مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    خادم الحرمين يهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    الأمن.. ظلال وارفة    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    ضيوف برنامج خادم الحرمين يؤدون العمرة    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    «إسرائيل» ترتكب «إبادة جماعية» في غزة    التحليق في أجواء مناطق الصراعات.. مخاوف لا تنتهي    من «خط البلدة» إلى «المترو»    أهلا بالعالم    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    كرة القدم قبل القبيلة؟!    قائمة أغلى عشرة لاعبين في «خليجي زين 25» تخلو من لاعبي «الأخضر»    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    ضبط شخص افتعل الفوضى بإحدى الفعاليات وصدم بوابة الدخول بمركبته    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    رفاهية الاختيار    النائب العام يستقبل نظيره التركي    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    استثمار و(استحمار) !    وسومها في خشومها    وانقلب السحر على الساحر!    منتخبنا كان عظيماً !    الضحكة الساخرة.. أحشفاً وسوء كيلة !    الأخضر يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة العراق في خليجي 26    نيابة عن "الفيصل".. "بن جلوي" يلتقي برؤساء الاتحادات الرياضية المنتخبين    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    إحباط تهريب (140) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    آل الشيخ: المملكة تؤكد الريادة بتقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن حكومة وشعبا    موارد وتنمية جازان تحتفي بالموظفين والموظفات المتميزين لعام 2024م    "التطوع البلدي بالطائف" تحقق 403 مبادرة وعائدًا اقتصاديًا بلغ أكثر من 3مليون ريال    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    مسابقة المهارات    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجفيف الأزمات الخارجية يحاصر إيران ويعمل على تفجيرها من الداخل

كنا خلال أسبوعين على تواصل مع عدد من الباحثين في مراكز الدراسات الأمريكية ضمن برنامج تفاعلي، وكان الموضوع تحديدا حول الربيع العربي وتحولاته السلوكية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وصولاً إلى مرحلة التغيير في المنظومة الفكرية والأمنية والعسكرية في المنطقة، واحتمالات بروز قوى إقليمية جديدة وتراجع أخرى، وظهرت معالم القوى الصاعدة واضحة مثل تركيا ومجلس التعاون الخليجي، وصعود قوى اجتماعية سياسية ومدنية لها دورها المؤثر في الحراك والقرار السياسي العربي، ونهاية تنظيم القاعدة على الأقل وفقًا للتقييم الاستراتيجي والاستخباراتي الأمريكي، ووصول النظام السياسي الإيراني إلى ذروة أزماته، وانقسامه الحاد بين مدرسة المشائية ومدرسة الملالي، وصراع داخلي عنيف، وعمليات استحواذ كبيرة على السلطة والمصالح، وحديث عن استعجال الوسط الديني على ترقية علي خامنئي من مرتبة المرشد إلى الإمام قطعًا لطريق تيار الانحراف كما يسميه رجال الدين.. وكان السؤال متى يحل ربيع إيران؟ وهو عنوان مقالتنا هذه. التقييم الأمريكي هذه المرة لافت للاهتمام والانتباه، ولعل تصريحات الرئيس الروسي ميدفيديف أنه يتمنى انتخاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما لفترة ثانية نتيجة لوضوح التفاهمات الاستراتيجية معه، يعكس جانبًا من تركيبة الشخصية والسلوكية السياسية الأمريكية في تعاملاتها الخارجية، وهذا بالطبع لا يقتصر على روسيا فقط، بل على العالم أجمع، فواشنطن أدركت أنها لا تستطيع إدارة العالم بالقوة وعسكرة السياسة، وأن المطلوب إدارته بالقوة الحية والناعمة، لا بل توصلت مراكز الثنك تانك الأمريكية إلى أن سر العداء الأيديولوجي الإيراني الظاهر لواشنطن ليس لأن واشنطن ترغب في السيطرة على مقدرات العالم أو تقسيمه لخدمة مصالحها، إنما على العكس من ذلك، فالانقسام والتشظي الإيراني الداخلي، ومخاوف الملالي من الشارع الإيراني تستدعي استحضار الشياطين والأعداء بدلا من الأصدقاء، ولهذا غسلت العقول الإيرانية بخطاب ديماجوجي حول الشيطان الأكبر، وحول المؤامرة الأمريكية والصهيونية، وبذلت لأجلها الأموال والعلاقات مع الأحزاب والتنظيمات الراديكالية، وكل ذلك هدفه فرض سياسات داخلية تجيز وتبيح للسلطة السياسية الإيرانية تجاوز مطالب الشارع الإيراني بالإصلاح والتحول السياسي بعدما وصلت الدولة الدينية فيه إلى مرحلة التآكل الداخلي وتعيش لحظات التراجع واحتمالية السقوط. وطبعًا هذا المنطق في التحليل السياسي الأمريكي ناجم عن مراجعة فكرية وأمنية وتقييم استراتيجي لمرحلة المحافظين الجدد وتأثيرهم السلبي في السياسة الأمريكية خلال فترة الرئاسة الخاصة بجورج بوش الابن، وتأثير ذلك في صورة أمريكا في الخارج، وأيضًا جزء من متغيرات السياسة الأمريكية الجديدة، ويعترف الأمريكان بأن إدارة العالم لا تتم عبر فرض الخيارات السياسية عليه، إنما بإشراكه في الخطة الاستراتيجية لضبط توازنات العالم، وهذا ما عبر عنه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون عندما انتقد الرئيس الأمريكي جورج بوش قائلاً: لا يمكن لنا أن ندير العالم بفرض تبعيته للقرار السياسي الأمريكي؛ لأن هذا لن يتحقق، ودول العالم ليست متساوية، والعديد منها لا يخضع للضغط والتأثير الأمريكي، ومن ثم فإن هذه المنهجية تضاعف نطاق المعارضة لأمريكا لنجد أنفسنا في عزلة عالمية، كما أن الأمريكان اليوم يشعرون بأن الشراكة الحقيقية وضمانة مصالحهم وضمانة الأمن والاستقرار والسلم الدولي تسهم فيها جهات عديدة ليست النظم السياسية فقط، إنما الشعوب والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والرأي العام ومؤسسات التفكير والجامعات والإعلام الجديد، ومن هنا كان القرار الأمريكي بتغيير وتوسعة آفاق المنهجية للسياسة الخارجية الأمريكية لتنطوي على رؤية بعيدة للتعامل مع دول العالم ومجتمعاته ومكوناته ومؤسساته، لذلك علينا ألا نستغرب طريقة التعامل الأمريكي مع الاحتجاجات الشعبية في الدول العربية، مع الأخذ في الحسبان تقييم واشنطن حركة مصالحها أيضًا، وهذه الطريقة ستعتمد أيضًا مع الدول والمجتمعات كافة. وانطلاقًا من هذه الرؤية فإن المحللين الاستراتيجيين الذين تواصلنا معهم هذه الفترة يرون أن العنف والتطرف سببه داخلي أولاً، وأن إدامة الفوضى والتوتر تقودها الدول التي تتبنى أيديولوجيات سياسية ودينية، ويعتقد الباحثون الأمريكيون أن الأيديولوجيا لها أهداف داخلية؛ كونها تعني السيطرة على السلطة وعلى العقول أيضًا، وتعني مصالح مشتركة، واستئثارًا بالمناصب الرسمية، وتغيير البنى التشريعية بما يخدم القاعدة الاجتماعية لهذه الأيديولوجية، ومن ثم فإن الأيديولوجيات بالضد من الرأي والرأي الآخر، ولا تؤمن بحرية التعبير، وتميل إلى الإقصاء والتهميش للأديان والقوميات الأخرى، وأن العديد منها يهدف إلى تعزيز نطاق النفوذ والمجال الحيوي الخارجي أيضًا، ويؤكدون كمثال أن صدام حسين كانت عقيدته الأيديولوجية قومية بعثية اختصرت العراق بمكوناته تلك ضمن مفردة سياسية واحدة، لكن