تقول الحكمة الإنجليزية "سق بهدوء فأنا مستعجل!" وهي حكمة لو التزم بها السائقون في شوارعنا فإن نسبة الحوادث المرورية المميتة والمرتفعة بشكل مخيف ومؤلم ستقل كثيراً، وربما تنتهي ونحمي الأرواح من أن تكون ضحية للتهور والسرعة و"الطيش" التي يقود بها الكثيرون منا مركباتهم، وحتى تتحقق هذه الحكمة في سلوكنا المروري ونتفق جميعاً على تطبيقها وقيادة السيارات في الشوارع بهدوء وعقل، وهو الأمر المستبعد حدوثه على الأقل على المدى القريب، فإنه يجب عليك أن تكون حذراً ومتيقظاً وعلى أعلى درجات الانتباه، بل لابد أن تفتح عينيك جيداً وأنت تسير بمركبتك، لأنك ستجد عن يمينك ويسارك ومن خلفك وأمامك سيارات صاروخية يقودها سائقون بشكل فيه الكثير من التهور والفوضى والجنون، ولا تملك إلا أن تضع يدك على قلبك وأنت تجد السائق الذي كان يسير خلفك ب"صالون" أو "ميني باص" يريد أن يتجاوزك بسرعة، وهو يكاد يلتصق بسيارتك، مما يضطرك إلى إفساح الطريق له خوفاً على عمرك وعلى سيارتك التي لم تنته أقساطها بعد!. عينك في رأسك تجد سائق ليموزين يسابق الريح وينحرف يميناً ويساراً حتى لا تسبقه سيارة أخرى على راكب يقف في ناحية من الطريق، وكثيراً ما تجد سيارات الليموزين تقف وسط الطريق لإركاب أو إنزال راكب غير آبهة بما يسببه ذلك من إرباك لحركة المرور في الشارع، لأنهم لا يجدون من يقول لهم: "عينك في رأسك"، بعد أن اختفى رجال المرور من الشوارع وأصبح معظمهم يتفرج، أو لنقل يتابع الحركة المرورية من سيارته المكيفة، وهذا أدى إلى أن الكثير من السائقين الوافدين اليوم أصبح لا يحترم النظام المروري ولا يأبه به، لتزيد نسبة مخالفاتهم بدرجة كبيرة، وهو ما يجب أن يوضع تحت مجهر المناقشة لمعرفة أسبابه. استهتار الطائشين بالأرواح والممتلكات حرمنا «ثقافة قف» و»سلوك الالتزام» ثقافة مفقودة في الكثير من دول العالم توجد لوحات إرشادية تحمل كلمة (قف)، ولا يمكن لأي سائق إذا وجد هذه الكلمة أن يتجاوزها دون أن يقف فترة معينة تعتمد على الحركة المرورية، وهذا نظام لا يمكن التهاون في تطبيقه واحترامه من السائقين الذي يأتون من شارع فرعي إلى رئيسي، ولهذا نجد في هذه الدول التي تحترم (قف) خالية من الحوادث المرورية ونسبتها فيها لا تكاد تذكر، أما بالنسبة للوضع في شوارعنا فإن ثقافة (قف) مفقودة وغير مطبقة وغير مهتم بها، رغم ندرة وجود لوحاتها في معظم تقاطعات الشوارع في مدننا، ولهذا لا يمكن أن يمر يوم إلا وتجد في معظم الشوارع الكثير من حوادث السير، لأن السائقين يخرجون من الشوارع الفرعية إلى الرئيسية بأقصى سرعة، بل ويعتبرون أن لهم الحق في ذلك! توعية السائقين يقول الأستاذ "سعيد محمد جراد" - مربٍ ومهتم بالشأن الاجتماعي -: إن ثقافة (قف)، أو أفضلية السير لمن داخل الدوار أو الميدان، غير موجودة عند معظم السائقين، وقل أن تجد سائقاً يحترم ذلك ويتوقف لثوان من أجل حماية روحه وأرواح الآخرين من الحوادث، بل أنك تجد أن الوقاحة تصل بالبعض من هؤلاء السائقين لدرجة أنه يعتبر الحق له في المرور رغم أنه يأتي من شارع فرعي إلى رئيسي، متأسفاً على أن معظم المخالفات تحدث من سائقي الليموزين والسائقين الخاصين، وهؤلاء يفترض أن يكونوا أكثر احتراماً لنظام المرور، ويفترض أن تتم توعيتهم من قبل الشركات التي يعملون بها، ومن قبل الأسر التي يعملون معها بضرورة التقيد بالأنظمة المرورية، مشدداً على ضرورة وجود عقوبة رادعة لهؤلاء السائقين تجعلهم يحترمون النظام المروري في البلد، لأن معظمهم أصبح غير آبه بذلك، والسبب أن السيارة مؤمن عليها، والغرامة سيدفعها "عمه" وهو لن يمسه شيء!