شكل وجود تنظيم داعش القوي في العراق والشام فرصة لمئات الشباب من معتنقي فكر القاعدة المتطرف والحالمين بالخلافة على طريقة القاعدة للإعلان عن مبايعة داعش وخليفته أبو بكر البغدادي والتمرد على تنظيم القاعدة وأميره أيمن الظواهري الأمر الذي اعتبره تنظيم القاعدة تنحية له وسرقة لتضحياته وجهوده طيلة الفترة الماضية. وقد أثار إعلان تنظيم داعش في منطقة الشام والعراق عن تنصيب أميره أبوبكر البغدادي "خليفة" جدلا واسعا وخلافات داخل الحركات المتطرفة حول العالم، لأنه اعتبر ضربة لتنظيم القاعدة وقادته، وهكذا انقسمت هذه التنظيمات بين مؤيد ورافض، وبهذا تشكلت هذه المجموعات التي وصفت دوليا وعالميا بأنها من أخطر التنظيمات الإرهابية وأكثرها دموية. وقد أعطت ثورات الربيع العربي الفرصة لهذا التنظيم ليتغلغل في البلدان وان كان يختلف في حجمه من دولة إلى أخرى مع تحوله بشهادة الخبراء إلى أكبر وأوسع وأقوى تنظيم إرهابي في المنطقتين العربية والإفريقية، حتى إذا ما قورن بتنظيم القاعدة، ليتمدد تجاه بلاد المغرب وأفريقيا. ليبيا .. رياح التغيير هبت أولى بوادر هذا الصراع وتجسد ظهوره في سقوط نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا سنة 2011، حيث استطاع تنظيم القاعدة أن يجد موطئ قدم له هناك بشكل مبكر عبر تنظيم (أنصار الشريعة) وبعض المجموعات المتطرفة الأخرى، لكن الساحة الليبية عرفت بشكل مبكر الدعوة العلنية لبيعة (داعش) ومناصرتها تمهيدا لإعلان وصول موجة مبايعات متتالية للتنظيم من ليبيا إلى تونس وباقي دول المنطقة، حيث ظهرت هذه المبايعات بداية في المناطق الشرقية والجنوبية من ليبيا، وكذلك منطقة طرابلس في الغرب وإن بصورة أقل وأكثر تخفيا. وقد أصبح تنظيم داعش قوة فاعلة في ليبيا بعد إعلان تنظيم (مجلس شورى شباب في درنة) بيعته البغدادي ليدخل في صراع دموي مع الموالين لتنظيم القاعدة خصوصا وميليشيات متفرقة في درنة وضواحيها. وقد بدأ الصراع بين الطرفين على خلفية إعلان رئيس مجلس القضاء في داعش بدرنة تكفير جماعة (كتيبة شهداء أبو سليم) المحسوبة على تنظيم القاعدة، بعد مشاركتها في بعض الأنشطة مع جهات أخرى، وتعاملها مع رئيس المجلس الانتقالي الليبي السابق مصطفى عبدالجليل حين زار مدينة درنة عشية اندلاع الثورة ضد القذافي، وهو ما رفضته قيادة (جماعة أنصار الشريعة) التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الذي يتخذ من الجزائر مقرا له، واعتبرته إعلان حرب، فضلا عن رفض أنصار القاعدة سيطرة أنصار داعش على مدينة درنة وفرض سياسة الأمر الواقع عليها، ليسارع تنظيم داعش إلى إعلان الحرب على أنصار القاعدة واعتبرهم خارجين عن البيعة، وقام باغتيال ناصر العكر أحد قادة الميلشيات المقربة من القاعدة، فشنت كتيبة "مقاتلي شهداء أبو سليم" من طرفها حربا على داعش، واندلعت معارك طاحنة بين الطرفين، انتهت بطرد داعش من المدينة وسيطرة أنصار القاعدة عليها بعد تلقيهم دعما من قيادات القاعدة في الصحراء الكبرى مثل