في كتابه (الأيك في المباهج والأحزان)، وفي سياق كلامه على الفوضى المعمارية، يلاحظ الأستاذ عزت القمحاوي أن علاقة المرء بعمارته تبدأ من الشارع والطريقة التي تتراص بها بناياته، وواجهة بنايته الخاصة، ثم مدخلها من حيث التصميم والاتساع والنظافة واللون. كثيرون هم الذين تطرقوا إلى الفوضى المعمارية، واقترحوا لعلاجها الاهتمام بجمال وتناغم المعمار، وتغليب الجانب الجمالي على الجانب النفعي، ومكافحة العشوائية. ويمكن هنا استعراض أمثلة حية على بعض أوجه العشوائية التي تؤثر على جمال الشوارع وأناقة الأرصفة. يختصر الكاريكاتير، أحيانا، مقالاتنا المطولة، وفي كاريكاتير معبّر وصلني عبر (واتساب) يسأل العاملُ المسوؤلُ عن آلة الحفر زميلَه المسؤولَ عن السفلتة: "خلَّصت .. نحفر؟"! ومعنى ذلك أنه ما أن تتم سفلتة شارع ما حتى يبدأ حفره من جديد، حيث الحفر يعقب السفلتة، ثم تعاد السفلتة ليعقبها حفر آخر .. وهكذا دواليك. وأعتقد أن رسام الكاريكاتير (الذي لم أعثر على اسمه كي أشير إليه) لم يكن مبالغا. فقد عبَّر عن الواقع فأجاد التعبير. وفي كاريكاتير آخر يحاكي أحدهم أغنية فيروز "حبَّيتك بالصيف.. حبَّيتك بالشِّتي" فيقول: "بأيام البرد.. بأيام الشتي/ والرصيف بحيرة.. والشارع غريق/ بَتْذكَّر مقاول وقلاَّبو العتيق/ زفَّتْك بالصيف.. فَقَدتك بالشتي"! وحين يتحول الشارع إلى ورشة عمل لا تهدأ، ينتابنا الفضول لمعرفة أسباب (القصّ واللَّصق) ومتى تنتهي؟. وإذا تركنا جانبا ثنائية الحفْر والسفلتة، فإن الشوارع بشكل عام مصابة ب (جَدَري الإسفلت)، وبعضها مصاب ب (الرَّشْح) صيفاً وشتاء. "وكلُّ طريقٍ بالذي فيه يرْشَحُ" مع الاعتذار للشاعر ابن الصيفي المعروف ب (حيص بيص). بالإضافة إلى جدري الإسفلت والرَّشْح تعاني بعض الشوارع من (أورام) تدعى مطبات. من هذه المطبات ما هو طبيعي ومنها ما هو اصطناعي. وهي مطبات تخلخل أضلع وأذرع المركبات. يقال إن بعض المطبات الاصطناعية وضعت لردع المتهورين والمفحّطين. وإذا كان الأمر كذلك، فما ذنب العقلاء والمنضبطين؟ مع ذلك فإنه لا اعتراض على وجود المطبات الاصطناعية عندما تكون واضحة المعالم والملامح ليلا ونهارا، ولم تشكل كمائن للسائقين. أذكر كاريكاتير آخرَ طريفاً عن لوحة إرشادية كتب عليها: "انتبه.. وراءك مطبَّات اصطناعية"!. لننتقل إلى الأرصفة، وبالتحديد أرصفة الأحياء السكنية. فالرصيف مخصص لعبور المشاة، ويفترض أن نعبر الرصيف بسهولة ويسر ودون أي عائق. لكنَّ لكل منزل في الحارة رصيفه الخاص. لذلك يمكن أن تسمى الحارة ب "حارة كل مين رصيفه إِلُو" محاكاة لعبارة دريد لحام "حارة كل مين إيْدُو إلُو". فقد يقيم بعضهم على الرصيف المقابل لمنزله مظلة لحماية السيارة من أشعة الشمس، أو عتبات لمدخل البيت، أو (صَبّيَّة إسمنتية) مرتفعة لمدخل الكراج. وقد يصادف العابر على الرصيف أسياخ حديد بارزة، أو غطاء فتحة تفتيش مجاري أعلى من مستوى الرصيف. وهكذا ينتقل العابر "من جرف إلى دحديرة" كما يقال. عقبات تعيق مرور المشاة بيسر. وبهذا تفقد الأرصفة وظيفتها، وتصبح ممرات وعرة. وعلى المشاة في هذه الحال استخدام الشارع بدلا من الرصيف. مرة أخرى أكتب عن هذا الشأن، ولست الأول الذي تناول هذه الحالة، ولن أكون الأخير. لكني أغتنم فترة الانتخابات البلدية لأطرح هذه الملاحظات على الفائزين والفائزات بالانتخاب أو التعيين، بصفتهم أعضاءَ مجلس إشرافي ورقابي. وإذا لم يكن ذلك من اختصاصهم فهو موجَّه إلى من يعنيه الأمر. ذلك أن العناية بجمال المكان ليس ترفا بل ضرورة.