خبر المؤامرات والدسائس والوعود الكاذبة والتصفيات والتفجيرات. تعشش في رأسه خطط ومكائد لا تخطر على بال الشيطان نفسه. أدمن اللعب بالنار منذ أن أجبر على التخلي عن كرسي الرئاسة في ثورة شعبية. يصر على التمسك بالسلطة، وكاد تفجير مسجد النهدين بصنعاء يودي بحياته بشظية اخترقت صدره، واستقرت بين قلبه ورئتيه، ونقل إلى المملكة إلى المستشفى العسكري في الرياض، العاصمة التي أنقذت حياته، والعاصمة ذاتها التي يطلق عليها الرصاص عبر وحدات عسكرية منشقة أو عبر حلفائه المؤقتين "الحوثيين" . منحته المبادرة الخليجية حصانة من الملاحقة القضائية، لكنه عاد وتآمر على جميع بنودها، وكان الخطأ القاتل أنه سمح له بالبقاء في اليمن ليحيك فيها مؤامراته، فتحالف مع كل خصومه السابقين من "الحوثيين" و"القاعدة" مسكونا بالانتقام وتدمير البلاد . عبد الطريق أمام "الحوثيين"، لاحتلال صنعاء، ووضع القوى العسكرية الموالية له تحت إمرتهم، ثم وضع الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي، ورئيس الوزراء خالد بحاح، تحت "الإقامة الجبرية"، باعثا الفوضى والموت في اليمن. ورغم الرسائل والتحذيرات السعودية له إلا أنه أصم أذنيه عن السمع، وأصبح مصدر تهديد ليس لليمن فقط، وإنما أيضا للأمن القومي العربي، فجاءت "عاصفة الحزم" لوضع حد لمؤامراته ولعبه بالنار و"تأديبا" له. حتى وهو تحت وابل من الرصاص يواصل حيله وخدعه، عبر طرح مبادرات ما يلبث أن ينسحب منها . خلال ثلاثة وثلاثين عاما من حكمه المطلق لليمن، بقيت البلاد على ما هي عليه تماماً، من لحظة توليه السلطة عام 1978 حتى 2012 عام سقوطه وتنحيه عن الحكم، بقي قرابة 45% من اليمنيين تحت خط الفقر. صُنفت اليمن في عهده من أكثر دول العالم فساداً في كل تقارير منظمة الشفافية الدولية لعدة عقود متواصلة. حوّل الجيش من مؤسسة وطنية إلى ما يشبه الإقطاع العائلي، وأدار البلاد عبر شبكة من العلاقات الشخصية والمحسوبية القائمة على الولاء العصبي العائلي والقبلي وتبادل المنافع. وكان الالتحاق بالجيش وكلياته العسكرية امتيازًا تحظى قبيلته والقبائل الموالية بالنصيب الأكبر منه. دائماً ما يفاخر بأن حكم اليمن أشبه بالرقص على رؤوس الأفاعي، وبأنه بارع في هذه اللعبة المميتة. تتوصف فترة حكمه بأنها "كليبتوقراطية" أي حكم اللصوص، ويعني أيضا نظاما حكوميا يقوم على زيادة الثروة الشخصية والسلطة السياسية للطبقة الحاكمة على حساب الشعب. هو الرئيس السادس للجمهورية العربية اليمنية التي أصبحت بعد الوحدة مع اليمن الجنوبي الجمهورية اليمنية. علي عبدالله صالح السنحاني، المولود في عام 1942 في قرية بيت الأحمر لعائلة فقيرة، تربى على يد زوج والدته، بعد أن فقد والده مبكرا، وسط اتحاد قبائل حاشد والذي يضم قبيلة سنحان التي ينتمي إليها. كانت أسرته تعمل بالزراعة وهو نفسه كان يرعى الغنم، وتنقلت أسرته بين القرى أيام الجفاف بحثا عن المرعى. حاول الالتحاق بصفوف "الجيش الإمامي" في سن السادسة عشرة إلا أنه رُفض لصغر سنه، ولكن وساطة قبلية مكنته من الالتحاق بالجيش ومن ثم بمدرسة الضباط عام 1960. مع قيام ثورة 26 أيلول وإعلان حاشد تأييدها للثورة المنطلقة من تعز، التحق صالح وباقي أفراد قريته بقوات الجمهورية، وكان صالح سائق مدرعة وكُلف بحماية مواقع للجيش الجمهوري في صنعاء ورقي إلى مرتبة ملازم ثان عام 1963. شارك في الدفاع عن صنعاء بصف الجمهوريين أيام حصار السبعين، والتحق بمدرسة المدرعات في 1964 ليتخصص في حرب المدرعات. وبرز نجمه عقب الانقلاب الأبيض الذي قام