العنف المدرسي يعد من أخطر ما يهدد أمن واستقرار المؤسسات الاجتماعية وأفراد المجتمع وخاصة ما يقع منه في المدارس والذي يتضح انه مشكلة اختلف في تفسيرها المختصون فمنهم من يرى ان الإنسان يستعمل عدوانه كعامل دفاع استباقي ضد احتمال الاعتداء من الآخرين وهناك من يرى انه استعداد غريزي لتوجيه عدوانية نحو هدف معين أو رداً على أذى أصيب به. في الجزء الأول من التحقيق تحدثنا عن أسباب انتشاره وعن الأمور التي تجعل الطالب يختلق العنف ضد المعلم والعكس وأخذنا كذلك آراء بعض المعلمين حول هذه الظاهرة. ان العنف المدرسي أصبح من أكثر المشكلات شيوعاً إذ شكلت في احصائيات وزارة الداخلية 82% من إجمالي الحوادث عموماً فقد بلغت سابقاً في عام 1418ه في منطقة الرياض فقط 1406حوادث اعتداء وأصبحت في عام 1425ه 4528حالة اعتداء بزيادة 400% خلال سبع سنوات. الغريب ان عدوى العنف المدرسي انتقلت من مدارس البنين إلى مدارس البنات مما يعني وجوب الوقوف بحزم وقوة ضد هذه الظاهرة التي قد تنهي ما تم بناؤه من مسيرة الحركة التعليمية. "الرياض" في هذا الجزء تطرح النقاش مع عدد من المختصين من وزارة التربية والتعليم وعدد من المختصين في هذا المجال وكذلك مع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان. في البداية يتحدث ل "الرياض" الدكتور سعد بن محمد آل رشود أحد منسوبي وزارة التربية والتعليم قائلاً: ان العنف المدرسي تتنوع أشكاله في الوقت الحاضر نظراً للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية وأصبح يهدد أمن واستقرار المؤسسات الاجتماعية وحتى المجتمع نفسه. ويعد العنف مشكلة متعددة الأبعاد، فهي تتضمن أبعاداً تربوية وأمنية ونفسية واجتماعية واقتصادية ولقد لفتت أنظار علماء النفس والمهتمين بالتربية والتعليم وعلماء الاجتماع فدرسوا أبعادها وأسبابها والعوامل المؤدية إليها، حيث يحاول الأفراد التعبير عن مشاعر النقص وعدم الكفاءة وعدم نمو الشخصية والعجز عن مسايرة الآخرين فيحاولون التعبير عن ذلك بالعنف. ومما لا شك فيه ان الطلاب في عمومهم وعلى اختلاف أعمارهم ومستوياتهم التعليمية يبدون اتجاهاً طيباً نحو السلوك السوي، إلاّ ان هناك مشكلات سلوكية وتعليمية في المرحلة الثانوية قد تعيق الطالب في مسيرته التعليمية مما يجعله يتصرف من واقع مرحلة المراهقة حيث أشارت عدد من الدراسات إلى ارتفاع نسبة العنف المدرسي في مدارس المملكة العربية السعودية في السنوات العشر الأخيرة. مؤكداً ان العنف أصبح من أكثر المشكلات شيوعاً إذ شكلت في احصاءات وزارة الداخلية 82% من إجمالي الحوادث عموماً كما كشفت احصاءات شرطة منطقة الرياض تزايداً مستمراً في العنف بداية من عام 1418ه فقد بلغت عام 1418ه 1406حوادث اعتداء إلى أن تطورت وأصبحت في عام 1425ه 4528حالة اعتداء بزيادة 400% خلال سبع سنوات. كما أشارت التقارير التي أعدتها الإدارة العامة للتوجيه والإرشاد بوزارة التربية والتعليم إلى عدد من مظاهر العنف المدرسي حيث جاءت كما يلي: @ القضايا الأخلاقية: ألفاظ بذيئة وشتائم، تحرش جنسي، فعل