شهدت المنطقة الشرقية في الأسبوع الماضي «ملتقى السلامة المرورية الثالث»، الذي افتتحه سمو أمير المنطقة الشرقية في شيراتون الدمام، وكان الإقبال الجماهيري على أجنحة المؤسسات المشاركة في هذا الملتقى كبيرا جدا خلال الأيام المحددة للملتقى. وهذا مؤشر لا يمكن تجاهله عن حرص الجميع على السلامة المرورية بعد أن أثبتت الإحصائيات أن أعدادا مهولة من الناس تذهب ضحايا لحوادث المرور ما بين الموت والإصابة بعاهة مستديمة، إلى جانب ما تشكله هذه الظاهرة من عبء اقتصادي على الدولة بما في ذلك اشغال المستشفيات بما يقارب أربعين في المائة من أسرتها يشغلها المصابون في حوادث المرور. لكن فقدان الأرواح -وهو الأهم-، هو ما يشغل الناس ويقض مضاجعهم، ويجعلهم في قلق دائم على أرواحهم وأرواح غيرهم. ورغم وجود أنظمة مرورية صارمة، لكن هذه الأنظمة بين أمرين، الأمر الأول: هو عدم تطبيقها بحذافيرها، والأمر الثاني: هو جهل الناس بها، أو تساهلهم في التعامل معها، وفي الحالتين النتيجة واحدة وهي المزيد من الموتى والمصابين بسبب حوادث المرور التي تزداد نسبتها بين فئة الشباب، وخاصة أولئك الذين يحظون بأساليب تربوية خاطئة، ورقابة غير متوازنة من قبل أسرهم، بل أن بعض هذه الأسر، تسهم دون قصة في دفع أولادها إلى الخطر، عندما تسمح لهم بالسياقة في سن مبكرة، لا تؤهلهم لإدراك خطورة الحوادث، ولا القدرة على تجنبها، ولا التصرف السليم حيال مفاجآت الطريق. الغريب في الأمر، أن بعض السائقين -إن لم نقل معظمهم- يدركون خطر السرعة ويسرعون، ويعرفون عواقب مخالفة إشارات المرور، ويخالفون، ويعلمون أخطار الطريق ويتجاهلون، وكأنهم يصمون آذانهم، ويغلقون عقولهم أمام أي حديث يتعلق بسلامة المرور، وإذا استمعوا إليه ينسونه بسرعة سماعهم له، وأكاد أجزم بأن ما من أسرة إلا ومن أفرادها من تعرض لبعض حوادث المرور، كبيرة أو صغيرة، ومع ذلك لا يتعظون. فهل هذا السلوك السلبي تجاه سلامة المرور ناتج عن أسباب تربوية أو نفسية أو اقتصادية عندما وفر رغد العيش عدم المبالاة؟، أم أن كل هذه الأسباب وغيرها كثير هي السبب في هذا السلوك السلبي حيال سلامة المرور، أو السياقة المثالية، أو التقيد بنظام المرور؟، سمها ما شئت فالنتيجة واحدة وهي القصور المتعمد في التعامل مع المركبات بما تفرض أصول وقواعد وأسباب السلامة المرورية، مع أنه ما من عاقل يسعى إلى الإضرار بنفسه أو بغيره، وشواهد ذلك لا تعد ولا تحصى. هذه الطاقات البشرية المهدرة بسبب حوادث المرور، ليست خسارة لذويها فقط، ولكنها خسارة للوطن، وهذ الظاهرة جديرة بأن تنظم لها الملتقيات والندوات والمهرجانات على نطاق واسع، مع التطبيق الصارم لأنظمة المرور بأساليب أكثر فاعلية، ومع أن ساهر قد حد من ارتفاع عدد حوادث السرعة في الشوارع والطرق العامة، وكذلك حملات التفتيش المرورية التي تفاجئ المواطن في بعض الأماكن، إضافة إلى أجهزة المراقبة الآلية الحديثة المستخدمة في هذا المجال، أقول: ومع ذلك كله، لا بد من الأخذ بكل أسباب وإجراءات السلامة المرورية، وفق أساليب أكثر حداثة وأشد صرامة؛ للحد من رعونة وتهور بعض السائقين، حتى وإن أدى ذلك إلى حرمان السائق من القيادة فترة من الزمن كافية بأن تعيد إليه رشده ليعرف أن روحه وأرواح غيره أغلى من أن تهدر بهذا الشكل الذي يعطل ويستنزف طاقات بشرية كبيرة، تحتاجها الأسر المنكوبة، كما يحتاجها الوطن؛ للإسهام في التنمية الشاملة التي تعيشها بلادنا في مختلف المجالات. لا يكفي أن نقول: السلامة المرورية هاجس الجميع، بل لا بد أن يكون هذا الهاجس شعارا يراه المواطن في كل حركاته وسكناته، إن لم نقل في يقظته ومنامه، من خلال تكثيف سبل التوعية في البيت والمدرسة والمسجد والشارع، وفي كل مكان، وعبر مختلف جميع أجهزة الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة مع ما يتطلبه هذا الأمر من دعم شامل من الدولة ورجال الأعمال وتطوع المواطنين. ونمو الوعي في هذا المجال هو الكفيل بعد الله للحد من حوادث المرور.