به إبراهيم الحمدي لينهي حكم عبد الرحمن الأرياني والذي كان الرئيس المدني الوحيد من حكام اليمن، وعين صالح قائدا للواء تعز برتبة رائد عام 1975. لم تكن كل الشرائح المجتمعية سعيدة بتوجهات الحمدي ومحاولته تغييب البنى التقليدية السائدة والالتزام بالمبادئ التي قامت من أجلها الثورة، فتم اغتياله في ظروف غامضة لم تتضح حتى الآن. تولى الغشمي رئاسة الجمهورية عقب اغتيال الحمدي ولم تمض ثمانية شهور حتى اغتيل الرئيس الجديد بحقيبة مفخخة لا يُعرف مصدرها على وجه التحديد إلا أن تكهنات تشير بضلوع جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الحادث انتقاماً للحمدي والذي كان متوافقا مع رؤيتهم لحد كبير. بعد مقتل الغشمي تولى عبد الكريم العرشي رئاسة الجمهورية مؤقتا ولم تكن القيادات العسكرية واثقة في علي عبدالله صالح الذي تمكن من إقناع القيادات القبلية بقدرته على الرئاسة، وأصبح صالح رئيسا للجمهورية العربية اليمنية بعد أن انتخبه مجلس الرئاسة بالإجماع ليكون الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية، وذلك في تموز عام 1978. وفي الوقت الذي كان يتخذ أول قرار بإعدام ثلاثين شخصا متهمين بالانقلاب الناصري على حكمه، كان يرقى إلى رتبة عقيد عام 1979 وفي هذه الأثناء قام بتأسيس حزب "المؤتمر الشعبي العام" الذي لا يزال يرأسه حتى عقب تنحيه من السلطة. أضعف سقوط الاتحاد السوفييتي موقف جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية فاتفق مع الرئيس الجنوبي علي سالم البيض على الاتحاد واعتبار صالح رئيساً للجمهورية اليمنية والبيض نائباً للرئيس. وكان قرار الوحدة فردياً من البيض الذي رأى في الوحدة وسيلة للبقاء في السلطة، وإن كان في المركز الثاني، ولكن سرعان ما نشبت الخلافات بينه وبين صالح بسبب طريقة إدارة صالح للبلاد، ودخلت البلاد حرباً أهلية منهكة للجميع. عمل صالح على إضعاف القيادات الجنوبية وتهميشها، وساهمت سياساته في تفاقم الخلافات الداخلية، وزاد من صعوبة الوضع سياسة اقتطاع الأراضي لمسؤولين ونخب قبلية من المحافظات الشمالية، إضافة إلى سياسة تعيين أقارب صالح في مناصب عسكرية متعددة لضمان ولاء المؤسسة. واعتمد في بداية حكمه على عدد من الوحدات العسكرية التي يقودها أقرباؤه، ولم يكتف بهذا الأمر فلجأ لبناء وحدة عسكرية جديدة مثل "قوات الحرس الجمهوري" التي أصبحت جيشاً قائماً بذاته لتشمل كافة مناطق اليمن، وأنشئت وحدات جديدة تابعة لها أطلق عليها "الحرس الخاص" و"القوات الخاصة" وجمعت كلها تحت قيادة واحدة أسندها صالح إلى نجله أحمد بعد عزل علي صالح الأحمر من قيادتها. وكان هو شخصيا وبشكل مباشر وراء المشكلة مع "الحوثيين"، ففي كانون الثاني عام 2003 عندما توجه إلى محافظة صعدة لأداء صلاة الجمعة، وأراد أن يلقي كلمة للمصلين، تفاجأ فور صعوده بالشعار الحوثي: "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام"، وتم اعتقال 600 شخص فوراً وزجهم في السجون. وصدرت مذكرة لاعتقال حسين بدر الدين الحوثي، وتوجهت قوة لمحافظة صعدة لتنفيذ الاعتقال، فرد أنصاره بالتصدي للجيش، وردت الحكومة بحملة عسكرية مكثفة، وقتل في العملية حسين الحوثي، وكانت هذه القشة التي قسمت ظهر البلاد وبداية النزاع مع "أنصار الله" أو "الحوثيين". وقاد بدر الدين الحوثي وابنه عبد الملك عمليات مسلحة ضد الجيش اليمني فرد الجيش بحملة عسكرية واعتقالات واسعة. صالح اتهم "الحوثيين" بتنفيذ أجندات إيرانية ومحاولة فرض نفوذهم وفكرهم في المنطقة، فصور النزاع بطبيعة