ترى ما أسباب عدم الشعور بالرضا حتى عند أولئك الذين تتوافر لهم أسباب الرفاهية؟ يتساءل الكاتب مارك إدموندسون. وهو سؤال يفتح باب التأمل على مصراعيه، ويثير كثيراً من التداعيات. كل شيء في متناول اليد، ومع ذلك هنالك حالة من عدم الرضا أحد منتجاتها الاكتئاب. ولا بد من الإشارة، هنا، إلى أنني لا أقصد الاكتئابَ الناجم عن مرض نفسي، أو عن نقص فيتامين (د)، أو عما يرتكبه الإرهاب من جرائم بحق الإنسانية. لنتخيل، إذن، ما قد يُطرح من مقاربات بحثا عن أسباب عدم الرضا، وكيف عجزت كل تلك الإمكانات والتسهيلات عن إسعاد أصحابها المرفهين: كل شيء في هذا العصر برسم البيع إلا السعادة فإنها من الأشياء التي لا تشترى. لذلك يفترض بعضهم أن الرضا شعور نابع من الذات. ويمكن الاستشهاد هنا بقول المتنبي: "ومن يكُ ذا فمٍ مرٍّ مريضٍ يجدْ مرًّا به الماءَ الزلالا". وسيعلل فريق آخر عدم الرضا بالعجز عن إدراك قيمة ما هو في اليد، والنظر إلى ما في أيدي الآخرين. وربما عزا بعضهم ذلك إلى سُعار الاستهلاك، والسعي اللاهث نحو اقتناء أشياء ليس لها فائدة فعلية. لذلك سيذكّرنا هؤلاء بكنز القناعة الذي لا يفنى، وبعبارة سقراط الشهيرة: "ما أكثر الأشياءَ التي لا أحتاجها"! وقد يرى بعضهم أن الخلل ناجم عن خلو حياة المرء من الأهداف، وأن حياةً بلا أهداف هي حياة غير متوازنة وخالية من المعنى، كما أن الشعور بالرضا ليس غاية، وإنما هو منتج ثانوي لإنجاز الأهداف. وبما أنَّ تحقيق هدف ما يتطلب التزاماً ما، فإن الالتزام يعني المسؤولية، والمسؤولية تعني عدم التمركز حول الذات. وقد يقترح بعضهم ضبط إيقاع حياتنا لنحقّقَ شيئاً من التوازن. وفي روايته (الخيميائي) يسرد باولو كويلو حكاية تعبر عن هذا المعنى المتعلق بالتوازن. وملخص الحكاية أن تاجرا معروفا أرسل ابنه إلى أحد الحكماء ليطلعه على سر السعادة، وحين التقيا اقترح الحكيم على الشاب أن يقوم بجولة على قصره الفخم وملحقاته البديعة. ثم أعطاه ملعقة بها قطرتان من الزيت، وأوصاه أن يمسك الملعقة بيده خلال جولته، وأن يحرص على ألا ينسكب الزيت من الملعقة. وقد أخفق الشاب مرتين؛ في المرة الأولى عاد من جولته دون أن يرى معمار القصر وجمال ملحقاته، فقد كان اهتمامه منصبّاً على الملعقة، خشية أن يسكبَ قطرتي الزيت. أي أنه انشغل بالمسؤولية عن المتعة، وفي المرة الثانية عاد بعد أن استمتع برؤية القصر وما حوله، لكنه سكب قطرتي الزيت، أي أنه انشغل بالمتعة عن المسؤولية. أراد الحكيم أن يقول: إن السعادة تكمن في تحقيق ذلك التوازن الذي يضبط إيقاع الحياة، فلا يطغى جانب على آخر. أما غاندي فيستبدل كلمة "توازن" بكلمة "تناغم" حيث يرى أن السعادة عبارة عن تناغم بين الأفكار والأقوال والأفعال. ولأن حرية الاختيار عنصر حاسم في معادلة السعادة، فإن الشعور بالرضا يتحقق بما تريده أنت لنفسك، أي حين لا تصبح "نموذجا لحلم شخص آخر". حتى لو كان هدفه إسعادك. وبعد، لا يوجد تعريفان متشابهان للسعادة، ولأنها نسبية، وأن ما يُسْعد أحدهم قد لا يسعد غيره، فكل التعريفات مقبولة. وعلى المرء أن يبحث عن البهجة وفقاً لما يناسب كيمياء شخصيته، وأن يفصّل سعادته على مقاسه. لكن عليه، أيضا، أن يحافظ على قطرات الزيت التي في الملعقة.