أوضح مختصون بالجانب الأمني والجماعات المتطرفة أن المملكة أمام حرب طويلة مع التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، وجزء من أولويات المناطق المستهدفة، ولا تعتبر موجة قصيرة المدى على أن تنتهي قريباً. وأشاروا إلى ما قامت به الأجهزة الأمنية خلال الفترة الماضية من الإعلان عن أسماء وبيانات وصور الارهابيين فور القبض عليهم يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح، ويجب تكرارها في جميع العمليات التي تقوم بها الجهات المختصة، وذلك بغرض تنبيه عامة الناس بخطورة التعامل مع مثل هؤلاء المتطرفين، أو إيوائهم أو التستر عليهم، مع ضرورة إبلاغ الجهات الأمنية عن أي تحركات مشبوهة. وأكدوا أهمية رفع وعي أفراد المجتمع وخاصة الشباب من الجنسين عبر مؤسسات المجتمع المدني وكذلك المدارس والجامعات بما في ذلك التركيز على دور الأسرة في حفظ فلذات أكبادها من الانجراف وراء تلك الموبقات. وبينوا أن تلك الجماعات لا تفرق بتجنيدها ما بين الرجال والنساء، وتسعى بكل طاقاتها، وتوظف إمكانياتها لزج أكبر قدر ممكن من الشباب في مناطق الصراع، بعدما تمسك شباكهم بعض المراهقين والمغرر بهم الذين لا يدركون خطورة الوضع إلا بعد تجربته على أرض الواقع، منوهين بمحاولة العديد من الشباب الرجوع إلى أرض الوطن بعد إدراكهم حقيقة تلك الجماعات، إلا أنهم كانوا سببا للحيلولة دون رجوعهم. تطور واستجابة وأوضح أستاذ علم الاجتماع والجريمة المساعد في كلية الملك فهد الأمنية الدكتور عبدالله الشعلان أن جهاز الأمن في المملكة يعد من أكثر الأجهزة تطورا وأسرعها استجابة للمتغيرات؛ نظرا لحساسية وأهمية وظيفته والتي تمس أمن الأفراد والمجتمع، منوهاً أنه من مظاهر هذا التطور والتغير في هذا الجهاز الشفافية والوضوح والسرعة في التعامل مع القضايا الأمنية. نشر الحقائق وأضاف: "إيمانا من القائمين على هذا الجهاز الأمني بأهمية المعلومة وأهمية أن تصل إلى أفراد المجتمع بكل مصداقية، وإدراكا منهم بأثر وسائل التواصل الاجتماعي، وما يمكن أن ينقله من شائعات جاءت مبادرة الجهاز الأمني بنشر الحقائق فورا وإعلام أفراد المجتمع بما تم القيام به من عمليات أمنية استباقية لحماية المجتمع وطمأنته، وهذا كله يؤدي إلى استقرار المجتمع ويعزز من ثقة أفراد المجتمع برجال الأمن ويقضي -أو على الأقل يخفف- من الشائعات". وحول الآلية المناسبة لمحاربة الأفكار المتطرفة لدى الشباب، قال الدكتور عبدالله الشعلان: "تشترك جميع مؤسسات المجتمع بمهمة وقاية أفراد المجتمع من الوقوع في براثن الأفكار المتطرفة، فالعمل هنا تكاملي بين تلك المؤسسات، والأسرة لها دور كبير في تنشئة أفرادها على الاستقامة والاعتدال في الفكر والسلوك، وعلى الأسرة أيضاً مهمة مراقبة سلوك أبنائها وملاحظة أي تغيير يمكن أن يطرأ على أفكارهم أو سلوكهم، وهذا بطبيعة الحال يتطلب توعية الوالدين بمظاهر ومؤشرات الانحراف الفكري والتي يمكن أن يلاحظونها على أبنائهم". وبين الدكتور الشعلان، أن للمدرسة دورا لا يقل عن الأسرة في وقاية الشباب من الانحراف الفكري، فالمدرسة تعمل كمرشح للأفكار وتصحيحها لدى طلابها، وتعمل أيضاً المدرسة كخط دفاع ثانٍ بعد الأسرة في الوقاية وقبل أن يقع الشاب في براثن الفكر المتطرف، وللمسجد كمؤسسة دينية دور بالغ الأهمية والتأثير في الوقاية من الفكر المتطرف، وخطب الجمعة والمحاضرات يمكن أن تعمل ك«ميكانزمات» وقائية تقي الشباب وتصحح أفكارهم وتعزز الأمن الفكري لديهم". مسؤولية كبيرة وفيما يخص دور الإعلام، ذكر الدكتور عبدالله الشعلان أن على الإعلام مسؤولية كبيرة في تعزيز الأمن الفكري ووقاية الشباب من الانحرافات الفكرية، فللمؤسسة الإعلامية دور بالغ التأثير على سلوك الأفراد بما لديها من قدرات وإمكانيات تفوق به المؤسسات الاجتماعية الأخرى، منوهاً