، مطالباً بضرورة أن يتم تطبيق التوعية المرورية للطلاب في المنهج المدرسي، لأن معظم المخالفات تحدث من الطلاب الذين لا يعي معظمهم خطورة التهور في قيادة السيارة. نسبة الوافدين أكبر تؤكد الإحصائيات التي تصدر من إدارات المرور في السنوات الأخيرة بأن نسبة حوادث السير التي يتسبب فيها الوافدون تفوق نسبة الحوادث التي تحدث من المواطنين، ومعظم هذه الحوادث تقع من سائقي سيارات الليموزين وسائقي السيارات الخاصة، وهذا ناتج عن السرعة التي يقود بها هؤلاء السائقون وعدم التزامهم بالأنظمة المرورية، كما أن الكثير منهم لايملك خبرة في القيادة، وهو ربما لم يقد سيارة إلا عند وصوله للمملكة ب"فيزة" سائق، كما أن كل عامل يأتي للمملكة لا يمر على وجوده شهور سواء كان "سباكاً" أو "نجاراً" أو "كهربائياً" أو "بائع فواكه"، إلا وتجده قد امتلك سيارة خاصة، وأصبح يجري بها في الشوارع ذهاباً وإياباً، رغم أنه ربما لم يسبق له القيادة في بلده، ولكن شوارعنا أعطت له الفرصة للتعلم، نتيجة عدم الحزم في تطبيق الأنظمة المرورية، وعدم توفر مواصلات عامة منظمة تساعد على وضع شروط تقيد امتلاك سيارات خاصة لهؤلاء العمالة. موديلات قديمة الكثير من هذه السيارات التي يمتلكها هؤلاء العمالة من موديلات قديمة، وبعضها إذا مرت بشارع فإنها تملأه بالأدخنة السوداء بسبب سوء صيانتها، وبعضها ربما تكون بدون "كوابح"، وهذا يوضح عدم مبالاة الكثير من الوافدين بنظام مرورنا بعد أن تهاونا في تطبيقه وتركنا الحبل على الغارب، وغاب تواجد رجل المرور في الشارع، لقد وصل الأمر عند البعض من الوافدين إلى "التجديع" والسرعة الجنونية في الطرقات دون اكتراث، مما ساهم في ارتفاع معدلات الحوادث المرورية، حيث أكدت الإحصائية الصادرة عن الإدارة العامة للمرور، بأن عدد الحوادث المرورية التي وقعت خلال العام الماضي بلغت أكثر من (485) ألف حادث مروري ذهب ضحيتها آلاف الأشخاص وأكثر من عشرين ملياراً خسائر مادية. تعليمات ست البيت ويذهب الأستاذ "عادل محمد عبده" من مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية إلى التأكيد على وجود عدم اكتراث من السائقين الخاصين بالأنظمة المرورية، وخاصةً التقيد بالسرعة النظامية في الشوارع، وهذا يعود لأن السائق يأخذ تعليماته من المرأة التي تركب معه، أو من أبناء الأسر الذين يعمل عندهم، وهؤلاء يجهلون الأنظمة المرورية، لأنه لا يوجد تثقيف مروري يمكن أن ينعكس أثره على جميع أفراد الأسر، ولهذا فإن السائق إذا قال له الأبناء أسرع فإنه لا يستطيع أن يخالف أمرهم، وإذا اتصلت به سيدة الأسرة من البيت وطلبت منه العودة بسرعة فإنه ينطلق بأقصى سرعة لتلبية أوامرها، مضيفاً أن معظم السائقين الخاصين في البيوت مرتبطون بأوامر "ست البيت" وهم تعودوا على أخذ توجيهاتهم منها، حتى لو قالت له: اقطع الإشارة فإنه يقطعها، كما أن الكثيرين من السائقين العاملين في الشركات والمؤسسات لا يهمه مايحدث للسيارة فلو وقع لها حادث أو اصطدم بها فإن التأمين سيتولى دفع أجور إصلاحها، ولهذا تجدهم لا يلتزمون بالسرعة النظامية في الشوارع خاصة سيارات توزيع البضائع والمياه بأنواعها على المحلات التجارية، وسيارات شفط الصرف الصحي وصهاريج مياه الشرب والحافلات، والتي أصبحت تزاحم السيارات