اللواط بالقوة، الاختطاف. @ قضايا السرقة: سرقة مباشرة بالقوة، ابتزاز. @ قضايا المضاربات والاعتداء الجسدي: الاعتداء على المدير، الاعتداء على معلم، الاعتداء على طالب، محاولة القتل، استخدام السلاح، استخدام الأدوات الحادة للتهديد، تدمير ممتلكات الآخرين. كما ان الاعتداء بالضرب على الآخرين يكون خارج المدرسة، يستخدم فيها العصي والسكاكين والآلات الحادة حيث تأخذ طابع التعصب للاقران أو النسيج الاجتماعي القبلي، وأخذت المرتبة الأولى بين مظاهر العنف. وأتى في المرحلة الثانية عدم احترام الأنظمة والتعليمات المدرسية. وزاد آل رشود ان الاحصاءات التي قامت بها إدارة التربية والتعليم بمنطقة مكةالمكرمة عام 1419ه ان المضاربات والاعتداء على الآخرين باستخدام أدوات حادة وسكاكين وخناجر وقطع حديدية وقوارير زجاجية وأقلام حادة أخذت النسبة الأكبر من بين أبرز أشكال العنف المدرسي. انتقل العنف للبنات وبين ان العنف المدرسي شمل مدارس البنين وكذلك البنات وكان آخرها اعتداء طالبة مدرسة ثانوية المرامية شمال المدينةالمنورة على معلمتها بالضرب والتحرش بها أمام المعلمات والطالبات والتهديدات المستمرة لها مع الترصد لها. كما ان فشل مواجهة العنف في هذه المرحلة يعني خروج فرد جانح يتخذ العنف نمطاً للتعامل مع الآخرين مع ما قد يؤدي إليه ذلك من سلوك إجرامي في المستقبل. كما ان انتشار العنف المدرسي بناء على ما يشهده مجتمعنا من الكثير من المستجدات والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية نتيجة لعوامل متعددة أثرت على بنائه الاجتماعي والثقافي. في مقدمتها حركة التغير الاجتماعي السريع في المجتمع السعودي وتعرضه لفترة من الطفرة المادية التي غيرت من مكونات وقيم الأسرة السعودية وأيضاً الانفتاح الثقافي التي أحدثتها وسائل العولمة من قنوات قضائية وإنترنت ومن ثم انتهاء فترة الطفرة الاقتصادية وتداعياتها من ارتفاع مستوى المعيشة وقلة الموارد المادية لدى بعض أفراد المجتمع واستقدام العمالة الأجنبية مما نتج عنه ظهور الكثير من القيم الوافدة. مما أدى إلى تأثر الأسرة كجزء من هذا المجتمع بعدد من المتغيرات في بنائها ووظائفها وعلاقات أفرادها فيما بينها وظهور بعض المشكلات النفسية والسلوكية نتيجة لعدد من الضغوط التي أثرت بشكل مباشر على الأسرة السعودية وبرزت أشكال من العنف غير المعهود في ظاهرة بدأت تأخذ أشكالاً متنوعة عنيفة باستخدام آليات تقنية. حيث ان الأسرة هي المرجعية الأولى للفرد في المجتمع السعودي وكانت تتميز بالتماسك والترابط بين أفراد الأسرة الواحدة برباط متكامل من النواحي البنائية والنفسية والاجتماعية بل وحتى الاقتصادية مما يشير إلى أنها بناء اجتماعي صلب متماسك متكامل بالرغم مما تتعرض له من الضغوط والمشكلات. ويرى د. آل رشود ان أنواع العنف المدرسي تتكون من: @ العنف المدرسي الموجه نحو الذات: يقصد به السلوك الذي يقوم به الفرد بهدف توجيه الايذاء نحو الذات والمتمثل في (الانتحار، ايذاء الذات باستعمال الآلات الحادة). @ العنف المدرسي الموجه نحو الآخرين: يقصد به السلوك الذي يقوم به الفرد بهدف توجيه الايذاء اللفظي نحو الآخرين أو الايذاء البدني نحو الآخرين، والمتمثل في (الشتائم، التهديد، المهاجمة، الضرب، الرمي، التمزيق). @ العنف المدرسي الموجه نحو الممتلكات أو الأشياء الخاصة بالآخرين: ويقصد به السلوك الذي يقوم به الفرد بهدف توجيه الأذى نحو الممتلكات العامة أو الخاصة والاضرار بها والأشياء المحيطة به والمتمثلة في (المباني والتجهيزات، الوسائل، الحدائق). وعن أسباب العنف المدرسي أكد ان هناك بعض الأسباب تؤدي إلى ظهور العنف المدرسي من هذه الأسباب: @ أسباب بيولوجية جسمية: منها الوراثة التي أثبتت الدراسات ان لها علاقة بالعنف لدى مجموعة من الأطفال العدوانيين الذين تمت عليهم هذه الدراسات. كما ان شذوذ الصبغات الوراثية واضطراب وظيفة الدماغ من الأسباب التي تسبب العنف لدى هؤلاء مما يجعلهم من معتادي العنف، وكذلك إدمان المخدرات يسبب اضطرابات في الدماغ مما ينتج عنه السلوك العنفي. @ الأسباب الاجتماعية: أ) أسباب تتعلق بالأسرة وطريقة التربية: نجد ان أساليب المعاملة الأسرية إذا كانت أنماط التنشئة الاجتماعية سلبية فستكون سبباً في ظهور العنف المدرسي ومن أساليب المعاملة الأسرية (التسلط الأسري) أسلوب الحماية الزائدة للأبناء، الاهمال الاسري، التدليل الزائد للأبناء، القسوة في معاملة الأبناء، التذبذب في معاملة الأبناء، التفرقة في معاملة الأبناء، تفضيل بعض الأبناء على البعض الآخر، تقليد الآخرين في سلوك العنف. @ أسباب تتعلق بالمدرسة إحدى مؤسسات المجتمع: قد تكون المدرسة أو البيئة المدرسية سبباً في ظهور العنف المدرسي لدى طلابها أو طالباتها ومن هذه الأسباب ما يلي: (سوء معاملة بعض المعلمين للطلاب باستخدام ألفاظ بذيئة أو الشتائم أو السخرية منهم، غياب الرقابة المدرسية الحازمة، ضعف متابعة المشكلات السلوكية للطلاب، عدم انهاء المشكلات التربوية أو السلوكية وفقاً للأنظمة والإجراءات، غياب تحقيق العدالة بين الطلاب، اهتزاز القدوة المدرسية، قسوة بعض المعلمين على الطلاب باستخدام العقاب، البدني، انخفاض مستوى الاحترام المتبادل بين الطلاب والمعلمين، التمرد على النظم المدرسية، عدم وجود أساليب عقابية تربوية أفضل، نقص كفاءات التوجيه والارشاد الطلابي في المدارس، قلة كفاءة المرشد الطلابي في التعامل مع حالات العنف في المدارس. @ أسباب تتعلق بوسائل الإعلام قد يكون الاعلام من اسباب ظهور العنف المدرسي ومنها (عرض برامج تشتمل على مظاهر ومشاهد عنيفة في التلفاز، نشر وسائل الاعلام للأفكار العدوانية). @ أسباب نفسية: هناك بعض الأسباب قد تؤدي الى ظهور العنف المدرسي منها: (اضطراب العلاقة بينن الابن والام منذ الصغر لعلاقة ذلك بالنمو الاجتماعي والاستقرار النفسي) نقص مستوى الذكاء، سيطرة شخصية الأم على المنزل مما يتعارض مع نمو نزعة الذكورة لدى الأبناء خلال مرحلة المراهقة، او قبلها مما ينتج عن ذلك اضطراب الابن مما يؤدي لاتيان السلوك العنفي بغية اثبات الذكورة، الرغبة في اثبات الذات وتحقيقها عن طريق العنف على