اجتمع مجلس الوزراء اللبناني استثنائيا، امس، بعد تظاهرات شعبية شهدتها البلاد نهاية الاسبوع الماضي احتجاجا على استمرار ازمة النفايات، وتدرجت خلالها مطالب المعتصمين من ايجاد مخرج لهذه المشكلة وصولا الى استقالة الحكومة. وبعد نحو اربع ساعات من انعقاد الجلسة الاستثنائية، انسحب وزراء حزب الله والتيار الوطني الحر الذي يرأسه الزعيم المسيحي ميشال عون وحزب الطاشناق الارمني وحزب المردة الذي يرأسه النائب سليمان فرنجية احتجاجا على ما وصفوه ب"مسرحية النفايات". وقال وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل المنضوي في كتلة عون: "انسحبنا من الجلسة لأن هناك مسرحية في موضوع النفايات". فيما قال وزير الصناعة حسين الحاج حسن: "نحن انسحبنا ايضا من الجلسة بسبب الانقلاب على الشراكة والتفاهم". وواصل مجلس الوزراء رغم انسحاب الوزراء جلسته الاستثنائية التي دعا اليها رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام، الاثنين، "للبحث في وضع النفايات الكارثي ولاتخاذ القرارات المناسبة بشأن المناقصات العائدة لخدمات النفايات المنزلية الصلبة"، فيما اعرب عدد من الوزراء قبل الاجتماع عن شكوكهم ازاء الاسعار المرتفعة لمناقصات النفايات التي اعلنها وزير البيئة محمد المشنوق امس وفازت بموجبها ست شركات. وجاء اجتماع الحكومة التي تواجه ضغوطا متصاعدة الثلاثاء بعد تظاهر الآلاف من اللبنانيين في ساحة رياض الصلح في وسط بيروت القريبة من مقري البرلمان والسراي الحكومي (مقر رئاسة المجلس) يومي السبت والاحد، بدعوة من حملة "طلعت ريحتكم" التي تضم ناشطين في المجتمع المدني. وشكلت النفايات المنتشرة في ارجاء بيروت ومناطق اخرى السبب المباشر في تفجر غضب الشارع اللبناني، لتتحول التظاهرات الى متنفس للتعبير عن الغضب المتراكم من الطبقة السياسية وحالة الانقسام السياسي في البلاد والفساد المستشري والبنية التحتية المترهلة. واعترف رئيس الحكومة اللبنانية، الاحد، بمطالب المتظاهرين المحقة، وحذر من انه "لا لزوم لمجلس الوزراء" ما لم يعقد جلسة مثمرة، في اشارة الى جلسة اليوم. وقال سلام: "ذاهبون إلى الانهيار إذا استمرت الأمور على حالها". وليس واضحا ما اذا كانت الحكومة اللبنانية قادرة عمليا على حل هذه الازمة التي دفعت الآلاف الى النزول للشارع في تحرك شعبي نادر تحت عنوان مطلبي اجتماعي لا حزبي ولا طائفي. وتدرس الحكومة على جدول اعمالها لائحة الشركات الست التي اعلن وزير البيئة محمد المشنوق، الاثنين، فوزها بالمناقصات لمعالجة النفايات على مختلف الاراضي اللبنانية. لكن اللائحة اثارت سريعا انتقاد الناشطين الذين قالوا ان تلك الشركات الفائزة مرتبطة بشخصيات سياسية مؤثرة وتكاليفها مرتفعة جدا. وانتقد عدد من الوزراء الاسعار المرتفعة لمعالجة النفايات. ويدفع لبنان احدى اعلى تكاليف معالجة الطن الواحد من النفايات، وتحدثت وسائل اعلام لبنانية عن ان الشركات الفائزة في المناقصات ستزيد الاسعار اكثر. وبدأت التحركات على خلفية ازمة النفايات قبل نحو شهر، بعدما غرقت شوارع بيروت ومدن وبلدات محافظة جبل لبنان، وهي من المناطق السكنية الاكثر كثافة، في النفايات المنزلية، اثر اغلاق مواطنين في 17 تموز/يوليو الماضي بالقوة المطمر الاكبر في البلاد الذي كانت تنقل اليه النفايات على مدى السنوات الماضية. وتفاقمت المشكلة مع انتهاء عقد الشركة التي كانت تتولى عملية جمع النفايات من الشوارع من دون تجديده، وانقسام القوى السياسية حول الجهة التي ستستفيد من العقد الجديد. واعلن منظمو حملة "طلعت ريحتكم" انهم سيواصلون حراكهم داعين الى تظاهرة جديدة السبت المقبل "ضد الطبقة السياسية الفاسدة". وقال مروان معلوف احد منظمي الحملة في مؤتمر صحافي مساء الاثنين: "معركة النفايات هي معركتنا الاساسية التي بدأنا نتحرك بها (...) وهناك معركة عامة نخوضها ضد الطبقة السياسية الفاسدة". وراى محللون ان مطالب المعتصمين بعد شهر تخطت ازمة النفايات لتركز على الخلل العام في اداء الدولة. وقالت الباحثة في مركز كارنيغي للشرق الاوسط مها يحيى لوكالة فرانس برس: "نزل الناس الى الشوارع لأنهم يشعرون بأن احدا لا يصغي اليهم". واضافت: "تدهورت الخدمات الاساسية في البلاد، لدى الناس هموم عدة تتعلق بالكهرباء والماء والوظائف والتربية والصحة". ويشهد لبنان عادة تظاهرات او تحركات احتجاجية بناء على دعوة من الاحزاب السياسية، لكن نادرا ما يتم التحرك ضد الطبقة السياسية وتحت عناوين مطلبية اجتماعية. لكن هذه المرة اعرب الآلاف من المتظاهرين عن سخطهم ايضا من تقنين التيار الكهربائي المستمر منذ عقود ونقص المياه والفساد المستشري في الادارات والانقسام السياسي الذي يحول دون انتخاب رئيس للبلاد منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان في 25 ايار/مايو 2014. وجرت الانتخابات النيابية الاخيرة في لبنان عام 2009، وعمد مجلس النواب بعد انتهاء ولايته الاولى الى التمديد لنفسه مرتين، الامر الذي يعتبره المتظاهرون "غير شرعي". وقالت يحيى: ان هذه التحركات "بمثابة جرس انذار لجميع القادة السياسيين".