الدولة العراقية وصلت إلى ذروة أزماتها عندما تعسكرت الدولة وتحول البعث إلى مؤسسة أمنية رديفة، وأصبح العراق سجنًا كبيرًا، وكذلك الحال مع إيران اليوم، فالأيديولوجية الدينية هي اختزالية دينية، وهي سلطة قومية فارسية تمنع ترشح أي إيراني من أي قومية لرئاسة إيران، أو تسلم منصب المرشد الأعلى أو رئيس مصلحة تشخيص النظام ولو كان شيعيًا من أصول عربية، ويرون أن هذه الاختزالية والسيطرة على مرافق السلطة المختلفة وبخاصة الأمنية والاقتصادية، وإلغاء حرية التعبير ومطاردة المعارضة الداخلية وزجهم في السجون والمعتقلات، تؤكد أن الأزمة الداخلية مع الشارع الإيراني وصلت إلى مرحلة لا يمكن للنظام الديني في إيران معالجتها إلا معالجة جراحية وجوهرية في بنية النظام السياسي، تعيد بناء الدستور الإيراني بما يجعله دستورًا مدنيًا يمنح الحق لأي مواطن إيراني من أي دين أو قومية ليصبح رئيسًا للدولة أو مسؤولاً أمنيًا، ويرون أن حركة رحيم مشائي ليست انحرافية، إنما حركة تصحيحية يغلب عليها الطابع القومي والسياسي، وتهدف إلى جعل الدين تحت السيطرة السياسية وليس العكس، ولهذا حاول مشائي أن يكسر العقدة عندما أكد أن الاتصال بالإمام الغائب لا يحتاج إلى إمام ولا إلى مرشد، وبهذا فهو يضرب أسس ولاية الفقيه في مركزها الرئيس، وهي النقطة التي ستتحول إيران بها إلى دولة مدنية حقيقية، ولهذا فإن هناك قناعة كبيرة لدى الباحثين والخبراء بأن الربيع الإيراني بات قريبًا، وأن الصخب الإيراني ناجم عن حالة الغليان الداخلية. من الأسئلة التي طُرحت سؤال حول متى سيصل الربيع العربي إلى إيران؟ وقلت: إن الربيع العربي وصل إلى إيران على شكل هِزات متتالية سيتبعها الانفجار الكبير، وقلت: إن الناشطة الإيرانية في حقوق الإنسان شيرين عبادي قالت: إن الثورات العربية ستصل إيران، وإن إيران تعيش على فوهة بركان؛ لأن الحكومات الضعيفة والمزورة تكون أكثر الحكومات عنفًا وصخبًا وقلقًا وعداء للحرية وللآخرين، وقلت: إن عبادي أكدت، على هامش اجتماع لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن الثورة ستحدث ولن تتأخر كثيرًا، وخوفي من انقسام إيران إن حدثت الفوضى، وسئلت من بعض الخبراء عن أسباب القوة الإيرانية الظاهرة، فقلت: كل الأيديولوجيات المتضخمة تحمل في رحمها المبالغة ووهم القوة الدينية والعسكرية والسحرية ووهم الحضور وهم الاتصال بالغيبيات، وقلت: إن صدام حسين أشبع العالم وهما عندما قال سأحرق نصف إسرائيل ولم نرَ سوى صواريخ روسية هرمة ومتهالكة جرى تطوير مداها الصاروخي على حساب قوتها التفجيرية، وهذا ما يجري في إيران، فمعالم القوة الظاهرة تعني في علم التحليل الأمني والسياسي قدرًا موازيًا من الضعف والهلع والخوف، ولهذا تلجأ الأيديولوجيات إلى الغيبيات وتتناسى الحقائق، ولننظر إلى ليبيا كيف اختصرت الأيديولوجيا المجتمع والسلطة، وقلت: إنك كمحلل سياسي حتى تفهم ما يجري عليك أن ترصد جميع التفاعلات الظاهرة والكامنة في الإقليم الواحد؛ لتكتشف الحقيقة السياسية الكلية دون خداع؛ لأن خيوط تفاعلاتها مترابطة ومتشابهة أيضًا. وحول موقف حزب الله وعدم تهديده إسرائيل هذه المرة، قلت: إن حزب الله فكرة إيرانية نشأت عام 1975 على أعقاب القرار الأمريكي بمكافحة الشيوعية، وبعد اتفاق بين شاه إيران وبريجنسكي أمر فيه الشاه الإمام موسى الصدر بالذهاب إلى لبنان، وتوسط له لدى حكمت الشهابي رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك لمنحه الجنسية بغية الحد من نفوذ اليسار الشيوعي في لبنان، وكان عماد اليسار في لبنان من المثقفين الشيعة، فأسس أمل