الصغيرة في أوقات الذروة وغيرها، مما يجعلك تعيش قلقا قاتلاً منذ خروجك من بيتك وحتى عودتك إليه بسبب مما تراه من تهور وسرعة جنونية، مؤكداً بأن الكثير من شوارعنا تفتقد اللوحات التنظيمية المرورية حتى بعض الشوارع إذا وضعت فيها لوحة إرشادية (ما) وسقطت لأي سبب فإنها لا تعاد مرة أخرى ولا يلتفت لها، وهذا يجعل الناس لا يكترثون بهذه اللوحات إن وجدت. نظام صارم وصحيح وشدد "عبده" على ضرورة وجود نظام صارم وصحيح لتطبيق الأنظمة المرورية في شوارعنا وفرض احترامها من الجميع، وهذا لا يكون عن طريق فرض المزيد من الغرامات كما يعتقد المسؤولون في المرور ومضاعفتها لإرهاق الناس، وإنما بتفعيل الثقافة المرورية وتطبيق الأنظمة على الجميع، وأن لا نتعاطف مع المخالفين كائنا من كان، لأن من أمن العقاب أساء الأدب، موضحاً أن وضع الكثير من الشوارع يجبر الإنسان أن يخالف، فالكثير من فتحات الالتفاف والدوران إما تجدها مغلقة، أو في غير موقعها المناسب، أو موجودة بطريقة لا تراعي السلامة عند الالتفاف، حيث يجد الإنسان نفسه عند الدوران يواجه السيارات القادمة، وهذا يؤدي للكثير من الحوادث خاصةً أن الكثير من الشوارع تفتقد وجود لوحات تحديد السرعة ولوحات إرشادية وتوعوية، وهو ما يزيد نسبة الحوادث في شوارعنا عاما بعد عام. نظام ساهر الأستاذ "عادل عبده" يؤكد على وجود خلل في أسلوب التوعية المرورية ساهم في عدم وصولها لجميع الناس وبالطريقة التي يمكن أن تحقق نتائج إيجابية وملموسة، تساهم في الحد من الكوارث المرورية في شوارعنا، مطالباً بأن يطبق نظام الاتجاه الواحد في شوارع المدن المزدحمة، لأن ذلك يساهم في التخفيف من الحوادث، متسائلاً: كيف تستخدم كاميرات نظام "ساهر" في رصد مخالفات السرعة، إذا كانت معظم الشوارع لا توجد فيها لوحات تحدد السرعة؟، فالشخص قد يسير بسرعة (80 كم) في أحد الشوارع بينما السرعة المبرمجة في كاميرات ساهر لذلك الشارع هي (60 كم) لتسجل عليه مخالفة سرعة، رغم أنه لا يوجد في الشارع لوحة تدل على ذلك!. لجنة أصدقاء المرور ويتساءل "د.طلعت عطار" المحامي والمستشار القانوني: لماذا لا تكون التوعية المرورية على مدار العام؟، حتى تحقق نتائج إيجابية، بعد أن وصلت الحوادث المرورية عندنا إلى أرقام فلكية، ولماذا لا نرى رجال المرور إلا في أول يوم من العام الدراسي لتوزيع الورود في الشوارع؟، مطالباً بضرورة تفعيل لجنة أصدقاء المرور، ليكون لها دور أكبر في تنظيم المرور في الأحياء، مبيناً أن نظام ساهر يجب أن يكون لحماية الناس وليس لإرهاقهم مادياً بالغرامات المالية العالية، وقبل ذلك يجب أن تكون لوحات السرعة موجودة في كل شارع حتى لا يؤخذ الناس على حين غرة، مشدداً على أهمية أن تستثمر الغرامات التي تؤخذ من المخالفين في صيانة الشوارع وإشارات المرور، مع نشر اللوحات الإرشادية والتوعوية في جميع الشوارع، مستغرباً من قيام بعض الناس بتركيب مظلات خاصة لسياراتهم أمام بيوتهم في الشارع، وهذه المظلات تقتطع جزءاً من الشارع داخل الأحياء، وهذا يجب وضع نظام له وتصاميم خاصة، بالتعاون بين الأمانة والمرور، بحيث لا تؤثر هذه المظلات على حركة السير في الشارع. الكثير من اللوحات الارشادية تتساقط ولا يعاد تركيبها مرةً أخرى img src="http://s.alriyadh.com/2010/10/02/img/165858434277.jpg" title="غياب ثقافة "قف" تسبب في زحام مروري عند الدوارات" غياب ثقافة "قف" تسبب في زحام مروري عند الدوارات