منذ انخفاض أسعار النفط، خلال السنة الأخيرة، والأحاديث تكثر حول أثر انخفاض الأسعار على اقتصاد المملكة، سواءً في الأوساط الاقتصادية، أو بين عامة الناس. المخاوف تتركز على هبوط أسعار النفط، لكنها لا تتجاوز ذلك، في معظم الأحيان، إلى القلق من عدم تنويع مصادر الدخل حتى الآن، فالمملكة ما زالت تعتمد على النفط مصدراً شبه وحيد للدخل، ورغم أن الخطط الخمسية المتوالية أكدت على تنويع مصادر الدخل، أي إيجاد مصادر أخرى غير النفط تُؤمّن دخلاً للدولة، إلا أن ما يقارب 85% من الصادرات السعودية، و90% من الإيرادات الحكومية، تأتي من قطاع النفط، وهو ما يطرح السؤال حول أهمية الخروج من شرنقة النفط هذه، وعدم الارتهان لتقلبات الأسواق النفطية. الاقتصاد الذي يعتمد على عائدات النفط هو (اقتصاد ريعي)، وهو مفهوم يؤكد المفكر العربي جورج قرم أنه ينطبق على أي اقتصاد ينحصر فيه النشاط الاقتصادي «في ميادين وقطاعات تُدر أرباحاً كبيرة بدون أن يكون لصاحب الريع أي نشاط إنتاجي وإبداعي يُذكر»، وبمعنى آخر، فإن الاقتصاد الريعي يقوم على مداخيل لا يُبذل جهدٌ في الإنتاج لتحصيلها، وهذه سمة اقتصاد معظم الدول العربية، سواءً النفطية أو غير النفطية، فالأخيرة أيضاً تعتمد على مداخيل السياحة أو التحويلات المالية من الخارج، وهذا نوع من أنواع الريع، فالريع لا يقتصر على النفط والمواد الخام فقط. كان من المهم ولا يزال، أن يتحول اقتصاد المملكة من النمط الريعي إلى النمط الإنتاجي، لأن هذا يوفر قاعدة صلبة للاقتصاد، تحميه من أن يظل مرتهناً لتقلبات أسعار النفط. هذا التحوّل، يحتاج إلى ما هو أبعد من الحديث المتكرر عن تنويع مصادر الدخل، إذ يحتاج إلى استراتيجية وطنية شاملة، تدخل فيها قطاعات عديدة، وتهدف في النهاية لتغيير نمط الاقتصاد الحالي. تنطلق هذه الاستراتيجية من القوة البشرية، فالمملكة تمتاز بنمو سكاني، وبوجود أعداد ضخمة من الشباب، الذين يشكلون غالبية سكانها، وهو ما يُفترض أن يكون منطلقاً لنهوض صناعي، في مجالاتٍ غير الصناعات النفطية، تُوجَّه فيها طاقات هؤلاء الشباب لإيجاد قاعدة صناعية في البلاد، لكن هذا النهوض لابد له أن يمر ببرامج تدريبية عالية المستوى، وبمساهمة النظام التعليمي في صناعة فردٍ منتج ومبدع، وقادر على المساهمة في التحول نحو اقتصاد إنتاجي. إن هذه الاستراتيجية تتطلب جهازاً يشرف على تنفيذها، عبر الربط بين الجهات المساهمة، ووضع جدول زمني لتحقيق منجزاتٍ تعكس جدية التوجه. الإكثار من النقاش حول الواجب فعله لإنهاء الاعتماد على النفط، أفضل من ترديد الحديث حول توقعات أسعار النفط، والقلق لابد أن ينتقل من سعر النفط إلى الاعتماد شبه الكامل عليه، ومعالجة هذا القلق باعتماد استراتيجية للتنفيذ، تحقق تنمية مستدامة، وتطمئننا جميعاً إلى مستقبلٍ لا نكون فيه أسرى لسعر البرميل.