ومن ثم حزب الله، وقلت: إن نصر الله لم يهدد إسرائيل في وقت الأزمة السورية الداخلية، رغم أنه حزب يعمل بالوكالة لحساب إيران وسورية؛ لأن الرسائل الإسرائيلية كانت واضحة (لن نستثني أحدًا)، كما أن حزب الله وُجِدَ للدفاع عن سورية وإيران، وهما الأساس الاستراتيجي، وغيرهما يعد من باب التكتيك السياسي، وعليه خرج نصر الله بتصريحات تفيد احتمالية قسمة سورية، وزاد عليها أنه في حال حدوث تلك القسمة فإن الأمر لن يتوقف عند سورية، بل سيشمل دولاً كالسعودية، وكان البعض يتوقع من حزب الله أن يهدد بتفجير المنطقة وجرها إلى حرب إن استهدفت سورية، غير أن حديثه عن التقسيم كان رسالة تحمل في داخلها أمرين: معرفة حقيقية بقوة الآثار السلبية للاحتجاجات السورية على عصب النظام في سورية وتداعياتها على حزب الله وعلى إيران، وأن إثارة الهواجس الأمنية الخارجية، هي محاولة للتعبير عن إرهاصات الأزمة الداخلية في إيران وسورية ومحاولة توسعة رقعة المخاوف لتخفيف حدة الضغط الحاصل على الطرفين. لكن كيف ينظر المتخصصون من الباحثين لإيران اليوم؟ يرون أن التناقضات القومية داخل إيران كانت مقموعة وليست لديها قدرة على التعبير، وهي قوة مجتمعية وسكانية متنامية وترتبط بعلاقات قوة وحضور إقليمي، وهي التي ستغير من المحتوى الديمغرافي الإيراني خلال السنوات المقبلة، وإن كانت التوازنات بعامة تميل إلى صالحها باستمرار، وأن هذه القوميات أدركت قوة الإعلام من جانب وقوة الحضور العالمي وقوة الشارع، ولهذا فهي على استعداد لخوض المعركة على مختلف الاتجاهات وإحراج إيران وتعميق الأزمة الداخلية. وفي اعتقادي أن تجفيف الأزمات الخارجية سيحاصر إيران ويعمل على تفجيرها من الداخل ما لم يمتلك العقلاء رؤية إصلاحية حقيقية كتلك التي نادى بها الرئيس محمد خاتمي، ولعلنا نستعيد فيه اليوم الندوة التي أقامها خاتمي في قاعة جامعة دمشق حول الحرية والإصلاح السياسي وحول الحوار والعلاقة ودول الجوار. كما أن إيران اليوم التي تحاول أن تضرب ستارًا وطوقًا من العزلة عبر الطوق التعبوي الديني الذي تكشفت أوراقه وأهدافه، وضبط الأنفاس الإلكترونية والإعلامية، وهي لا تملك القدرة على أن تغلف السماء الإيرانية بالرصاص لمنع وصول الإعلام إلى الداخل الإيراني، كما أن الإدارة الأمريكية تمكنت من ربط إيران لاسلكيا بعالم الإنترنت ضمن أرقام سرية باتت في أيدي المعارضة الداخلية، وتسهم في إنشاء الحلقات الإلكترونية الضيقة، وهناك أكثر من 500 محطة إعلامية تبث بالفارسية والإنجليزية موجهة ناحية إيران وبلغات القوميات في إيران، وأن هذه الحلقات عبارة عن دوائر مغلقة لا يمكن كسرها إلا بالكود الخاص بها، ما أثار الحرس الثوري ودفع بجميع الخبراء والمهندسين في أمن المعلومات لبناء شبكة نت داخلية مقصورة النطاق على قياديين في الحرس الثوري. من خلال الحوارات مع الشخصيات والخبراء وممن سبق لهم العمل في القطاع الاستخباري والدبلوماسي نستشف أن الانطباعات حول المنهجية السياسية الأمريكية حيال إيران يكتنفها نوع من الغموض، لكن بعد الدخول في نقاشات موسعة في هذا الجانب نكتشف أن هناك وضوحًا وعناصر متكاملة للتعامل مع إيران، وهو تعامل فيه قدر كبير من الذكاء، وأشار هذا الدبلوماسي إلى أن الأيديولوجية المتضخمة يجب نزع محرشاتها الخارجية، والضغط عليها من الداخل، مع كشفها من الناحية الإعلامية، وعليه فإن المنهجية السياسية الأمريكية حيال إيران يمكن وصفها بالدبلوماسية الناعمة، التي تهدف إلى عدم منح طهران أي ذريعة لتظهر بأنها مستهدفة وضحية من الخارج؛ لأن مقتل إيران كما يرى الخبراء في خفض عوامل الإثارة الخارجية وفي