الآخرين، الشعور بالاحباط والتعاسة والتعبير عن الرفض الداخلي، تقلب المزاج والشعور بالاكتئاب، الشعور بالذنب والحاجة اللاشعورية للعقاب، تأثير جماعة الرفاق على تفسير السلوك، الفشل في تحقيق التوافق النفسي للفرد. كما ان من مصادر تعزيز العنف (المدن الكبرى) التي امتلأت باعداد كبيرة من البشر تفوق طاقتها الاستيعابية وتتجاوز خدماتها العامة مما يسبب التزاحم وهو رد فعل تكون بناء عليه الاستجابة العدائية التي تناسب حركة المدينة وسرعة ايقاع التفاعل الاجتماعي فيها. الحلول والتوصيات في حل العنف المدرسي وزاد آل رشود ان العنف المدرسي أصبح منتشرا على كل المستويات بين الأفراد والجماعات بين الأطفال والمراهقين بين الذكور والإناث، ومع ادراكنا لخطورة هذه الظاهرة في المدارس لما تتركه من آثار سلبية على كل من المجتمع والفرد، لذلك يكون لزاما على الباحثين والاخصائيين النفسيين، والقائمين على تربية النشء الاهتمام بدراسة السلوك العنفي كما أرى أن التوصيات الآتية سوف يكون لها دور إيجابي في مجال الاسهام في الحد من العنف في المدارس: - التركيز والاهتمام بالنواحي الانفعالية لدى الطلاب وردات الفعل قبل التركيز على النواحي المعرفية. - ضرورة تطوير برامج التوجيه والارشاد في المدارس، والتوفير التجهيزات والامكانات لدى المرشدين في المدارس. - وضع برامج تدريبية ونشرات توعية للمعلمين لمعرفة طرق التعامل المثالي مع المراهقين، وامكانية تخفيض الانفعالات التي تصدر في مرحلة المراهقة بدون المساس بكرامة المعلم. - مراجعة وزارة التربية والتعليم لأنظمتها واجراءاتها لتطبيق أساليب عقابية تربوية افضل مما هي عليه. - وضع برامج ارشادية نفسية لمعالجة بعض الظواهر والمشكلات التي تظهر في المدارس ومنها العنف المدرسي، وتكون هذه البرامج موضوعة من متخصصين في علم النفس الارشادي، وان لا يترك الأمر لاجتهادات المرشدين كل يعالجها بطريقته. - تطوير العمل الارشادي واستخدام التقنية في أعمال المرشد، وعمل شبكة حاسب آلي يرتبط بها المرشد مع ادارة التربية والتعليم ومع الادارة العامة في الوزارة للتعرف على المشكلات لدى المرشد وكذلك لتسجيل الاحصاءات اولا باول، وتكون اسلوبا في تقييم المرشد الطلابي لاداء أعماله. - العمل على تلبية احتياجات التوجيه والارشاد من نقص كفاءات الارشاد الطلابي حيث ان الاحتياج في الارشاد الطلابي في مدارس البنين يصل إلى أكثر من 5000مرشد طلابي، ومدارس البنات يصل الى نفس العدد تقريبا، فمثلا نجد أن مدينة الرياض لا تزال أكثر من 500مدرسة بها بدون مرشدين طلابيين. - نظرا لاتساع حجم ظاهرة المشكلات الطلابية في المدارس وارتباطها بمشكلات اخرى، لذا ينبغي العمل على انهاء اي مشكلة تبرز في المدرسة واتخاذ الإجراءات المناسبة وانهائها بشكل من العدالة وان تحل بشكل جذري، وعلى الإدارة المدرسية عدم ترك المشكلة معلقة او تحلها بحلول غير منطقية مما يكون سببا في اتخاذ بعض الطلاب اسلوب العنف حلا فيما بينهم. ويضيف الدكتور صقر محمد المفيد مدير ادارة التعاون الدولي بجامعة نايف انه لن