ربما حان الوقت لجمع تلك الجهود تحت كيان هيئة مستقلة وفاعلة لتنويع مصادر الدخل الوطني. لا يتوقف دورها عند التخطيط ولكن يصل إلى مستوى التنفيذ والمتابعة.. كما يجب أن تكون هناك حصيلة كافية لاكتشاف أسباب التعثر في مشروعات كالمدن الاقتصادية والاستثمار الأجنبي.. ومحاسبة القائمين عليها وفقا لما يتم إنجازه عمليا بأرقام دقيقة منذ الخطة الخمسية الاولى في عام 1970، وتنويع مصادر الدخل حاضرة، وأصبحت لازمة في كل خطة لاحقة.. وحتى الخطة الخمسية الاخيرة التي تبدأ في عام 2015 وبعدما يزيد على اربعين عاما.. مازال النفط، والنفط وحده المصدر الرئيسي للدخل حيث يشكل 93% من الدخل العام، وتعيش على عوائده القطاعات الاخرى التي تعتمد كثيرا منها على مستوى الدعم والانفاق الحكومي.. بل وربما قد زاد الاعتماد عليه نظرا لزيادة الميزانية السنوية منذ عام 1970 التي لم تكن لتتجاوز 3 مليارات ريال الى ميزانية عام 2014 التي بلغت 855 مليار ريال. وفي حالات الرخاء، وارتفاع اسعار النفط، يخفت السؤال عن تنويع مصادر الدخل.. فالوفرة مخدر لذيذ لتجاهل الضرورة حتى اشعار اخر.. وعندما بدأت المحاذير تطل برأسها، كما حدث في أواخر هذا العام، حيث فقد سعر برميل النفط أكثر من 34% .. بدأت تعود تلك التساؤلات، وهي لم تبرح سؤال تنويع مصادر الدخل.. إلى سؤال لماذا لم يتم تنويع مصادر الدخل؟ وماذا عن فرص استثمار اربعة عقود لإيجاد خيارات متعددة لا خيارا وحيدا عرضة للتقلبات السعرية وعرضة للتطورات التقنية وعرضة للصراعات السياسية والتحولات الاقتصادية.. وعندما تصاب عوائده بالضعف ينتاب برامج التنمية ومشروعاتها الارتباك وربما التعطيل!! لا احد يستطيع التكهن الى أي مدى ستصل اسعار النفط حتى نهاية هذا العام وخلال العام القادم.. ويبدو ان معادلة العرض والطلب في السوق النفطي تم كسرها لصالح قوى الاغراق.. الى أمد لا يعرف حتى الخبراء النفطيون الى اين سيصل على وجه التحديد. وسواء كانت زيادة انتاج النفط الصخري او فائض الانتاج الذي يصب من دول كبيرة من خارج اوبك.. فإن حرب الاسعار سيتضرر منها المنتجون وان كانوا على درجات.. إلا ان اكثرهم ضررا اولئك الذين يعتمدون على النفط كمصدر وحيد تقريبا لتغطية ميزانيات تعاظمت خلال السنوات الماضية، وفي وسط اقليمي يعاني من ويلات الحروب الداخلية والصراعات الاقليمية. ليس السؤال كيف يمكن ان يتصدى القائمون على الأمر لاستعادة سعر عادل لطاقة ظلت تستنزف على مدى عقود في حالة مواجهة انحسار العوائد، ناهيك عن التطورات التقنية لاستخراج النفط الصخري، الذي يشكل اليوم اكثر البدائل تأثيرا أمام مصادر النفط التقليدي. فالسؤال الاكثر اهمية ماذا عن البدائل؟ وما الذي تحقق في صناعة بدائل تنمو؟ او على الاقل ترفد مدخلات النفط لتشكل مصدرا معتبرا للدخل الوطني.. ألم يكن من المفروض ان تقيم تلك العناوين المتعددة لتنويع مصادر الدخل، واكتشاف تعثرها واسباب انكشافها امام الحقائق، التي لا تلبث أن تعلن عن نفسها. كما ان النفط لم يكن امتيازا لهذا الجيل او الذي سبقه بل وللأجيال اللاحقة التي ستبحث يوما عن حصتها من الحياة. السؤال الذي يجب طرحه اليوم، ليس فقط حول البدائل الممكنة.. إنما ايضا عن سؤال واقع بناء تلك البدائل، التي تضمن تنويع مصادر الدخل الوطني وعدم ارتهانه لسلعة النفط بتقلباتها ومستقبلها وصراعاتها؟ من المسؤول عن التخطيط لتنويع مصادر الدخل؟ لماذا تبدو وزارة التخطيط عاجزة عن التقدم في هذا الحقل؟ وعدا الصناعات البتروكيمائية لم نشهد صناعات او قطاعات انتاجية قادرة على رفد الموازنة العامة للدولة، لمواجهة عدم استقرار اسعار النفط والمساهمة في رفع مستوى الدخل الوطني.. ومهما بلغت الاحتياطات النقدية للدولة فهي لا تستطيع ان تواجه تبعات الانخفاض في اسعار النفط على مدى أكثر من 3 - 4 سنوات. واذا ما أخذنا بعين الاعتبار تقديرات الزيادة في الإنفاق الحكومي، عاما بعد عام، وبمتوسط 10% سنويا من خلال ما تم تقديره للإنفاق بموازنة الاعوام الماضية، فإن الموازنة في العام 2030م - حسب تقدير أحد الباحثين الاقتصاديين - يفترض أن تقدر عند 1932 مليار ريال، وعلى افتراض أن المملكة ستصدر 8 ملايين برميل يوميا فإن سعر البرميل يجب أن يكون عند 167 دولارا كتقدير متوسط لتغطية النفقات، وفي حال كان التصدير بمعدل 10 ملايين برميل يوميا فان السعر المرجح لتغطية نفقات الموازنة يفترض أن يكون عند 140 دولارا تقريبا. إلا ان المتحقق اليوم وفي ظل اسعار النفط التي قد تصل الى 60 او 50 دولارا، يؤكد أننا سنرى عجزا متواصلا اذا ما استمرت اسعار النفط على هذه الوتيرة. كما ان الحد من الانفاق الحكومي سيكون له أثر كبير على مشروعات التنمية الوطنية وعلى القطاع الخاص الذي يعتمد ايضا على الانفاق الحكومي الى حد كبير. الاقتصاد الريعي مازال هو المتربع على كيان اقتصادي عرضة للاهتزاز والارتباك طالما لم يكن هناك قطاعات انتاجية كبيرة قادرة على تجاوز الاستهلاك المحلي الى مستوى التصدير. وهذا لن يتم دون بناء قاعدة انتاجية صناعية تعتمد على الميزات النسبية وتوافر المواد الخام ونمو الكفاءات البشرية القادرة على العمل في تلك القطاعات. ولن تتوقف المشكلة عند هذا الحد، فضعف الانفاق الحكومي سيترتب عليه ايضا انكماش اقتصاد استهلاكي محلي قد ينجم عنه مفاقمة البطالة وتزايد استحقاقات الرعاية الاجتماعية.. وانحسار الدخل لدى شرائح من المجتمع التي تعتمد على الانفاق الحكومي المتنامي. ليست هذه التطورات في اسعار النفط والمخاوف المتزايدة من تأثيراتها على الاقتصاد الوطني كلها شرا.. بل تبدو محرضة على استعادة السؤال: ما هي الاسباب التي تحول دون بناء قطاع اقتصادي انتاجي او استثماري قادر على المساهمة في تنويع مصادر الدخل الوطني. ماذا قدمت الجهة المسؤولة؟ وإذا كان تنويع مصادر الدخل توجها استراتيجيا في برامج الخطط الخمسية فما مدى ما تحقق لنقلها عمليا الى ارض الواقع. أم ان هناك اسبابا اخرى كأن تكون الوسائل التي استخدمت والخطط التي بُنيت لم تكن واقعية او عملية او لم يصنع الكثير لمباشرة انجازها خاصة في ظل الوفرة خلال الاعوام الماضية؟ رب ضارة نافعة، ولعل ما يحدث اليوم يدفع لوضع هدف تنويع مصادر الدخل في قمة الاولويات.. وألا يترك لاجتهادات جهات حكومية لم تصنع الكثير خلال سنوات الوفرة فما بالنا بسنوات شد الحزام التي تعاودنا في كل عقد. وربما حان الوقت لجمع تلك الجهود تحت كيان هيئة مستقلة وفاعلة لتنويع مصادر الدخل الوطني. لا يتوقف دورها عند التخطيط ولكن يصل الى مستوى التنفيذ والمتابعة.. كما يجب ان تكون هناك حصيلة كافية لاكتشاف اسباب التعثر في مشروعات كالمدن الاقتصادية والاستثمار الاجنبي.. ومحاسبة القائمين عليها وفقا لما يتم إنجازه عمليا بأرقام دقيقية.. كما يجب ان نغادر مرحلة الترويج لعناوين نظرية باذخة كاقتصاد المعرفة الى مباشرة حقيقة وفاعلة.. فاقتصاد المعرفة ضرورة وطنية للبناء، ومن ثم يمكن توظيفها عبر سلاسل طويلة في قطاع انتاجي.. أملا في اللحاق بركب بعيد.. ظن البعض ان الوصول إليه ممكن دون المرور بذات الطريق الشاق الذي سلكه الآخرون قبل ان يصلوا الى ما وصلوا إليه. لمراسلة الكاتب: [email protected]