الخلافات بين تنظيمي "القاعدة" و"الدولة الإسلامية" (داعش) الذي بايع عرابه أبو مصعب الزرقاوي أسامة بن لادن في العام 2004، تتجلى في معارك نفوذ على الأرض، في العراق و سورية واليمن ومصر والمغرب العربي وغيرها. يقول زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري، في مقطع فيديو بث على الإنترنت، إن "الخلافة لا تأتي إلا بالاختيار أو الاستخلاف. أما انتزاع الخلافة بالسيف والتغلب فإنه جريمة شرعية"، في إشارة إلى ما يقوم به "داعش"، واصفاً زعيمه بأنه "يسفك الدماء ويعتدي على الأمة لأجل السلطة". المراسل الصحافي الأميركي جوبي واريك، يذكر في كتابه "الرايات السود.. بزوغ داعش" أن "رؤية بن لادن كانت تقضي بإسقاط الأنظمة العربية على المدى البعيد، لكن الزرقاوي (عراب داعش)، على عكس ذلك، فإنه يرى أن القيام بأعمال عنف كبيرة وصادمة من الممكن أن تسرع الوصول إلى الهدف نفسه". الصراع بين "القاعدة" و"داعش" اليوم هو نتاج خلافات قديمة لم تكن ظاهرة، لكنها كانت موجودة منذ "بيعة" الزرقاوي لابن لادن، واستمرت مع قائد التنظيم بعد مقتل الزرقاوي حمزة المهاجر، الذي أصبح أحد مكونات "الدولة الإسلامية في العراق" التي أُعلن قيامها في العراق العام 2006 بزعامة أبو عمر البغدادي. وتشير وثائق عثر عليها في مخبأ بن لادن، سربتها وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، إلى اختلافات في التصورات والأهداف الاستراتيجية وتحديد الأولويات بين "القاعدة" وفرعه. فابن لادن كان يتحفّظ على إطلاق مسمى "الدولة" ويفضل عليه مسمى الإمارة، ويرى ضرورة الابتعاد عن وصف أميرها ب "أمير المؤمنين". واستراتيجياً، قام "القاعدة" منذ نشأته على قتال واستهداف مصالح الغرب، لا سيما الولاياتالمتحدة وحلفائها في كل مكان، وبناء التحالفات مع إيران، بينما كانت "قاعدة العراق" تقوم أولويتها على محاربة التوسع والمشروع الإيراني وحلفائه في الداخل العراقي وتصفية من يخالف توجهاتها. وكان إعلان أمير "الدولة الإسلامية في العراق" أبو بكر البغدادي في نيسان (أبريل) 2013 ضم "جبهة النصرة" وإعلان قيام "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، وما تبعه من إعلان زعيم "القاعدة" الظواهري اعتبار "النصرة" الممثل الشرعي لتنظيمه في سورية وإلغاء قرار الضم، لحظة فاصلة في بداية تمرد فرع القاعدة العراقي على القاعدة الأم، وخروج معلن على سلطة الأب الروحي للتنظيم. اليوم، وفي مناطق كثيرة، يتصارع التنظيمان. ففي العراق، يسيطر "داعش" على الموصل وتكريت وتلعفر والفلوجة، أما تنظيم "القاعدة" فكشفت تقارير إخبارية، نقلاً عن مصادر محلية في محافظتي الأنبار ونينوى، في 14 أيلول (سبتمبر) الماضي، عن قيام مجهولين بتوزيع منشورات مطبوعة باسم "تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين"، تدعو إلى "تصحيح المنهج الجهادي في العراق وتنقيته ورفع الظلم عن أهل السنة والجماعة في البلاد". وفي سورية، البلد الذي أنهكته الحرب الدائرة منذ أكثر من أربع سنوات، تسيطر "جبهة النصرة" على محافظة إدلب، بينما يسيطر "داعش" على محافظات الرقة ودير الزور وحلب. أما اليمن، فيبدو أن هناك زائراً جديداً ينافس "تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية" على الإرهاب، إذ تم في نيسان (أبريل) الماضي تشكيل "ولاية صنعاء" معلنة ولاءها إلى أبي بكر البغدادي، زعيم "داعش". اختراق "داعش" لمناطق انتشار "القاعدة" في اليمن، دفع الأخير إلى المسارعة بإعلان نفي علاقته بالعمليات التي نفذها خصمه. فحضرموت، التي تقع بمحاذاة الحدود السعودية، وتعد ثالث أكبر محافظات البلاد، تعتبر عملياً المعقل الرئيس ل "القاعدة" في اليمن، إذ سيطر على عاصمتها، مدينة المكلا، مطلع نيسان (أبريل) الماضي، بالتزامن