يسلم اي مجتمع من هذه الظاهرة إذا لم يتم بحث الإجراءات التربوية والأمنية، وفي الجانب الغربي أدى تفاقم مشكلات العنف إلى تشكيل لجان حكومية لدراسة هذه المشكلات، وقامت هذه اللجان بإجراء العديد من الدراسات والابحاث العلمية، إلا أن تلك الدراسات لم تحدد بالضبط مفهوم العنف، وقد ناقشت الدراسات إحراق المدارس، والعبث بالممتلكات العامة، والاعتداء على التلاميذ والطلاب، وكذلك الإعتداء على المعلمين بالضرب والشتم وتهشيم سياراتهم، وكانت النتيجة أن مفهوم العنف يختلف عند التلاميذ عنه عند رجل الأمن أو رجل القانون. أما فيما يتعلق بالعنف في المدارس السعودية، فأنا أجزم أن هناك حالات فردية فقط، ولم ولن يصل لحد الظاهرة المقلقة خاصة وان المجتمع السعودي مجتمع معياري، ولكن المجتمع السعودي شأنه شأن المجتمعات الأخرى تعرض لتطورات ثقافية واجتماعية واقتصادية، وتبعاً لذلك تتبدل قيم وتتغير أخرى، وتظهر معايير جديدة، وعندها يواجه الشباب كثيراً من المتناقضات، لأن هنالك أزمة حقيقية يعيشها العالم المعاصر، وهنالك نظرة مزدوجة للقيم والعادات. وزاد المقيد إن بعض السلوكيات المنحرفة التي تمارس في المدارس المتوسطة أو الثانوية دوافعها الحصول على الإعجاب في نظر الآخرين، أو الاخذ بالثأر لما جرى في الحي أو في الطريق للمدرسة، أو الاحتجاج على النتائج المدرسية، ولهذا تكون وسائل التعبير من خلال التخريب أو السرقة أو التهجم على الآخرين، وهنالك أيضاً الحرمان العاطفي الذي يعاني منه البعض، فالطالب المحروم عاطفياً لا يفتقد العاطفة فقط، وإنما يوضع في إطار اجتماعي يسهل له مجابهة الآخرين، وهذه أعراض مرضية لا فرق بينهما وبين الأمراض النفسية والعصبية، مشيراً إلى أنها قد تعزى مسببات العنف المدرسي الى ظروف عصبوية وفئوية وتعفن اجتماعي وذلك لغياب التوجيه السليم والنموذج والقدوة الحسنة، هذا بالإضافة إلى النزوات، وهي مجموعة الميول والرغبات والحاجات والمطامح تدفع الطالب نحو الاشباع والوصول إلى الهدف، ويمكن إشباع هذه الحاجات من خلال السلوكيات النشيطة وذلك لجلب انتباه الآخرين، ومن هنا يتضح لنا أهمية دور الأسرة حيث تبدأ منها أول التأثيرات باعتبارها أهم الجماعات الأولية ثم دور الرفقاء والأقارب من نفس الفئة العمرية وكذلك الشخص القدوة والذي ربما كان يروي قصصاً خيالية عن تعامله مع الطلبة والمدرسين، إذن للبيئة دور كبير في تكوين البناء النفسي للطالب أو التلميذ ويكفي ان ينشأ في بيئة منحرفة كي يتقمص شخصية أهله الذين أمعنوا في الخروج على المجتمع ومن ثم يتخد لنفسه شخصية مشابهة. وبين المقيد انه يلزم على المؤسسات التربوية مضاعفة الاهتمام بالنظام القيمي والذي هو أحد الشروط الأساسية لاستقرار المجتمع، والتماسك الاجتماعي لا يمكن ان يحل ما لم يكن بناء الأفراد بناءً سليماً، ولا يمكن ان يتم بمعزل عن الأخلاق لأنها المكون الرئيس للإطار العام، وكلما كانت أخلاق الأمة قوية نقية كانت اتجاهاتها سليمة، والعلم بحد ذاته مبني على القيم الإنسانية وهو نظام للقيم، وإشباع أي حاجة من الحاجات القيمية