خلال سبعة أشهر فقط، يبدو أن رئيس الوزراء اليوناني السابق - وربما المقبل - أليكسيس تسيبراس بأنه قد شهد فترة تطور ملحوظة. في الانتخابات المبكرة التي أجريت في سبتمبر، سيرشح نفسه في برنامج انتخابي يعتبر عكس ما دافع عنه في يناير، عندما تولى السلطة. مع ذلك، فإن السمات التي جعلت ذلك ممكنا قد تجعل منه زعيما جيدا لجعل اليونان تسير قدما. لقد عمل مسار تسيبراس على إبعاده عن برنامج «ثيسالونيكي»، الذي روج له حزبه سيريزا لانتخابات الخريف والشتاء الماضي، من خلال المفاوضات الصاخبة مع دائني اليونان وأخيرا برنامج الإنقاذ، وهو قانون للاستسلام الاقتصادي عمل على إحداث انشقاق داخل حزب سيريزا وإرغام تسيبراس على الاستقالة. تعتبر الوثيقتان على طرفي نقيض من الناحية الأيديولوجية، والقليل من السياسيين تمكن من استيعاب المسافة الشاسعة بينهما بسرعة كما فعل تسيبراس. يمكن وصف هذه الرحلة المذهلة من الأمل إلى الاستقالة على أنها مسار خيانة لخدمة المصالح الذاتية (الجناح الراديكالي من نسخة سيريزا)، وهي طريق صعبة إلى النضج مرَّ بها قائد شاب عديم الخبرة (بإمكاني تصور رئيس المفوضية الأوروبية جين كلاود يونكر وهو يفكر على هذا النحو)، أو أنها رحلة عبر مسارات الحتمية (حتى تسيبراس نفسه يود أن يصورها بهذه الطريقة). أما النسخة الثالثة فإنها ربما الأقرب إلى الحقيقة: حاول تسيبراس وفرقته من الراديكاليين القيام بكل ما في وسعهم لإبعاد اليونان عن مسار التقشف، لكنهم وجدوا أن اليونان كانت غير قادرة على الحفاظ على نفسها. في يوليو، توقف المصرف المركزي الأوروبي عن زيادة دعمه للنظام المصرفي اليوناني، وكانت حكومة تسيبراس مضطرة لإغلاق المصارف وتقنين الدفعات النقدية التي يمكن للمواطنين سحبها من البنوك. وفقا لوزير المالية الأسبق يانيس فاروفاكيس، لم يكن لدى اليونان حتى الموارد اللازمة لإعادة إدخال الدراخما لتحل محل اليورو، وكانت المحاولات الرامية لإيجاد خطة بديلة بمثابة جهود واهنة غير قابلة للتطبيق. استشرف تسيبراس الهاوية، ولم يرق له ما رأى. وزير الطاقة السابق لديه باناجيوتس لافازانيس لم يتراجع، لذلك فهو الآن قائد جماعة منشقة تدعى (الوحدة الشعبية)، ثالث أكبر فصيل في البرلمان اليوناني مكرسة ل «تحطيم ديكتاتورية منطقة اليورو»، كما يقول لافازانيس، وإخراج اليونان من منطقة اليورو. تعرض تسيبراس لمثل هذه المواقف من قبل. إذ كان ذات مرة عضوا في المنظمة الشبابية التابعة للحزب الشيوعي اليوناني، لكنه اختار البقاء في سيناسبيزموس، الائتلاف اليساري المتطرف، بعد انفصال الشيوعيين عنه في عام 1991، تماما كما انفصل فصيل لافازانيس الآن عن حزب سيريزا. كان تسيبراس أقل اهتماما في القتال من الهامش، وكان اهتمامه ينصب على بناء حزب يساري جديد ليحل محل الحزب الوسطي (باسوك) كحزب اليسار الرئيسي. لقد راقب، ومن ثم شارك في، الديناميات الداخلية المعقدة لسيناسبيزموس بفصائله العديدة المتحاربة. صعد تسيبراس إلى اللجنة القيادية لسيناسبيزموس في عام 2004، مباشرة بعد أن شكل تحالفا انتخابيا له مع الأحزاب اليسارية الأخرى، بما فيهم، مرة أخرى، الأحزاب الشيوعية. كان يسمى التحالف بسيريزا، وأصبح زعيما لسيناسبيزموس في عام 2008 عندما احتدمت المناقشات الداخلية حول ما إذا كان ينبغي حل حزب سيريزا. ومن ثم حاول إبقاءه قائما رغم هزيمته الانتخابية، وفي النهاية حقق فوزا كبيرا في عام 2015. تقدم قصة سيناسبيزموس الصاخبة، الموصوفة في تقرير صدر في عام 2009 من قبل كوستاس إيليفثيرو من جامعة أثينا، فكرة جيدة عن أنواع المهارات التي ربما يكون تسيبراس قد اكتسبها في تلك البيئة. ربما لم يتعلم ذلك النوع من الخبرة الفنية في التفاوض اللازمة للتأثير على وزراء المالية الأوروبيين، لكنه يعرف اليسار اليوناني وهو متمكن من المناورات السياسية. وهو أيضا معروف شخصيا وتشير استطلاعات الرأي إلى أن سيريزا، حتى بعد الانفصال، حظي بدعم حوالي ثلث الناخبين اليونانيين. ربما يعود حزب سيريزا مرة أخرى في سبتمبر، على رأس حكومة ائتلافية جديدة. وفي حين يمكن القول إن انتخابه في يناير كان بمثابة كارثة لليونان، ربما يكون هذه المرة نعمة لها. السبب في ذلك هو أن حجة الإنقاذ انتزعت إلى حد كبير القدرة على اتخاذ القرارات الاقتصادية من يد الحكومة. في هذه الظروف، كان تسيبيراس هو الشخصية المثالية التي يجب أن تكون في القمة، حيث إن موهبته في إدارة الفصائل السياسية وضبط الأعصاب المتفجرة ستكون أساسية. سوف يحافظ على إبقاء الجمهور هادئا من خلال عاطفته الصادقة بوضوح نحو محنة اليونان. وسف يضمن، على الأقل لبعض الوقت، ألا تنحرف عملية الإنقاذ عن مسارها وأن تستمر الأموال الأوروبية في الوصول إلى اليونان. هذا السيناريو ليس دلالة على بُعد النظر، لكن علينا ألا ننسى أن الأشهر السبعة التي أمضاها تسيبراس في السلطة أثبتت أنه إنسان يفكر بعقلية تكتيكية، وليس بعقلية استراتيجية.