الجزائري "المختار بلمختار" الذي قاد بنفسه المعارك في درنة ضد مقاتلى داعش. لكن تنظيم داعش غادر مدينة درنة إلى مدينة سرت، حيث بسط نفوذه عليها بشكل كامل، وارتكب مجازر ضد سكانها وقبائلها الذين حاولوا التصدي لهم، واندلعت اشتباكات مسلحة عنيفة بين مليشيات "فجر ليبيا" وعناصر التنظيم - حسب السكان - على بعد ستين كيلو مترا شرقي سرت. وبقيت قوات "فجر ليبيا" مرابطة على أطراف المدينة بعد أن أحكم تنظيم داعش سيطرته على عدد من المباني الحكومية والجامعة والإذاعة، كما نفذ العديد من الهجمات على مناطق في طرابلس العاصمة وبعض المناطق الغربية من ليبيا، ولا يزال حتى اليوم يحكم سيطرته على مدينة سرت وضواحيها، فيما تسيطر المجموعات التابعة لتنظيم القاعدة على مدينة درنة وبعض مناطق مدينة بنغازي كبرى مدن الشرق الليبي. فيما يرى المراقبون أن هناك تحديات كبرى تواجه الحكومة الليبية الحالية، أولها قضية مئات الآلاف من العائلات الليبية المهجرة، ومشروع انخراط ممثلين عن ميليشيات مصراتة في الأجهزة الأمنية الرسمية وتعبر استعادة حقول النفط التي يبسط عليها التنظيم سيطرته وفرض الأمن من أكبر هذه التحديات أيضا. تونس بين القاعدة وداعش في تونس ظهر أنصار داعش بشكل مبكر بعد سقوط زين العابدين بن علي، واستغلوا حالة الارتباك السائدة خصوصا أثناء الأزمة السياسية العميقة التي رافقت حكم تحالف (الترويكا) وهي ائتلاف حاكم رئاسيا وحكوميا وبرلمانيا ويتكون من ثلاثة أحزاب ذات الأغلبية الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي التونسي لتكوين أغلبية مستقرة في الحكم في تونس، وكان أول ظهور علني لداعش ما عرف (بالنصرة القيروانية) رفعا لوتيرة المنافسة والصراع على زعامة الجماعات المتشددة أعلن تنظيم داعش في تغريدة نشرها على شبكة التواصل الاجتماعي تويتر أن منفذ الهجوم الإرهابي الذي استهدف نزلا بمدينة سوسة هو أحد أتباعها وان العملية التي أسفرت عن 39 قتيلا معظمهم من السياح قام بها سيف الدين القيرواني ويكنى (أبو يحيى القيرواني) وبدأت أنشطتهم الإرهابية تطال كبار السياسيين اليساريين والقوميين، حيث اغتالوا كل من شكري بلعيد، والبرلماني محمد البراهيمي 2013، وتم اعتقال أبو بكر الحكيم من تنظيم داعش متهما في القضية. كما شنوا هجمات إرهابية أخرى مثل الهجوم على متحف باردو بالعاصمة تونس، بالإضافة إلى حادثة تفجير حافلة الأمن الرئاسي في أواخر2015، اثر هجوم انتحاري أدى إلى مقتل 12عسكريا، وتبناه داعش ونشر على مواقعه على شبكة التواصل الاجتماعي صورة الانتحاري "أبو عبدالله التونسي" مرتديا الحزام الناسف. وأعلنت الحكومة بقيادة الباجي قائد السبسي تمديد حالة الطوارئ شهرا إضافيا في خضم تخلخل أمني خصوصا في منطقة الحدود مع ليبيا. ورغم الهجمات الإرهابية الدموية التي نفذها تنظيم داعش في تونس إلا ان ظهوره هناك حتى الآن مازال امتدادا لوجوده في ليبيا، في ظل غياب بنية هيكلية قوية للتنظيم تملك متسعا على الأراضي التونسية، رغم أن