يعتبر قيماً مثل حب الأمن، وحب الحق، وحق العدل، وحب الوطن وفيما مضى كانت الأمم تتفاضل بالقوة البدنية اما الآن فإنها تتفاضل بالعلم. مشيراً إلى أن ترسيخ المفاهيم القيمية بات ضرورياً على القائمين على المؤسسات التربوية إيلاء المزيد من الاهتمام للمناهج وعلى الأخص في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، وذلك لما لها من أهمية في تكوين النشء وإعداده لأداء دوره في المجتمع بما يرسخ حب الوطن والدين والمثل ويطور الحس الأمني ويرسخ الأمن والاستقرار، وكذلك تنمية الفكر العلمي للدارسين بما يوازي التطورات المتلاحقة التي يشهدها يومياً في هذا المجتمع الالكتروني، وانصح كذلك بزرع ثقافة التطوع في عقول الناشئة وإشعارهم دوماً بأنهم قادة المستقبل وهذا الوطن بحاجة إليهم. (تدريب الطلبة على تحقيق الأمن) واضاف ان الأمن والسلامة لابد وان يتصدر الاهتمام البالغ في المؤسسات التربوية، فلماذا لا يتدرب الطلبة على تحقيق الأمن في الفصل والأمن في المدرسة، والمدرس قدوة حسنة، والزميل أخ، وأمن الممتلكات الشخصية، وحماية البيئة المحيطة، واحترام انظمة المدرسة، ويتطور ذلك إلى أمن الحي، و أمن المدينة، و أمن الوطن، بحيث تصبح المدرسة وحدة أمنية آمنة، وتتحقق الصورة المثالية للمجتمع المدرسي وقد لا يختلف اثنان على ان المجتمع السعودي بأطيافه كافة يعتمد على استراتيجية الحوار، وعليه لابد من مراقبة سلوكيات التلاميذ والطلاب ومعالجة ظواهر الانحراف بأساليب تربوية وحضارية، واعتماد اساليب التوعية من قبل العلماء، رجال الأمن، ومن الرياضيين، ممن لهم تأثير على الناشئة، واقترح هنا ان يصار لإنشاء مجمع مدرسي نموذجي للمراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، لتطبيق هذه المعايير وإضافة مقررات دراسية تعالج الأمن الفكري، والامن الثقافي، والأمن النفسي، والأمن الاجتماعي، لبيان أهمية مفهوم التماسك الأسري والتكافل الاجتماعي، علماً بأن الأمن النفسي بالغ الأهمية، ذلك ان الإنسان إذا لم يكن صحيح النفس فإنه لن يكون قادراً على التوافق مع عناصر الوجود من حوله وستكون علاقته مع تلك العناصر يشوبها التوتر والخوف والقلق وعدم الثقة. وقال المقيد ان بعض الأحيان يكون التدخل المباشر والتقريع من قبل الكبار بمعاييرهم وقيمهم نحو الأبناء ذا أثر عكسي، وربما ينحرف بشخصياتهم واتجاهاتهم لما هو أسوأ، وما أجمل ما قاله العالم ابن خلدون: "إن الشدة على المتعلمين مضرة بهم، ومن كان مرباه بالتعسف والقهر من المتعلمين سطا به القهر وضيق عن النفس في انبساطها، وذهب بنشاطها ودعا إلى الكسل" وما قاله كذلك الرشيد لمعلم ولده الأمين إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه، و ثمرة قلبه، فصير يدك عليه مبسوطة، وطاعتك عليه واجبة، وكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين، أقرئه القرآن، وعرفه الأخبار، وأرو له الأشعار، وعلمه الفن، وبصره بمواقع الكلام، وامنعه من الضحك، إلا في أوقاته، واجعله يعظم المشائخ، وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة. ويرى