في ظل الجولات التي تمت بين وزير الخارجية الامريكي جون كيري، ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، كان غالبية الحوار الرئيس يتم حول حدود التفاهمات الروسية الامريكية، وكان ثمرة هذه الاتصالات، صفقة تخص الموقف في أوكرانيا على حساب سوريا وهو الأهم بالنسبة لواشنطن، في وقت استطاعت موسكو نزع عامل الضغط الاسرائيلي عن القرار الامريكي فيما يتعلق بأمنها في المنطقة، وأن التراجع في الغطاء السياسي الامريكي في الشرق الأوسط لن يكون على حساب تل أبيب، وتأكيدا لذلك كان حجم الزيارات المتبادلة بين موسكو وتل أبيب، والتنسيق الأمني والعسكري، يعكس وجود تحولات في السياسة الدولية. ضمن هذا الاتجاه، ظلت ايران الممانعة والمقاومة تؤكد باستمرار أن الإسلام الحقيقي مختلف عن الإسلام الامريكي، ولطالما حذر المرشد الأعلى من الشيطان الاكبر والأصغر، غير أن حركة السياسات التعبوية لخطف عقول وادارة الشعوب، لا تعني الا وجودا لاتصالات وتفاهمات سرية، في براغماتية سياسية كشفت زيف الخطاب التعبوي التحريضي والطائفي، وهنا لا نؤشر إلى العلاقات بين واشنطن وطهران، وانما كشفت المعلومات ان ايران وحزب الله، التزما بأمن واستقرار اسرائيل في تعهدات موثقة للجانب الروسي قبل التدخل الروسي في سوريا، وظل حزب الله يحتفظ بحق الرد المؤجل باتجاه الضربات الاسرائيلية التي طالت قياداته وقيادات الحرس الثوري في سوريا، ولن ندلف الى الدور الوظيفي لمشاريع المقاومة الايرانية التي خدمت اسرائيل، وساهمت في تفتيت الدول والمجتمعات العربية. قبل عام ونيف تقريبا نقل الموظف السابق في الاستخبارات الأمريكية، إدوارد سنودن كلاما عن محادثة تمت بين رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو والمستشارة الالمانية انجيلا ميركل. وقال: انها تناولت - وعلى مدار ساعتين - التحولات الدولية، وتراجع الدور الامريكي، وصعود الدور الالماني، في اشارة لتراجع مكانة امريكا، يقابل ذلك قرار اعادة هيكلة الجيش الالماني عام 2011 من 240 الفا الى 180 الفا بهدف التحول إلى جيش محترف، علل حينها وزير الدفاع دي ميزير هذا التغيير الهيكلي بأنه يتم بسبب تغير طبيعة التهديدات الخارجية. وقال : "أصبحت مهمة الجيش لا تتعلق بحماية أراضي البلاد وإنما القيام بعمليات لنزع فتيل الأزمات ومنع نشوب الصراعات في أي مكان في العالم" ويعني ضمنا مهام خارجية جديدة للجيش الالماني الافضل تسليحا وتدريبا، في وقت تؤكد المعلومات أن نشاط جهاز الاستخبارات الالمانية BND تضاعف من عام 1990 - 2015 ثلاثة مرات، وأصبح اكثر نشاطا من الأسبق، والمؤشرات تفيد بأن المانيا قد تصبح عضوا في مجلس الأمن الدولي، في حين تدعم روسيا صعود الهند، بينما تتحفظ المانياوروسيا على ترشيح تركيا. اذا نحن أمام نظام دولي وريث لنظام دولي قديم، بدأت معالمه منذ التسعينيات بتفكك الاتحاد السوفيتي، وحلف وارسو، وانهيار الشيوعية، وايضا محاولة أمريكا ملء الفراغ الدولي الناشئ وادارة الصراعات في العالم، لاقامة الاحادية القطبية، حيث شهد العالم من عام 1990- 2015 سلسلة من الصراعات غير المنطقية، لتثبيت العالم وفقا لمصالح امريكا المنظورة وقوى خفية متحالفة معها، غير ان مشروع الأحادية ولد ميتا، رغم حجم الاغراق المعلوماتي وحجم دورة العولمة السريعة، وأصبحنا نسمع اليوم عن عولمة عكسية، تتمثل في سلوكات سياسية اكثر استقلالية وتحررا مما مضى. ضمن هذا الاتجاه أصبح وزير الخارجية الامريكي جون كيري كساعي البريد بين موسكووايران ودول المنطقة وتحديدا قوى المعارضة السورية، وضمن هذا