لقد حُبِّب إليّ علم التفسير منذ المرحلة الثانوية، فكنت أحرص على شراء كتب التفسير وما يتعلق به من العلوم، وأجمع منها ما استطعت، وعشتُ مع بعض كتب التفسير مستفيدًا، وكان من أكثر الكتب التي أرجع إليها للنظر في مشكلات التفسير كتاب الفخر الرازي (ت:606)، لكثرة ما يورد من حلٍّ لمشكلات التفسير، وبقي هذا الكتاب يلازمني في هذا الباب حتى عرفتُ نادرة تفسيرات المعاصرين، تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور (ت:1393)، وكان ذلك في بداية السنة الأولى من الجامعة، فصارا من أكثر ما أرجع إليه فيما يرد عليَّ من سؤال؛ لظني أني سأجدهما تطرقا له، وكثيرًا ما وُفِّقتُ لذلك. وكنت أقرأ من كتب التفسير، وأبحث في بطونها عن معنى يرد عليَّ، أو إشكال يمرُّ بي، دون أن يكون منهج علم التفسير واضح المعالم عندي، حتى إن دراستي الجامعية في قسم القرآن وعلومه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لم توقِّفني على منهجه، وبل اختلفت مشارب أساتذتي في إلقاء دروس التفسير بساعاتها الأربع الأسبوعية طوال ثمانية فصول دراسية، وكان الأمر كما يقال: (لكل شيخ طريقة)، فأفاد كل منهم في جانب من الجوانب المتعلقة بالقرآن وتفسيره، لكن لم يكن في أيٍّ منها طريقةٌ تعرِّف بمنهجيته. وهذا ما قادني في أول تدريسي للتفسير داخل الكلية أو خارجها إلى البحث عن المشكلات العلمية في مسائل الآيات، وطرحها مع الطلاب، مما كان بعيدًا -في نظري الآن- عن المنهجية الصحيحة التي ظهرت لي فيما بعد على يد إمام المفسرين بلا منازع ابن جرير الطبري (ت:310). كيف تعرَّفت إلى أصول التفسير؟ اقتنيت كتاب (مقدمة في أصول التفسير) للإمام ابن تيمية (ت:827)، وظهر لي أنه أنفسُ ما كُتب في هذا العلم، وقرأته مرة بعد مرة، واجتهدت في طلب استشراحه، لكن آنذاك لم أجد من شرح هذه المقدمة، وبين مغاليقها، وضرب الأمثلة لقواعدها، فذهبت -مع بداية دراستي الجامعية- أجتهد بنفسي في تعلُّمها وتعليمها بقدر ما أمتلك من معلومات آنذاك، وهي معلومات يسيرة جدًّا، لكنها كانت تنمو شيئًا فشيئًا. ولقد كنت حريصًا على فهمها، وكانت تعسر عليَّ مواطن منها، وكنت أسأل فلا أكاد أجد من يبينها لي. لقد كانت هذه المقدمة من أهم الكتب التي بدأت صياغة تفكيري في (أصول التفسير)، لكن لعدم وجود شرح متكامل لها لم يكن لها ذلك التأثير الكبير في تلك المرحلة. نعم، كنت أشرح هذه المقدمة مرة بعد مرة، وكانت تنفتح مغاليقها شيئًا فشيئًا، حتى تمت لي معرفتها جيدًا، فشرحتها شرحًا عمدتُ فيه إلى أمرين: الأول: ألا أتجاوز مسائل التفسير. والثانية: أن أشرح عبارات هذه المقدمة، وأحشد الأمثلة للتنظيرات التي ذكرها الإمام ابن تيمية. وقد استفدت في كثيرٍ من الأمثلة التطبيقية من تفسير الإمام الطبري (ت:310)، فتكاملت معرفتي بها، فتم لي -بنعمة الله- تأليف شرح مطبوع لها.