د. صالح محمد الخثلان رئيس لجنة الرصد والمتابعة بالجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أن العنف بشكل عام سواء كان لفظياً أو مادياً هو أسوأ سلوك في الحياة البشرية، ويعد انتهاكاً صارخاً للكرامة الإنسانية، فالتكريم الرباني للإنسان لا يمكن على الإطلاق التسامح بامتهانه بالتعرض بالعنف للإنسان مهما كان موقفه وموقعه وحالته. وتتجلى قيمة التكريم للإنسان وفداحة الاعتداء عليها في المدارس، حيث تنطلق عملية التأسيس للفرد ليحقق السمو والكمال المنشود الذي يمكنه من القيام بالأمانة التي كلف بها من الله سبحانه وتعالى. إن حالات العنف التي تنشر الصحف أخبارها وقصصها تعد أكبر إساءة لنظام التعليم التربوي في المملكة خاصة تلك الحالات التي يترتب عليها إصابات تترك عاهات مستديمة وهي بحاجة إلى تدخل وعلاج سريع وتمثل تناقضاً واضحاً للرسالة التربوي التي تتمثل في التنشئة والبناء. فمثل هذه الحالات سواء كانت بالتعدي باللفظ أو التعدي باليد تترك آثاراً وجرحاً على مشاعر وحياة المعتدى عليه خاصة في حال عدم التصدي لها ومعاقبة مرتكبيها والوقوف بجانب من تعرض للاعتداء. مؤكداً أن لجوء المعلم للعنف باللفظ أو الضرب يعد مؤشراً خطيراً على عدم أهليته للقيام برسالة ومهام التربية والتعليم السامية وعلى من يقع في مثل هذا الموقف أن يبادر على الفور بالمراجعة والوقفة الصادقة مع النفس والمؤنبة لها لقبولها مثل هذا السلوك، لأن التهاون في أول حالة عنف سيجعل السلوك العنيف يفقد بشاعته ويجعل النفس تتعود عليه مما يتسبب دون وعي في تحول المعلم عن رسالته التربوية ويفقد الاحترام والتكريم الذي يستحقه لقيامه بهذه الرسالة. وزاد الخثلان أن حوادث العنف الجديد التي بدأنا نسمع عنها مؤخراً وتتمثل في اعتداء الطلاب على الأساتذة والإداريين فهي مصيبة أخرى وإساءة كبرى للنظام التعليمي وتمثل خللاً في القيم والسلوك لا تقتصر أسبابه على المدرسة بل تعبر عن ظاهرة أكبر وأخطر يعيشها المجتمع وتتمثل في تآكل قيم ووسائل الضبط الاجتماعي، إن اعتداء الطالب على معلمه يعبر عن خلل كبير في النظام الأخلاقي في المجتمع وهو بحاجة إلى تشخيص حقيقي ومعالجة جذرية. وعن التعامل مع حالات العنف أوضح الخثلان أنه يتم من خلال إجراءات عقابية وتربوية تقوم بها الأجهزة المختصة في وزارة التربية والتعليم وفي بعض الحالات قد يتطلب الأمر تدخل الأجهزة الأمنية والمحاكم الشرعية، فالاعتداء لا يمكن التساهل معه والمعتدي لا بد أن يلقى جزاءه ومن يقع ضحية اعتداء وإهانة لكرامته فمن حقه رد الاعتبار. وبالنسبة لدور الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في مواجهة قضية العنف في المدارس فهو دور مكمل للأجهزة التربوية من خلال لفت النظر إلى حالات عنف تلقت شكوى بشأنها أو قامت برصدها والمطالبة بمعالجتها والتأكيد على مبدأ التكريم الإنساني وعدم المساس به، وكذلك من خلال برامج توعوية موجهة للطلاب والمعلمين والإداريين تنطلق من مبدأ التكريم الرباني للإنسان وضرورة حمايته من الاعتداء.