عندما تطرح القضايا العامة ذات الشأن المحلي، كقضية الثقافة المرورية، أو سلوك الأفراد اللافت في الأماكن العامة، أو عدم احترام الطابور في خط الانتظار.. كل هذه القضايا وغيرها عندما تطرح في نقاش المختصين سواء من الاجتماعيين أو النفسيين أو التربويين نجدهم في نهاية المطاف يتحدثون عن دور التعليم والتربية من جانبين؛ إما بالانتقاد كونه مقصرا ولم يدرج قضايا السلوك الحياتي والأخلاقي للأفراد في نظامه التعليمي، أو أنهم يعولون عليه كثيرا في حل معظم مشاكل المجتمع. ورغم أن هذا الطرح قد يكون سليما من الناحية الظاهرية إلا أنه لا يلامس الحقيقة الواقعية التي نعيشها. فبكل صراحة وأسف أنه على الرغم من أهمية التعليم وأثره البالغ في إكساب المعرفة والقيم إلا أنه في بعض المجتمعات ومنها المجتمع السعودي لا يمكن أن يحدث فارقا كبيرا يعول عليه في تهذيب الأفراد، ذلك ولأنه بالأساس يحاول أن يفعل ذلك من عشرات السنين ولم يفلح، لم يفلح ليس عيبا فيه بحد ذاته - رغم انطوائه على بعض القصور - ولكن عيب في المنظومة الفكرية والثقافية العامة في الأفراد، فإذا كانت التربية الأسرية وهي الحضن الأول في التعليم لم تعد قادرة على فعل ذلك بالشكل المتأمل منها؛ فهل سيفعل التعليم ذلك؟! وربما يعود السبب في فشل إقناع الأفراد وتربيتهم ثقافيا وقيميا بما يتناسب مع كل مناحي حياتهم سواء الاجتماعية أو حتى تلك التي تتعلق بتحقيق اهداف التنمية، هو اننا نعيش حالة تناقض حادة فيما نتحدث به ونفعله واقعيا، على سبيل المثال والتقريب؛ نرى حالة تناقض في سلوك بعض المثقفين والإعلاميين وبعض النخبة وقادة الرأي، ففي الوقت الذي ينتقدون فيه سلوك الاستهلاك والإسراف وحب المظاهر، نجدهم أنفسهم يحترفون التمظهر ويرونه جزءا من (برستيجهم الاجتماعي) ولا نحتاج للتدليل على ذلك بشيء أبعد من صورهم وتحركاتهم الظاهرة في بعض وسائل التواصل الاجتماعي ك «إنستغرام" و"سناب شات". ليس هذا فحسب فنحن نتلمس ظاهرة التناقض بين الفعل والقول في بعض الدوائر الاجتماعية التي تجمعنا (كالقروبات) أو المجموعات التي يتم انشاؤها في برنامج "واتس اب" وتحديدا تلك التي تجتمع فيها مع شخصيات معينة يمثلون قادة للرأي والتربية، كإعلاميين وأساتذة، فتجد حديثهم يملؤه الجمال عن قيمة الاحترام وتقبل الآخر والرفعة بالنفس عن قبائح القول والحديث؛ لكنك تجد سقطتهم مخزية في اي حوار يحدث فيه اختلاف!! يراودك شعور أحيانا أن خللا ما قد أصاب هؤلاء، ولكن عندما تجد أن هذا السلوك قد شاع في شريحة كبيرة ممن تصادفهم تشعر أن الخلل بك شخصيا لأنك تستهجن سلوكا أصبح طبيعيا ومتفشيا ومتعارفا عليه! معظم الناس يعتقدون أنه لزاما عليهم أن يكونوا ملمين نظريا بشكل جيد بمثاليات الأخلاق حتى يكونوا قادرين على الحديث بها بشكل متقن في المجالس والمنابر الإعلامية، لكنهم لا يرون عيبا في فشلهم وانهزامهم في تطبيقها في المواقف التي تصادفهم. ورغم أن هذا السلوك نوع من النفاق الاجتماعي، والذاتي، والنفسي، الصارخ الا ان بعضهم لا يمكن ان ينتهي عنه الا بتذكيره بمخاطره، فإحدى المتخصصات في مجال علم النفس، ذكرت في عدة لقاءات تلفزيونية، بأن هناك من فئة من المنافقين - والذين يعانون تناقضا حادا في سلوكهم ويجدون مشقة وجهدا في إخفاء حقيقتهم وبعض كلماتهم التي يحبسونها في حنجرتهم - هم أكثر الفئات عرضة لأمراض الغدة الدرقية، وسواء كانت هذه المعلومة مثبتة طبيا أم لا عليك بالحذر.