أن الرسالة الإعلامية -بما تحويه من مشوقات- يمكن أن يكون لها تأثير قوي على السلوك هذا فضلا عن اتساع التأثير وسرعة انتشاره. وعن الدافع وراء انضمام هؤلاء الشباب لتلك الجماعات -بعدما اتضح من العمليات التي أعلنت عنها الجهات الأمنية صغر سن المقبوض عليهم- بين الدكتور عبدالله الشعلان أن الجماعات الإرهابية تسعى إلى استقطاب أكبر عدد ممكن من الأفراد للانضمام إليها، وتستخدم بذلك كافة الطرق والوسائل والتي أغلبها غير مشروعة، وصغار السن هم أسهل في الاستقطاب لعدة أسباب. وذكر الدكتور الشعلان أن السبب الأول يتمثل في سهولة التغرير بهم حيث لم يكتمل لديهم النضج الفكري بعد، وليس لديهم قدرة على تقدير العواقب، أما السبب الثاني فيتمحور حول ما لدى هؤلاء الشباب من حماس غير موجه، وقال: "هذان العاملان يمكن أن يفسرا لنا جزئيا أسباب وجود صغار السن بين الجماعات المتطرفة". وقدم الدكتور الشعلان وقفة شكر وتقدير وإشادة بجهود رجال الأمن البواسل الذين هم فعلا عيون ساهرة على أمن هذا الوطن الغالي، وقال: "أثبت رجال الأمن أنهم مدربون تدريبا عاليا ولديهم حس أمني عال مكنهم بفضل الله من القيام بهذه العمليات الأمنية الاستباقية التي فككت هذه الخلايا الإرهابية، وأبطلت ما كانت تخطط له من أعمال شنيعة". وبين الدكتور سعود السبيعي أن الآلية تكون من جانبين، الأول يجب أن تتم دراسة أحوال هؤلاء الشباب من جميع الجوانب بدراسة علمية وليست دراسة بيروقراطية، من عدة جوانب بما فيها الشريعة والعامل النفسي، أيضاً يتدخل بالدراسة مختصون بالجانب السياسي ووسائل الاقناع والإعلام، وماهية تورطهم في مثل تلك الأمور الدخيلة على المجتمع السعودي من التطرف والإرهاب، وقال: "يجب القيام بمشروع تعرية الفكر الداعشي عن طريق الجانب الشرعي من الكتاب والسنة، والتطرق إلى جميع الجوانب المختلفة من خلال العقل والمنطق". وأضاف: "السن العشريني بالعمر يعتبر من أكثر وأهم المراحل في استقبال التأثير العقلي، فقابلية التأثر تكون بشكل أكبر وأكثر من المراحل العمرية الأخرى؛ لأن لديهم اندفاعا قويا، ويعتبر التأثير عليهم سهلا، كما تجب دراسة الجوانب الاجتماعية غير العمر، فريما يكون من بين الإرهابيين والمتطرفين فقير أو غني، ودراسة أوضاعهم وأحوالهم، فمن الممكن أن يكون مصابا بالاكتئاب وتصبح الدنيا سوداء في وجهه، فتأتي إليه الجماعات الإرهابية بعد أن أصبح فريسة سهلة لهؤلاء". خطوة نوعية من جهته، أوضح رئيس اللجنة الأمنية بمجلس الشورى الدكتور سعود السبيعي أن ما قامت به الجهات الأمنية بنشر صور المتورطين بعمليات إرهابية ما هو إلا خطوة مباركة ونوعية في الاتجاه الصحيح، منوهاً أن الجهات الأمنية تقوم بدورها المناط بها، والشكر والعرفان من قبل المواطنين لهم على يقظتهم وسهرهم لحماية الوطن ومواطنيه، وقال: "يبقى المواطن رجل الأمن الأول، ولديه مسؤولية في حفظ الأمن والإبلاغ عن كل ما هو مريب بسبب وجود المواطن في كل مكان بحسب ظروفهم وتنقلاتهم اليومية". سلوك مختلف وأشار إلى أن للأسرة دورا كبيرا في الإبلاغ عن أي مخالفة قد يقع بها أحد أفراد الأسرة، وذلك لحمايته أولاً من الوصول إلى مراحل متقدمة من الانحراف والانجراف وراء الجماعات المتطرفة، فإذا شعرت الأسرة بأن أحد أفرادها بدأ يظهر عليه سلوك مختلف من انتقاد أو غيره، فيجب أن ينبهوا الجهات الأمنية التي لها طرقها في معرفة ما إذا كانت لديه أفكار سلبية وتخريبية، فالإبلاغ عن الشعور بأن هناك شيئا مريبا يعتبر خطوة لمكافحة الفوضى. أجيال أخرى وقال د. سعود السبيعي إن القضية لا تحل في يوم أو شهر أو سنة، فيجب أن تكون هذه الحملة وعملها على مدار جيل، فبعد القبض على مجموعة من الإرهابيين قد تخرج أجيال أخرى تحمل هذا الفكر المتطرف، لذا يجب على الأسرة أن تتنبه لأولادها؛ كونهم يعيشون معهم، وهم