أيدولوجية ووصف "الحوثيين" ب"التمرد الشيعي"، وتم إقحام القبائل واستغلال الثارات في مناطق هي الأكثر أمية. قامت احتجاجات ضد حكمه عام 2011 تكرارا لسيناريو سقوط زين العابدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر، ضمن الربيع العربي الذي يسميه صالح "بالربيع العربي الصهيوني" فسلم السلطة، بعد سنة كاملة من الاحتجاجات وسقوط مئات القتلى، بموجب "المبادرة الخليجية" الموقعة بين "المؤتمر الشعبي العام" وأحزاب "اللقاء المشترك" التي أقرت ضمن بنودها تسليم صالح للسلطة كما أقرت حصانة له من الملاحقة القانونية، وهو ما أثار حفيظة شباب الثورة والمؤسسات الدولية. هدأت المظاهرات بعد توقيع "المبادرة الخليجية" وبعد تسليم سلطات صالح إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي. واستمر صالح بممارسة عمله السياسي كرئيس ل"حزب المؤتمر الشعبي العام" ووجهت له اتهامات من الأممالمتحدة وعدد من السفارات الغربية بمحاولة عرقلة الفترة الانتقالية له ولأبنائه وأقاربه. كما فرض مجلس الأمن الدولي في تشرين الثاني 2014 عقوبات عليه وعلى اثنين من كبار القادة العسكريين ل"الحوثيين" لاتهامهم بتهديد السلام والاستقرار في اليمن. ترك صالح السلطة بينما لا زال أتباعه والموالون له يسيطرون على الأجهزة الحساسة في البلاد، ويقال، إن صالح ومراكز النظام القديم، ليسوا بعيدين عن سيطرة أعداء الأمس "الحوثيين" وفي حديث له يتهم الرئيس منصور ووزير دفاعه بإدخالهم " ليضرب الإخوان المسلمين بالحوثيين"، وأثبتت الأحداث كذب صالح الذي يمهد الطريق عبر الجيش الموالي له لتقدم "الحوثيين". ولم يتأخّر صالح كثيراً في الظهور كمهندس أساسيّ للزحف "الحوثيّ" على صنعاء، في محاولة للثأر من خصومه الذين ساهموا في سقوط حكمه، وحتى يظهر لاحقا، ربما، كمنقذ من الانقسام الطائفي والقبلي والحزبي والجغرافي، أي في القدرة على تسخير الزحف "الحوثيّ" لصالحه، من أجل لجم "الحوثيين" لاحقاً " واستعادة دور الرجل الأقوى، وفقا لتحليلات يمنية. ولا يخفي صالح غضبه من حليفته السابقة واشنطن، ولا ينكر أيضا أنه تلقى أخيرا عرضا أمريكيا وآخر عربيا للخروج من اليمن، وردا على العرض طالب بسحب قرار مجلس الأمن أولاً، والقرار الأمريكي ثانياً، وأن يلغي الرئيس منصور قرار رئاسة الدولة بتجميد أرصدة "المؤتمر الشعبي العام" ثالثا، ويقول: "هذه ثلاث محطات ألغوها وبعد ذلك نتفاهم، إذا ألغيت هذه نتفاهم، ليس عندي مانع أن أسافر لكن أسافر حرا وأرجع حرا". وبينما يلقي صالح بمشاكل البلاد على خصومه وعلى المملكة العربية السعودية يواصل ظهوره الإعلامي كما لو كان زعيم شعب وليس رئيس دولة؛ دولة تقف على حافة الفقر والتقسيم والانقسام الطائفي، لكن لا أحد يستطيع محاسبته فهو يتمتع بالحصانة ويملك ورقة الجيش الذي وقف متفرجا على "الحوثيين" وهم يسيطرون، وفي مرحلة لاحقة انضم إلى "الحوثيين" في تمزيق البلاد وجرها إلى حرب طائفية وتدخل دول غير عربية في اليمن. شهوة صالح بالانتقام والعودة إلى السلطة أوقعته في بئر الخيانة وسذاجة التحالفات، إذ لا أحد يريده حتى "الحوثيون" الذين لن يعطوه، في النهاية وبعد الانتهاء من ورقته المحترقة، سوى فتات موائدهم. "عاصفة الحزم" أمام خيار وحيد، جلب "الحوثي " إلى طاولة الحوار بعد نزع أسلحتهم، والأهم الخلاص من المخلوع من جديد، فساعته حانت وخلعه من جديد اقترب، وستكتب "عاصفة الحزم" نهاية "مجرم حرب"، وتشير التقارير إلى أن الجنرالات في الجيش اليمني نزعوا الغطاء عنه برفضهم قتال الدولة والشرعية.