التونسيون يعتبرون بحسب تقارير مراكز دولية من أكثر الجنسيات المغاربية تمثيلا في داعش بعد الليبيين. كما يواجه الحضور المتنامي لداعش في تونس منافسة قوية من تنظيم القاعدة، الذي يسعى للحفاظ على وجوده في تونس منذ سنوات من خلال (كتيبة عقبة بن نافع) التي تتخذ من جبل (الشعانبي) على الحدود مع الجزائر مركزا لأنشطتها، وتركز عملياتها ضد الجيش وقوات الأمن، وهي كتيبة تضم تونسيين وجزائريين ويقودها الآن وناس الفقيه بعد مقتل زعيمها الجزائري لقمان أبو صخر التونسي. الجزائر .. ذروة التنافس في الجزائر وصل التنافس ذروته بين الفريقين، وهو تنافس أخذ منعطفا خطيرا لأن قيادة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب التي تتخذ من جبال الجزائر مركزا لقيادتها ويتزعمها هناك "عبد المالك دوركال" وتدير منها فروعها في تونسومالي وليبيا. وقد واجهت أول ضربة موجعة لها عندما أعلن التنظيم في المنطقة انشقاقه على زعيمه في المنطقة الوسطى بقاعدة المغرب وعن بيعته لداعش، وأعلنوا خروجهم عن طاعته وبدلوا اسم كتيبتهم ليحمل اسم (جند الخلافة في الجزائر) بدلا من (المنطقة الوسطى في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب) وانخرطوا مباشرة في أعمال تنافسية مع القاعدة. فقد نجح تنظيم جند الخلافة في لفت الأنظار إليه داخليا وخارجيا عبر اختطاف واغتيال الفرنسي هيرفي غوردال في تيجدة بمنطقة القبائل شرقي الجزائر قبل أن يقدم الجيش العسكري على قتل 24 من أهم عناصره. وتمثلت ذروة نشاطه الدامي في هجمات نفذها 2015 طالت دورية للجيش في عين الدفلي، وهجوم على حاجز للأمن شرقي البويرة، ما أدى لمقتل 9 عسكريين كما اغتال 3 من عناصر الشرطة في المنطقة نفسها. وظهر الصراع أيضا في استمالة جند الخلافة لمجموعات وكتائب صغيرة كانت تنشط ضمن القاعدة بينها مجموعة "سكيكيدة" التي أعلنت البيعة لداعش والخروج على القاعدة. مالي .. بؤرة الصراع صراع القاعدة وداعش امتد خارج حدود الجزائر ليشمل أيضا شمال ماليوموريتانيا، حيث تعتبر مالي أكبر بؤرة لانتشار وسيطرة الجماعات الإرهابية وتوجد فيها عدة تنظيمات أغلبها تابعة لتنظيم القاعدة ومن أهمها (إمارة منطقة الصحراء ) التي يرأسها جمال عكاشة المكنى ب (يحيى أبو الهمام) بعد عزل قائدها الأول مختار بلمختار (بللعور)، ومن أبرز كتائب إمارة الصحراء (كتيبة طارق بن زياد) التي كان يقودها الجزائري عبدالحميد أبو زيد، الذي قتل في قصف للطيران الفرنسي على المنطقة عام 2013، إضافة إلى "سرية الفرقان" و"سرية الأنصار" و"سرية يوسف بن تاشفين" و"سرية القدس" وجماعة المرابطين بقيادة الجزائري مختار بلمختار، وهي ناتجة عن قرار اندماج تنظيمي (جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا ) و(جماعة الملثمون ) حيث انقسمت هذه التنظيمات على نفسها وانقسم ولاؤها بين داعش والقاعدة، كما هو الحال مثلا بالنسبة لجماعة (المرابطين) حيث تمسك بلمختار بجناح القاعدة، بينما أعلن قسم منها انشقاقه تحت زعامة "أبو الوليد الصحراوي" الذي بايع داعش، وحذا حذوها كل من "جماعة أنصار الدين" و"جبهة تحرير ماسينا" و"جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد" المعروفة إعلاميا ب (بوكو حرام). وينتشر مقاتلو إمارة الصحراء في المنطقة الواقعة بين مدينة تمبكتو التاريخية ومدينة الخليل في أقصى الشمال المالي قرب الحدود مع الجزائر، على مساحة تقدر بآلاف الكيلومترات، وتتميز بتضاريسها الوعرة وكثبانها الرملية الزاحفة. وتتقاسم الصراع على الصحراء، بالإضافة إلى تنظيم القاعدة وتنظيم داعش في منطقة شمال مالي كل من جماعات الانفصال التي تقاتل من أجل استقلال الإقليم عن جمهورية مالي، وكذالك جماعات التهريب والجريمة المنظمة. ودارت معارك طاحنة - حسب القبائل - بين القاعدة وداعش للسيطرة على منطقة شمال مالي لأهميتها الإستراتيجية، ولكونها معقلا وحصنا للجماعات المتطرفة والخارجين عن القانون، ومن هذه المعارك مهاجمة جماعة تابعة لتنظيم القاعدة لمركز لداعش في شمال مالي في منطقة تسمى وادي أزواغ شمال شرق مدينة غاو المالية قرب الحدود الجزائريةالمالية، وأسفر الهجوم عن مقتل 14 من الدواعش وعدد من عناصر القاعدة. وأكدت المرجعيات القبلية في المنطقة لوسائل الإعلام إصابة "أبو الوليد الصحراوي" بجروح بالغة وهو منشق عن كتيبة المرابطين كما أكدوا مقتل "خليل الطاري" أحد أبرز مؤسسي كتيبة التوحيد والجهاد. موريتانيا وداعش بعد أن أعلنت الجهات الأمنية في موريتانيا تفكيك خلية تابعة لتنظيم داعش في مدينة (ازويرات) 2015 في أقصى شمال البلاد، وظهور صفحة على وسائل التواصل الاجتماعي تحمل اسم (دواعش موريتانيا) نشر التنظيم في مجلته (دابق) خريطة جديدة تضم موريتانيا بكل أطرافها، ما يعطي أكثر من إشارة إلى وصول هذا التنظيم إلى البلاد، من خلال الجماعات السلفية و"جماعة الدعوة والتبليغ" التي بايع افراد منها داعش، منهم القيادي "حمادة ولد محمد الخيري" الذي حذا حذوه العديد من الشباب، وأغلبهم كانوا قد بايعوا تنظيم القاعدة في بلاد المغرب أولا. ووجه القضاء الموريتاني التهمة في قضية (خلية داعش) إلى ثلاثة متهمين وعرضت النيابة فيلما يتضمن صور المتهمين وهم يعلنون البيعة لقائد التنظيم أبو بكر البغدادي، وتلقى المتهمون أحكاما بالسجن تراوحت بين عشر وسبع سنين. ويرى الباحث الموريتاني في شؤون الجماعات الإسلامية المسلحة والإرهاب السيد محمد المصطفى ولد الندى، أن تأثير تنظيم داعش على شعبية تنظيم القاعدة بمنطقة الساحل أو بلاد المغرب يعود إلى كسر التنظيم حاجزا ظل كل الحركات المتشددة المسلحة تتجنبه رغم أنها تؤكد أنه هدفها وهو (إعادة الخلافة) إذ جاء إعلان التنظيم لأميره أبو بكر البغدادي "خليفة" سابقة لم تقدم عليها التنظيمات المتشددة من قبل. ويبقى السؤال المطروح هو : ما مدى تغلغل تنظيم داعش فعليا في داخل موريتانيا؟ وهل تستطيع الدولة مواجهة الخطر الوافد عليها من الخارج؟ وكيف؟. آثار هجوم على منتجع سياحي في مدينة سوسةالتونسية تبناه تنظيم داعش