تعد جريمة غسل الأموال واحدة من أخطر الجرائم الاقتصادية التي تواجه العديد من دول العالم، نظراً لارتباطها الكبير بالجريمة المنظمة، حيث تهدف هذه الجريمة إلى إضفاء الشرعية على أموال نتجت في الأصل عن كسب أو مصدر غير مشروع. وقد ساهم في انتشار هذه الجريمة تحرير حركة التبادل التجاري وسهولة انتقال رؤوس الأموال عبر الدول على إثر ظهور العولمة. وإدراكاً من المنظم السعودي بخطورة جريمة غسل الأموال فقد أصدر نظام مكافحة غسل الأموال بالمرسوم الملكي رقم (م/3) وتاريخ 11/5/1433ه للحد من خطورة هذه الجريمة وتلافي آثارها، وما يترتب عليها من نتائج وخيمة على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. وقد عرفت المادة الأولى من هذا النظام جريمة غسل الأموال بأنها: "ارتكاب أي فعل أو الشروع فيه، يقصد من ورائه إخفاء أو تمويه أصل حقيقة أموال مكتسبة خلافاً للشرع أو النظام وجعلها تبدو كأنها مشروعة المصدر". ويفهم من هذا أن جريمة غسل الأموال تهدف إلى إخفاء أو تغيير مصدر الأموال المكتسبة بطرق وأساليب غير شرعية وغير نظامية وإضفاء صفة الشرعية عليها، بغية الإفلات من المساءلة القانونية والوقوع تحت طائلة العقاب. وهناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى ارتكاب جريمة غسل الأموال نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، ضعف الوازع الديني الذي ينتج عنه زيادة معدلات جرائم السرقة والاختلاس وتجارة المخدرات وتجارة السلاح وغيرها، والتي تدخل ضمن جريمة غسل الأموال، وكذلك الفساد الإداري، كأن يأخذ بعض المسئولين أو بعض الموظفين مبالغ مالية غير مشروعة، مقابل القيام بمنح تراخيص معينة في أي مجال من المجالات، علاوة على ظهور العولمة الاقتصادية والتطور التقني المتسارع في مجال المعلوماتية، وانتشار وتنامي التجارة الإلكترونية، وغيرها من الأسباب الأخرى التي يصعب حصرها والوقوف عليها، بسبب تباينها واختلافها في بعض الأحيان من دولة لأخرى. ويترتب على جريمة غسل الأموال آثار وانعكاسات سلبية على كافة المستويات، منها على سبيل المثال لا الحصر، التأثير على الاقتصاد والاستثمار الدولي والمحلي، وتدهور قيمة العملة الوطنية، وازدياد معدل التهرب الضريبي، وكذلك ارتفاع معدل الإنفاق العام للدولة لمكافحة انتشار الجريمة أو للقضاء على الاستنزاف المستمر الذي يسببه ارتفاع معدل الجريمة المنظمة في العديد من الأجهزة والقطاعات، إلى جانب ارتفاع معدل التضخم وما يستتبعه من ارتفاع حاد في الأسعار، وارتفاع نسبة البطالة. ومن الآثار الأخرى التي تخلفها جريمة غسل الأموال، تنامي وازدياد الفساد المالي والمصرفي بسبب ضخامة الأموال المغسولة عبر البنوك والمؤسسات المالية في البلدان التي تتسم بضعف الأنظمة والقوانين وضعف إجراءات الرقابة، إلى جانب انخفاض معدلات الادخار المحلي بسبب هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، وزعزعة الاستقرار السياسي والاجتماعي، وانهيار البورصات التي تفتح أبوابها مشرعة للأموال الناتجة عن مصدر غير مشروع. وتتمثل خطورة هذه الجريمة في كونها تتجه نحو إزالة وإخفاء معالم جريمة أو عدة جرائم أصلية أخرى وقعت ابتداءً، وجاء على إثرها جريمة غسل الأموال كجريمة تابعة أو لاحقة للجريمة الأصلية. وبمعنى آخر فإن جريمة غسل الأموال هي جريمة تبعية تتطلب وقوع جريمة أصلية سابقة عليها، كالاتجار في المخدرات، أو الفساد الإداري، أو عمليات السرقة والاختلاس، والتهريب الضريبي وغيرها. وقد نصت المادة الرابعة من نظام مكافحة غسل الأموال على أنه : "تعد جريمة غسل الأموال جريمة مستقلة عن الجريمة الأصلية، ولا تحول معاقبة مرتكب الجريمة الأصلية دون معاقبته على جريمة غسل الأموال المرتكبة داخل المملكة أو خارجها إذا كانت تعد جريمة وفقاً لقانون الدولة التي ارتكبت فيها ووفقاً لنظام المملكة". وسوف نكمل الحديث عن هذا الموضوع في مقالات قادمة إن شاء الله تعالى.