مع انطلاق عملية "عاصفة الحزم". والمؤشرات هناك تقول، بحسب مراقبين، إن الأمور ستذهب إلى إعلان مجموعات موالية ل "القاعدة" انشقاقها تباعاً ومبايعة "داعش". وانتقل الصراع بين "داعش" و"القاعدة" إلى شبه جزيرة سيناء في مصر، بعدما أعلن جناح من جماعة "أنصار بيت المقدس" التي بايعت البغدادي وغيرت اسمها إلى "ولاية سيناء"، مبايعته للظواهري. وبدا التضارب المبدئي في شأن "مبايعة" البغدادي آنذاك مؤشراً على خلافات في صفوف "أنصار بيت المقدس" التي تبنت أعنف الاعتداءات ضد قوات الجيش والشرطة في مصر. واستطاع "داعش" لدى بدء توغله في التضاريس الليبية، استثمار الفراغ الأمني في مناطق شاسعة من البلاد لبسط نفوذه جزئياً في ثلاث مدن ليبية هي درنة وبنغازي وسرت، لكنه خسر بعد ذلك كثيراً من مواقعه الأولى، فأعاد ترتيب أولوياته مُستهدفاً مدينة سرت، شرق العاصمة طرابلس، سعياً إلى جعلها قاعدة ارتكازه الرئيسة في البلد. وعندما وضع "داعش" قدمه في مدينة درنة (شرق) في نيسان (أبريل) من العام الماضي، لم يستطع الجيش الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر إخراجه منها إلا بعدما انخرط في المعركة جماعة "أنصار الشريعة" التابعة إلى "القاعدة"، والتي أسسها مطلع العام 2012 محمد الزهاوي انطلاقاً من بنغازي، ومن ثم درنة وسرت. وعاود عناصر "داعش" تموضعهم خارج درنة بعد اضطرارهم إلى مغادرة المدينة، ما جعل الاشتباكات تتجدد مع الجيش وجماعة "أنصار الشريعة" في المواقع الجديدة. و"أنصار الشريعة" متهمة بالتورط في الهجوم الذي استهدف القنصلية الأميركية في بنغازي في أيلول (سبتمبر) 2012 وأدى إلى مقتل أربعة أميركيين بينهم السفير. وفي الجزائر، التحقت أربع جماعات مسلحة تابعة إلى تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" ب "داعش". وتعود قصة هذه الانشقاقات إلى صيف العام 2014، عندما نشر القاضي الاول في التنظيم عثمان العاصمي، رسائل عدة في مواقع مقربة من تنظيم "داعش"، تحدث فيها عن بذل النصح لأمير تنظيمه، عبد الملك دروكدال، من أجل مبايعة "داعش". وقال القاضي في إحدى الرسائل إن "المجاهدين الصادقين في ثغور الإسلام لا يمكنهم القتال إلا تحت راية واحدة هي راية الخلافة الإسلامية". وأعلنت جماعة تدعى "تنظيم الوسط"، وتنشط في محافظات شرق العاصمة الجزائر، مبايعتها البغدادي في أيلول (سبتمبر) 2014، وتشكيلها جماعة أطلقت عليها اسم "جند الخلافة في الجزائر"، تبعتها مجموعة أخرى تسمي نفسها "كتيبة أنصار الخلافة" وتنشط في محافظة سكيكدة، شرق البلاد، مطلع أيار (مايو) الماضي. وفي تموز (يوليو) الماضي، أعلنت كتيبة تسمي نفسها "سرية الغرباء"، تنشط في محافظة قسنطينة شرق الجزائر، مبايعتها ل "داعش"، ثم لحقتها كتيبة "الأنصار" التي يقول عنها خبراء أمن جزائريون إنها أقوى كتائب "القاعدة" على الإطلاق. وفي تونس، صدر بيان في أيلول (سبتمبر) 2014 عن "الإخوة المجاهدين في كتيبة عقبة بن نافع" التونسية، يبدون فيه "دعمهم بقوة" لتنظيم "داعش"، ويدعونه إلى "التقدم وتجاوز الحدود وتحطيم عروش الطغاة". وأعلنت حركة "الشباب المسلمين" الصومالية التابعة إلى "القاعدة"، اعتقال عدد من المقاتلين الأجانب في صفوفها بتهمة الترويج ل"داعش"، ما دعا الأخير إلى إصدار تسجيلات مصورة، حملت عناوين "إلحق بالقافلة" و"اسمع منا أيها المجاهد الصومالي" و"أيها المجاهد في الصومال عليك بالجماعة"، في محاولة لكسب ولاء عناصر الحركة. وبايعت جماعة "بوكو حرام" النيجيرية "داعش"، وتعهد زعيمها أبو بكر شيكاو في تسجيل صوتي نشر في آذار (مارس) الماضي، بإطاعة البغدادي في "الشدة والرخاء". وفي آسيا الوسطى، وبالتحديد أفغانستان، قالت الأممالمتحدة إن حركات تتبع "داعش" تنشط في 25 ولاية أفغانية من أصل 34.