تتطور وسائل مكافحة الإرهاب فيلجأ الإرهابيون والشبكات الإرهابية للبحث عن وسائل أخرى.. وعد تربويون وعلماء نفس أن شبكة التواصل الاجتماعي هي بمنزلة فخ منصوب للأبناء والأسر عموماً، ويعمل المصطادون في الماء العكر على استغلال نقاط الضعف لدى الشباب لجلبهم في الالتحاق بصفوف الإرهابيين.. ومنعاً لهذا الانجراف يرى كثيرون أن الأسرة تتحمل الدور الأول قبل أي مصد آخر كوسائل الإعلام أو المنشآت التربوية. وفي المحصلة لا بد من رسم خارطة طريق تتسم بالمشاركة الجماعية التي تسعى للحد إن لم يكن وقف هذه الظاهرة التي بدأت تستشري لدى الفتيات كما رصد الاستطلاع الذي قامت به «الشرق» في هذا السياق، فما هو مستوى هذه الخطورة؟ سؤال قد يبدو من السهل الإجابة عليه، لكن التعقيدات التي تم رصدها من خلال اختصاصين وأهالٍ بينت عمق المشكلة التي لابد من مواجهتها بنفس القوة التي بينت كوامن الضعف فيها. فعندما يتساءل عبدالعزيز القحطاني عن عدم اتخاذ إجراءات صارمة ضد أصحاب تلك المواقع المشبوهة والتشهير بهم ليكونوا عبرة لغيرهم. هو في الحقيقة رغبة صادقة في التصدي لهذا الاستشراء المملوء بالإشاعة والفوضى، ما يساهم في انجراف كثير من الشباب وراء هذه المواقع. لكن المهندس غرم الله الزهراني يفتتح المساءلة بإلقاء اللائمة على الأسرة ابتداء، بقوله: مع الأسف نحن كأهالٍ لا نعفي أنفسنا من مسؤولية وقوع أبنائنا في براثن هذه المواقع المشبوهة، التي أثرت بشكل سلبي على عقلية الجيل الحالي حيث إننا وفرنا لهم كل ما يريدونه دون رقابة ولو حتى غير مباشرة منا، مما أدى إلى وقوع عدد منهم ليكون أسيراً لهم وأصبح بعضهم مثل القنابل الملغومة، التي قد تنفجر في أي وقت ما لم نقم بنزع فتيل هذه المواقع واجتثاثها من جذورها. أحلام الشهري معلمة تقول: كنا في الماضي نسمع عن شاب أصبح إرهابياً أو مروج مخدرات، أو تكفيرياً أو منحرفاً أخلاقياً لكن تفاجأنا أن الشرر بدأ يتطاير، ووصل للفتاة أيضاً، وهو مؤشر خطير ومخيف. مطالبة بوقفة حازمة من الجميع دون استثناء، لأن وصول الموضوع للفتيات ربما يعتبر أشد خطراً من الشباب، وربما يكون الأمر مضاعفاً عندما يصل الشرر لجميع أفراد الأسرة. منى علي أم ولديها عدد من الأبناء تقول: في كل مرة نسمع فيها عن إلقاء القبض على إرهابي أو إحباط عملية إرهابية أو مخدرات أو نسمع من بدأ المجاهرة بالإلحاد، وسوء الأدب مع الله أضع يدي على قلبي خشية أن يكون أحد من أبنائي ضحية مثل هؤلاء، لذا أقوم بتشديد الرقابة عليهم في تعاملهم مع وسائل التواصل المختلفة، ويكون ذلك بمشاركة أبيهم تارة بالمنع، وتارة بالنصح والتوجيه والتعرف على أصدقائهم سواء في المدرسة أو من يتواصلون معهم عبر النت بطريقة لا تشعرهم أننا لا نثق فيهم. وتضيف قائلة: لقد أتت هذه الطريقة بنتائج إيجابية، وبدأنا نقطف ثمار هذا التواصل معهم. مشيرة إلى أنهم باتوا يخبروننا بأي موقف يمرون به أو صديق جديد يتعرفون عليهم. من جانبه، قال الدكتور الشيخ عبدالمنعم المشوح مدير حملة «سكينة» لتعزيز الوسطية: إن الجماعات والتنظيمات المتطرفة تستند إلى خبرات متراكمة في التعامل مع الإنترنت ما أهلها لتكون مؤثرة داخل شبكات التواصل الاجتماعي استناداً إلى مخزونهم الفكري المتنوع وتجاربهم