تحدثنا في المقال السابق عن المراحل الأساسية التي تمر بها جريمة غسل الأموال، وتطرقنا لأهم الخصائص التي تميز كل مرحلة عن الأخرى، ودورها الفاعل في إخفاء مصدر الأموال الناتجة عن مصادر غير مشروعة، ونستأنف الحديث اليوم حول هذه الجريمة. واستكمالاً لذلك، فقد نوع نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/31) وتاريخ 11/5/1433ه، العقوبات المطبقة بحق مرتكبي جريمة غسل الأموال، حيث نص هذا النظام على عقوبة السجن بحيث لا تزيد على عشر سنوات، وفي موضع آخر لا تزيد على خمس عشرة سنة، وكذلك السجن لمدة عامين. كما تضمن أيضا عقوبة الغرامة المطبقة بحق مرتكبي هذه الجريمة، والتي تختلف بحسب الجرم المرتكب، علاوة على النص على توقيع الحجز التحفظي على الأموال والممتلكات والوسائط المرتبطة بالجريمة لمدة أو لمدد لا تزيد على ثلاثين يومًا، وإذا اقتضى الأمر استمرار مدة الحجز أطول من ذلك فيكون بأمر قضائي من المحكمة المختصة، مع عدم الإخلال بحقوق الأطراف الأخرى حسني النية. واشتمل النظام كذلك على عقوبة المنع من السفر خارج المملكة للسعودي الذي أنهى عقوبة السجن، وذلك لمدة مماثلة لمدة السجن المحكوم بها عليه، على ألا تقل مدة المنع عن سنتين، مع إمكانية السماح له بالسفر للضرورة أثناء مدة المنع، بشرط الحصول على إذن من وزير الداخلية أو من يفوضه. وكذلك الترحيل والإبعاد خارج البلاد لغير السعودي بعد تنفيذ العقوبة، وعدم السماح له بالعودة مرة أخرى إلى المملكة، إلا وفق ما تسمح به تعليمات الحج والعمرة. ومن أجل حماية حسني النية من الوقوع تحت طائلة العقاب، فقد نصت المادة الرابعة والعشرون من هذا النظام على عدم تطبيق العقوبات التي تضمنها بحق من وقع في مخالفة أحكامه بحسن نية. ونود أن نشيد هنا بجهود المملكة في مكافحة جريمة غسل الأموال، فلقد بذلت المملكة جهودًا مباركة للحد من خطورة هذه الجريمة والقضاء عليها، وكانت في مقدمة الدول المشاركة بفاعلية في محاربة هذه الجريمة والجرائم المتعلقة بها. وقد تجلى ذلك في انضمامها إلى اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الإتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لعام 1988م، إذ أن جريمة الإتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية، هي جريمة أصلية يتولد عنها جريمة غسل الأموال كجريمة تابعة أو لاحقة للجريمة الأصلية، كما سبق وأن أشرنا لذلك في المقالات السابقة. كما اعتمدت المملكة أيضا التوصيات الأربعين لمكافحة غسل الأموال، بقرار مجلس الوزراء رقم (15) وتاريخ 17/1/1420ه، وتشكيل لجنة دائمة لمكافحة غسل الأموال من مهامها وضع الخطوات اللازمة لتنفيذ التوصيات المذكورة ومتابعة تنفيذها، على أن يكون تطبيق هذه التوصيات متسقًا ومتوافقًا مع الأنظمة المطبقة والمعمول بها في المملكة. وأصدرت كذلك نظام مكافحة غسل الأموال بالمرسوم الملكي رقم (م/39) وتاريخ 25/6/1424ه الذي تم إلغاؤه، وإصدار نظام مكافحة غسل الأموال -الذي نحن بصدده- الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/31) وتاريخ 11/5/1433ه؛ وذلك لمواكبة التطورات المتسارعة التي يشهدها العصر الراهن على إثر الاتساع المطرد للثورة المعلوماتية والتقنية، ودورها في زيادة معدلات الجريمة، مما يتطلب تعديل وإصدار الأنظمة بصورة مستمرة. وحتى تتمكن الدول التي تعاني من ازدياد معدل جريمة غسل الأموال من الحد منها؛ فعليها إصدار الأنظمة والقوانين الصارمة ذات الصلة وتطويرها بما يتلاءم مع تطورات العصر الحديث، وتطوير المبادئ والمعايير الرقابية لدى المؤسسات المصرفية والمالية والاستفادة من الخبرات المتراكمة للدول المتقدمة في مكافحة هذه النوعية من الجرائم، ومتابعة حركات رؤوس الأموال والعمليات التي تحوم حولها أي شبهة والتعامل معها، وتفعيل مبدأ الشفافية والإفصاح في مجال الصفقات العامة، إلى جانب العديد من الأمور الأخرى التي لا يتسع هذا المقال لذكرها. حتى تتمكن الدول التي تعاني من ازدياد غسل الأموال يجب تفعيل مبدأ الشفافية والإفصاح في مجال الصفقات العامة