد، الذي يجحظ بعينيه دونما أن يرى بارقة أمل بطوق نجاة، وهي الثورة التي استطاع شبابها قيادة قبائلهم للخلاص من المخلوع، وهم أيضاً قادرون على حمل "اللواء الأحمر" في المهمة الجديدة. للوهلة الأولى تبدو مهمة "الجنرال" محفوفة بالصعوبات، وهذه حقيقة، لكنها أيضاً محفوفة بأسباب النجاح، إذ تحظى المهمة بدعم عربي واسع، يوفر غطاء عسكرياً ضخماً عبر "التحالف العربي"، الذي يقود "عاصفة الحزم"، وكذلك تمتلك غطاء ضخماً من "الأمل"، وهو الشق الثاني من الدعم العربي.
يحظى "الجنرال" بثقة واسعة، ستتوجه – على خطى "الحزم" و"الأمل" – رجل التحرير الأول، كما ظلّ على الدوام رجل اليمن الأول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.