التقنية. بالإضافة إلى وجود جهات دعم ذات أبعاد سياسية وفكرية يهمها وجود الفكر الإرهابي. ويضيف المشوح قائلاً: مصادر استقبال الفكر المتطرف متعددة وهو في النهاية فكر وثقافة تنساب عبر جميع قنوات التواصل البشري. ويبين المشوح أن أبرز ما تم رصده من خلال حملة «سكينة» عبر النت مدى تأثير شبكات التواصل على الأفكار وذلك بقوله: لاحظنا أن شبكات التواصل الاجتماعي هي الأكثر تأثيراً من جهتين: الأولى كونها بيئة حاضنة بل وداعمة للإرهاب، لنا تجربة مع تويتر وما زلنا نطالبهم بتفسير لما حدث حيث نفذنا حملات توعية للمشاركين ضمن جماعات متطرفة أو داعمين ومحرضين لكن تويتر أغلق حساباتنا المخصصة لتنفيذ هذه الخطة وفي المقابل لم يغلق حسابات الإرهابيين! أما الزاوية الأخرى التي تجعل شبكات التواصل هي الأكثر تأثيراً في ضخ الفكر الإرهابي: فيتمثل في أنها الوسيلة الأسهل والأسرع لوصول المعلومة ونشرها وتضخيمها. فشبكات التواصل يمكنها صنع قضية من لا شيء، ويمكنها أن تصنع من الوهم ما يظنه الناس حقيقة. وشدد المشوح على أن المواجهة لابد أن تكون بحجم الخطورة وتحمل من الوعي والقوة ما يجعلها تثبط عنفوان الإرهاب. مطالباً بإنشاء مركز وطني مختص بشبكات التواصل: دراسة وتحليلاً وتوجيهاً ودعماً للإيجابيات. وقال: إن التحرك الحاصل الآن لا يتعدى كونه مشاركات ومجموعات وتطوع أفراد يقومون بعمل عظيم، فثمة أفراد لهم مجهودات ضخمة وهم ثروة وطنية حقيقية، لكن هذا الجهد المتناثر يحتاج إلى توجيه وتنسيق ودعم. من جانبه، بين الدكتور ناصر العريفي أستاذ علم نفس جنائي: أن من أهم الأسباب النفسية التي تؤدي إلى اعتناق الشباب الأفكار العقائدية أو الفكرية هي الأفكار المتناقضة التي تتولد لدى هذا الشاب نتيجة اضطرابات نفسية يمر بها تؤدي إلى صراعات داخلية بسبب مروره بعوامل ومتغيرات في الماضي، يمكن أن تكون عوامل أسرية اجتماعية ولدت عنده هذه الاضطرابات أو عوامل نفسية داخلية نشأت بسبب اضطرابات داخلية مثل نقص في التكوين البيولوجي الداخلي. كما يتأثر الشاب ببعض التأثيرات الخارجية مثل الأوضاع الجارية في أماكن مختلفة من العالم، أو قد يكون من الدوافع أيضا أن هذا الشاب قد أسرف على نفسه في الماضي ووجد أن أسلم وسيلة للتخلص من هذه الضغوط هي اللجوء إلى اعتناق الأفكار التكفيرية، ليسد بها نقصه ومعاناته حيث إن واقع هذه الشخصية يتسم بالإحباط والفشل والاكتئاب والنبذ من المجتمع الأصلي، ففضل الذهاب إلى جماعة مرضية مثله، تشاركه فشله وإحباطه واكتئابه – جماعة تتحد في شيء واحد، وهو كيف تخرج طاقاتها العدوانية ضد المجتمع. وحول أسباب انتشار مثل هذه الأفكار بين أوساط الشباب أوضح العريفي أن نسبة الشباب في المجتمع السعودي تشكل ما يقارب 65%، وهذه النسبة تعد كبيرة، ويمكن أن تستغل في أمور كثيرة منها إيجابية ومنها السلبية أيضا، كما أن الجماعات المتطرفة يوجهون سهامهم إلى بعض من هؤلاء الشباب الذين يعانون من مشكلات عديدة، إما أن تكون نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو غيرها، ويتحينون الفرص للإيقاع بهم في براثن الإرهاب. كما أن من الممكن أن تكون الأحداث الجارية في الوقت الراهن هي التي دفعت بعض الشباب الذين يتمتعون بالحماس غير