رفع كلف السؤال الداخلي، فالأيديولوجيات مهما كانت طبيعتها يحييها الاستفزاز ويقتلها عدم الاكتراث الخارجي وينهيها الاستحقاق الداخلي، وهو ما أكدته هيلاري كلينتون في مقالتها في مجلة ""الفورن أفيرز"" نهاية 2010 بعنوان leading through civilian power حول ضرورة المراجعة الدبلوماسية والعمل على قيادة العالم عبر القوة المدنية، وهذه المقالة بالطبع كانت كلمة افتتاح لمؤتمر متخصص حول هذا الموضوع، وهي تتماشى مع النهج الدبلوماسي الجديد لإدارة باراك أوباما بجعل الدبلوماسية الناعمة أداة لتحقيق غايات سياسية خشنة. وكترجمة لهذه المنهجية نرى أن السياسة الأمريكية تهدف إلى إطفاء الحرائق الملتهبة التي تجد فيها إيران مجالاً حيويًا لسياساتها الخارجية، وتجد فيها عنصرًا تعبويًا للسياسة الداخلية، ففي فلسطين هناك مصالحة بين حماس وفتح، وفي سورية ضغوط قد تؤدي إلى تغيير النظام عبر التدخل العسكري الذي بدأت بوادره أكثر وضوحًا مما مضى، وهناك تفاهم مع طالبان لإقامة حكم مدني إسلامي وصل إلى مراحل متقدمة، وحديث عن عقد مؤتمر دولي للقوميات الإيرانية، وقد تتضافر الجهود عبر المطالبة بحق تقرير المصير وإيجاد مجلس انتقالي مشترك لبحث شكل تقرير المصير الذي ترغب فيه هذه القوميات، وهناك بوادر لاعتراف ضمني بهذه المكونات الجديدة. وبحسب الخبراء فإن المنهجية السياسية الأمريكية تتعامل مع إيران اليوم ليس ككتلة اجتماعية وجغرافية سياسية واحدة، وهذا يعني الاعتراف غير المباشر بالانقسامات الداخلية، وربما تعزيز انقسام هذه المكونات ووضوحها، خاصة أن النهج السياسي الإيراني قد أقفل الطريق أمام أن يكون النظام السياسي الإيراني ديمقراطيًا يحتوي ويستوعب كل المكونات القومية فيه، ويعترف بها اعترافًا عمليًا وليس نظريًا، ولهذا فإن الاعتراف الضمني قد يضاعف الأزمة الداخلية وقد يحدث انقلابًا يقود إلى تغيير الدستور الإيراني والسلطة السياسية فيه، ويؤدي إلى الاعتراف بالمكونات القومية وحقوقها السياسية، واحترام خصوصيتها في الإطار الإيراني، وفي حال لم تستطع الدولة الإيرانية القيام بهذه المهمة، وهي مهمة الاستيعاب القانوني والدستوري للتكوين القومي والديني، فإن الأمور تسير إلى التجزئة، وهنا نقول: إن إيران التي اكتسبت بحكم القوة أراضي لقوميات كانت دولاً وإمارات مستقلة، فإن القوة ذاتها والعوامل النقيضة لمكون الوحدة الإجبارية، كفيل بأن يمنح هذه الشعوب هذه المرة حق الاختيار في أن تستعيد حقوقها المشروعة وربما الانفصال أيضًا. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف ستتصرف إيران حيال المنهجية الأمريكية الجديدة، وحول الموقف السياسي الروسي المتحول في ليبيا وفي سورية عندما صرحت موسكو: ليست لنا مصالح في سورية؟ وكيف تنظر إلى القرار الأمريكي بفصل طالبان عن ملف القاعدة، ونهاية القاعدة بالمفهوم الأمني الأمريكي، وفي المجالس الوطنية التي تنشأ وتتحول بسرعة إلى شرعيات سياسية جديدة وبديلة؟ ولا يمكن لإيران أن تهرب نحو الإمام إما بتقديم تنازلات داخلية حقيقية وإما بإثارة الفوضى الإقليمية فيما يحاصرها الاحتجاج من الداخل، وعليه لن يمنح الإيرانيون أنفسهم وقتًا للتفكير في الاستيراد الإجباري للأفكار والثورات على قاعدة (كما تصدر تستورد)، خاصة أن نظرية النظام تؤكد أن العالم متشابك ومتداخل، والداخل فيه مرتبط بالخارج، ولا مجال للفصل السياسي وتؤثر فيه وتتأثر به أيضًا، ولا مجال للقول نحن نختلف عن الآخرين. ووفقًا للمعلومات التي رصدتها مراكز البحث والدراسات، فإن إيران ستحاول هذه المرة الاحتكاك غير