الاتجاه يبدو ثمة حضور صيني مختلف عن السابق في المنطقة، اتفاقيات شراكة استراتيجية، وتدخل شبه عسكري في سوريا، واستراتيجية صينية حيال الشرق الأوسط والدول العربية، وتحالف إسلامي يبدو متواضعا للبعض، لكنه أحد ارهاصات التكون والولادة الجديدة في المنطقة. وقد يكون ضرورة استراتيجية في الاشهر المقبلة، وصعود في الدور السعودي، ورغبة روسية في تحجيم النفوذ والجيوبوليتكس التركي والايراني، لان موسكو تظل تنظر بشزر الى تنامي قوة البلدين، وهدوء حذر لافت للاهتمام بين موسكو والرياض. موسكووواشنطن تدركان القيمة والوزن التأثيري للمملكة باعتبارها المرجع الروحي للعالم الإسلامي، وتدركان حجم المشاغبة الايرانية في الامن الاقليمي، فايران دولة ضجرة تاريخيا، لا تستطيع الاستقرار على حال، دولة قلقة وجزء هام من استقرارها معتمد على تفاهم أو توافق خارجي روسي غربي، ولهذا فان القلق الايراني - الذي يعبر عنه الجيوبلتكس الايراني - كان سببا في صراع ايران والمجتمع الدولي، صراع ايران ودول الجوار، وصراع ايران في الداخل مع القوميات غير الايرانية، في دستور طائفي وقومي عنصري رفع قيمة العنصر الفارسي على حساب المكونات الايرانية الأخرى، في شوفينية مرضية تؤمن بأن ايران مركز الكون، فيما مهمة مؤسسة تشخيص مصلحة النظام، الاعتراض على أي ترشيح يخل بهذه المعادلات، واقصاء من تراه غير مناسب للانتخابات البرلمانية والرئاسية. الانفتاح الايراني على الغرب وعلى الشيطان الاكبر، ليس دون ثمن، هذا ما يثير هواجس ايران من الداخل، دولة تعيش حالة من القلق التاريخي، لا يمكنها التحول لبناء الأمن والسلام الداخلي والخارجي، ففاقد الشيء لا يعطيه، ولهذا كانت غالبية تقديرات الموقف الغربية تشير الى ان السلوك الايراني لن يتغير وستظل ايران داعما للارهاب وعدم الاستقرار الاقليمي، وان المطلوب ضبط ايران، وضبط ايران هذه المرة ليس بقرارات دولية فقط، بل ضبط ايران عبر برمجتها من الداخل. فالشركات الغربية التي ستستثمر في ايران مليارات الدولارات، لن تقدم على ذلك، والقرار بيد الحرس الثوري وليس بيد الحكومة، كما أن الأحداث تؤكد ان ايران دولة غير مسؤولة أو مؤهلة لحماية البعثات الدبلوماسية التي يتكفلها القانون الدولي، فما بالك بشركات استثمارية ترغب في العمل دون قيود أو تعقيدات، أو انقلاب في السياسة الايرانية. فالتحول أو ما يسميه المرشد خامئني بالمرونة البطولية لدرجات براغماتية عالية، يعني بالمحصلة هامش اكبر للقوى الاصلاحية، وتحجيم لقوى الحرس الثوري المهيمنة على الاقتصاد والأمن الايراني، لكن هل يقبل الحرس ذلك، لن يقبل الحرس تقديم تنازلات تضعف مكانته في السياسة الايرانية، لأن المشروع الامبراطوري يحتاج الى ايديولوجيا تعبوية دائمة، غير ان التقديرات الاستخباراتية تشير الى أن المواطن الايراني اكتشف أن ايران طيلة 35 عاما من العداء لامريكا والغرب عادت في أحضانهم مرة أخرى، وانهم يؤيدون الانفتاح ليس لأسباب اقتصادية، وانما لانهم يرون فيه ايضا تراجعا لقوة متسلطة تحكم ايران بالحديد والنار، ولعل خروج صبايا ايران الى الشارع وازالة الحجاب واحد من المظاهر الجديدة في ايران بعد حادثة تمزيق صور الخميني وخامئني وكسر هذه القدسية والأغلال الدينية، ما دفع مجتبى روحاني أمام أحد الجوامع للتنكر بالقول : "هذه الحكومة قلقة على جفاف بحيرة أرومية وانقراض بعض الحيوانات، لكنها ليست قلقة على انقراض الحجاب" ردا على تصريحات الرئيس حسن روحاني عندما طالب رجال الدين بعدم التضييق على الناس واصفا اياهم بأنهم يعيشون في العصر الحجري.