أقرب الناس لهم وبجوارهم. وقال: "التعليم لا يدعوا إلى هذه الأفكار، ولكن يجب التنبيه إلى مثل هذه الأفكار المتطرفة حتى تتم تعرية هذه الأفكار منذ صغر هؤلاء الأشبال، وإن ديننا دين عدل ومساواة ورحمة، فيجب تدريس المنهج الصحيح للكل، وكل المنظومة التعليمية من المنزل مرورا بالروضة والمدرسة ثم الجامعة ثم وسائل الإعلام، ويجب أن يقوم بها أشخاص محترفون للتأثير بعقول الناس بعد الوصول لها". ارتباط مباشر قال الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة حمود الزيادي إن ما قامت به الجهات الأمنية خلال الفترة الأخيرة بنشر صور المتورطين بعمليات إرهابية تعتبر خطوة موفقة، ويجب أن تعمم على جميع العمليات الإرهابية المستقبلية التي تقوم بها الجهات المختصة، خاصة المرتبطة بالإرهاب والتي تخطط من قبل الخلايا التي لها ارتباط مباشر بالعمليات الارهابية؛ لأنها جزء مباشر من الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي، ولأنها تأخذ الحرب بشقين أمني عسكري، وآخر إعلامي، فحينما تُكشف صورهم يساعد ذلك المجتمع بالمشاركة في تضييق الدائرة على تلك الخلايا. وأوضح الزيادي أن الاهتمام بذلك يأتي حتى يتم إشراك المجتمع لهذا التنظيم؛ لأن تلك العناصر ومعرفة المجتمع بها قد يساعد على توفير معلومات يتم من خلالها تضييق الدائرة على هذا التنظيم والخلايا التابعة له، أيضاً يعتبر جزءاً من إشراك المجتمع بالوعي أمام العناصر الإرهابية وأعمارها وخلفياتهم وكذلك شخصياتهم، حتى ارتباطهم بعناصر أخرى، وقد يزودون بعناصر أخرى لها ارتباط بالإرهاب، فمن خلال الأشخاص المقبوض عليهم يتم تقديم معلومات مرتبطة بأشخاص آخرين على صله بالإرهاب، فيتم القبض عليهم في أوكارهم. آلية مناسبة وبين حمود الزيادي -فيما يخص الآلية المناسبة- أنه يجب وضع استراتيجية وطنية شاملة لحفظ الأمن وكذلك الشباب من الأفكار الضالة والهدامة، كما يجب أن تكون هناك إجراءات وآليات يباشر بها المجتمع، إضافة إلى أمور يجب العمل عليها لمستقبل المجتمع ككل بما في ذلك الأجيال القادمة، فعلى الصعيد القريب يجب أن تكون هناك قوة أمنية لتتبع تلك الخلايا، وهناك واجبات على المجتمع بأن يضيق الخناق على تلك الجماعات. وأضاف: "هناك دور للأسرة وما تقدمه لأفرادها سواء من الذكور أو الإناث، فداعش يستهدف الأسرة السعودية، ولا يفرق بين الجنسين، كما يجب معالجة الأفكار وفتح حوار داخل الأسرة، ومعرفة أي تغيرات قد تطرأ على بعض أفراد الأسرة، وتقديم البلاغات اللازمة لرجال الأمن لحفظ ذلك الشخص من الضياع والانصياع لمثل هذه الأفكار، وكذلك الحفاظ على المجتمع ككل من شر هؤلاء المجرمين". اندفاع الشباب وحول الدافع، بين حمود الزيادي أن سرعة الانصياع والقيام بالأعمال الانتحارية حتى في سوريا والعراق وقيامهم بتفجير أنفسهم في سيارات مفخخة، إذ تعتبر تلك الحالة اندفاعا للشاب السعودي، وهذه أمور تحتاج إلى تخصيص دراسات مستقبلية عن الوضع بالكامل، وقال: "دائماً حينما يكون اندفاع هؤلاء الشباب المغرر بهم لمثل تلك الطرق السلبية الخطرة سهلا فهناك نذير خطر أن الكثير من النشء يكون مثل الهياكل ولا يملكون أبسط المحاذير العقلية، حتى تجاه النفس في العمل الانتحاري، لأنها توحي لهم باستخدامهم لأغراض الانتحار". نار ورماد وأضاف: "المجتمع قصر في توعية النشء، سواء الأسرة أو المجتمع كعموم بوضع حصانة لهؤلاء الشباب، ووجدنا نسقا متناسقا وأعمار الطفولة من بينهم هؤلاء تتراوح ما بين 16 - 20 عاماً، ويقومون بالأعمال الانتحارية، وهذا الأمر يدل على أن هؤلاء الشباب غير محصنين لا على المستوى المعرفي أو القيمي، فإحراق النفس بهذه السهولة يدل على شرخ بالمستوى المفاهيمي، سواء تجاه النفس البشرية المنفذة للإجرام، أو تجاه الآخرين، أو تجعل النفس نارا ورمادا بلحظة دون أن تتوقف".