المباشر بتركيا لنقل الفوضى إلى داخل الأراضي التركية، فقد ألقت الشرطة التركية أخيرًا القبض على قيادي في الحرس الثوري الإيراني يقود مجموعة داخل الأراضي التركية لتصفية عدد من المعارضين الهاربين من مثقفين وصحافيين من قوميات متعددة في إيران، ما اضطر المعارضين إلى الهرب واللجوء إلى أحد مراكز الأمن التركي، وكان ذلك في إحدى المدن الحدودية مع إيران، واللافت للانتباه أن التحقيقات الأولية تفيد بأن هذا الشخص يقود تنظيمًا داخل الأراضي التركية من بين أهدافه تعريض الأمن التركي للخطر، والضرب على الوتر الطائفي والقومي في تركيا واستهداف المعارضة الإيرانية، ويشار إلى أن السلطات التركية كانت قد طلبت من إيران في وقت سابق الامتناع عن العمل والنشاط الاستخباري على الأراضي التركية، خاصة بعد اختفاء عدد من اللاجئين الإيرانيين الذي اختطفوا في نيسان (أبريل) الماضي من داخل الأراضي التركية من قبل عناصر أمنية إيرانية وتم تهريبهم إلى إيران. وتنقل ""رويترز"" أن أنقرة ضاعفت من قوتها في المناطق الجنوبية الشرقية المحاذية للعراق وإيران وسورية، حيث وصل تعداد القوة التركية 350 ألف عسكري تركي، وذلك بعدما وجدت الحكومة التركية أن هناك دعمًا إيرانيًا سوريًا لحزب ال""بي كي كي"" وتزويده بالمعلومات والسلاح والتدريب العسكري والقتالي، وكذلك ربط علاقات تعاون بينه وبين تنظيم القاعدة عبر إيران، وأن التدريبات العسكرية شملت أساليب قتالية اعتمدت سابقًا ضد القوات الأمريكية في العراق. وتشير المعلومات إلى أن مسؤولين كبارًا سوريين وإيرانيين اجتمعوا مع قيادات كردية قُبيل الانتخابات التركية، وأن الاتفاق تم على أساس دعم استقرار إيران وسورية وتعزيز دورة العنف وشد الأطراف التركية، مقابل الحصول على وعد سوري إيراني بالاعتراف بحق تقرير مصير كردستان العراق فقط، ومن جانب واحد والضغط على الحكومة المركزية في بغداد لجعل هذا الأمر واقعًا دستوريًا وسياسيًا، وحصل الأتراك على معالم هذا الاتفاق، ما جعل تركيا ترسل إشارات تحذيرية للأكراد بأن أي خطوة في هذا الاتجاه ستقابل بالحسم العسكري (انظر: تصريحات كوسرت رسول نائب رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني في ""الشرق الأوسط"" 20/6/2011 وتصريحات برهم صالح في ""الشرق الأوسط"" في 21/6/2011 حول استقلال كردستان)، وانظر صحيفة ""الصباح"" التركية التي ذكرت وجود مخطط إيراني سوري تشرف عليه الأجهزة الأمنية لاستهداف قيادات المعارضة السورية والإيرانية في تركيا. ويؤكد أحد الخبراء، وهو شخصية متخصصة في القوميات والإثنيات في إيران ودول المنطقة، أن الظروف والمتغيرات الإقليمية الراهنة تعزز إمكانية عقد مؤتمر لمناقشة أوضاع القوميات في إيران، ومن المرجح أن تستضيفه أنقرة بضوء أخضر أمريكي، فقد كثف ناصر محتشمي عضو اللجنة المركزية لحركة تحرير بلوشستان مطالبته بتقرير حق المصير لبلوشستان، بينما أصدر المجلس الأعلى لتحرير عربستان، ويضم أغلبية التنظيمات السياسية في عربستان، بيانًا أكدت فيه حقها في تقرير المصير، ويشار إلى أن إيران في حال دعمها حق تقرير المصير للأكراد في العراق، فإن هذا سيدفع أبناء القوميات في إيران إلى المطالبة بالمثل بحق تقرير المصير، وقد يدفع دولاً إقليمية لإعلان اعترافها الضمني بهذه القوميات وفتح مكاتب لها. وعليه؛ فإن التدخل الإيراني الخارجي سينعكس سلبًا على طهران هذه المرة، وسيكون مكلفًا للغاية، حيث ينوي المجلس الأعلى مفاتحة دول عديدة بحثًا عن الدعم والاعتراف ومن بينها الولايات المتحدة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.