المنضبط بالعقل والعلم الشرعي. ويضيف الدكتور العريفي بقوله: إن شخصيات هؤلاء الشباب هشة وضعيفة من الداخل نتيجة الصراعات التي تعرضوا لها سابقاً سواء كانت هذه الصراعات داخلية نفسية أو خارجية اجتماعية تتعلق بكثير من الأحداث في حياتهم، كما أن هذه الشخصيات منقادة، ويمكن لأي شخص من خارج البيئة أن يؤثر عليها بسبب أرضيتها الرخوة، لتقبل ما يراد منها. وقال: تتسم هذه الشخصية أيضاً بالأنا الضعيفة التي تشعره بمزيد من القلق والاضطراب فينكر الضعف في داخله، ويظهر بدلاً منه الشعور بالعظمة، فيقع فريسة للمرض النفسي والعقلي، ومن هذا المنطلق نجد أنه كلما اتسعت دائرة العلاقات الاجتماعية لهذا الشاب دون التواصل مع المسؤولين عنه سواء كان الوالدين أو المدرسة أو الجامعة أو غيرهم من القائمين على توجيهه، فإن ذلك يؤدي إلى اتساع المجال لمن حوله من الذين يصطادون بالماء العكر للتأثير عليه، ودفعه لمثل هذا السلوك المغاير للدين والمجتمع والقانون. وحول دور العنف في تغذية هذه الأفكار أكد العريفي أن العنف يولد العنف والسلوك العدواني، وكلما تعرض الطفل أو الشاب إلى شيء من العنف والضغوط الاجتماعية كلما أثر ذلك على حياته النفسية، وانعكس ذلك على سلوكه الذي يصل به إلى العدوانية. وقال: إن تكرار العنف الموجه على الشاب يؤثر عليه فيصبح الآخر دائما بالنسبة لهذا الشاب هو مصدر للتهديد والعدوان، وعليه أن ينسحب إلى عالمه الخاص «السلوك المغاير والعدواني ضد المجتمع» ثم يبادر بالعدوان، وهنا يعقل الشاب مرضه النفسي أو العقلي على النحو التالي: «أنا عدواني ومدمر للمجتمع لأن المجتمع عدواني ومدمر لي، وعليّ أن أبادر أنا بالعدوان» ومن هنا يأتي تبرير القتل على النحو التالي: «المجتمع سوف يقتلني وعلى أن أقتل المجتمع قبل أن يقتلني» شأنه شأن المرضى العقليين. من جانبه، أوضح الدكتور عبدالله بن أحمد الشعلان أستاذ علم الاجتماع والجريمة المساعد أن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً كبيراً في تشكيل الأفكار وبناء الاتجاهات من خلال خاصية التفاعل التي تتميز بها. حيث إنها قادرة على توفير قنوات لتبادل الرأي ومعرفة من يشاطرون ذلك الرأي وتساعد كذلك كوسيلة على جمع وتعريف وتلاقي الأفكار المتشابهة. فوسائل التواصل الاجتماعي فتحت نافذة على الأفكار والاتجاهات المغايرة كليا أو جزئيا عن الثقافة المحلية. فأنشأت بذلك أطر مرجعية «جماعات مرجعية» متعددة يحتكم إليها الفرد في قبول السلوك أو استهجانه. هذه التعددية في الفكر والاتجاهات تسربت إلى مجتمعنا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن دون استعداد شبابنا وفتياتنا للتعامل الصحيح مع هذه التعددية، التي تعد ثقافة مغايرة عما نشأوا عليها أوقعهم في فخ الانحرافات الفكرية فأصبحت تتجاذبهم وتتخطفهم تلك الأفكار المتطرفة من كل جانب. وأرجع الشعلان السبب في ذلك إلى ضعف في التحصين الفكري لديهم الذي يعرف بأنه سلامة فكر الإنسان وعقله من الانحراف، والخروج عن الوسطية، والاعتدال، في فهم الأمور الدينية، والسياسية، ويعني أيضاً البعد عن الغلو والتنطع، أو إلى الإلحاد والعلمنة. وعدد الشعلان عوامل ضعف الأمن الفكري لدى أفراد المجتمع من خلال عدة دراسات أمنية واجتماعية: