لا نقصد بعزلة التيار الإسلامي عن المجتمع بل كانوا مشاركين وفاعلين فيه، ونقصد بالمجتمع هنا المجتمع السعودي، وما نقصده بالعزلة هنا عزلة مخصوصة وهي العزلة الإعلامية؛ فقد ذكر الأستاذ عبدالعزيز خضر في كتابه (السعودية سيرة مجتمع ودولة) أن الصحوة الإسلامية فرضت على نفسها عزلة إعلامية اختيارية، وسبب هذه العزلة الموقف السلبي الذي اتخذته من الإعلام المحلي ووسائله، ويعبر (خضر) عن موقفه من تلك العزلة فيقول: (هذه العزلة الملموسة كانت واضحة، وكنت أشعر في حينها بالقلق من مصير وعي الناشئة وصغار السن الذين يتم عزلهم بهذه الصورة الحادة عن الخطاب الإعلامي صحافة وتلفزيون، وعن كيفية تصوّرهم للواقع الاجتماعي والخطاب السياسي والثقافي والتربوي الرسمي، بحكم أنهم جزءٌ من المجتمع. وفي تقديري أن التيار الإسلامي تأخّر وعيه بالحياة العامة، على الرغم من قدرات بعض أفراده الكبيرة تعليماً وثقافة وعلماً شرعياً وجدية مقارنة ببقية المجتمع). ص/239. والحقيقة أن قلق (خضر) كان في محله، فقد كانت الصحوة آنذاك معزولة عن الإعلام العام، وكان لها إعلامها الخاص، حيث كانت جحافل الصحوة تتابع المجلات الإسلامية المتوفرة في الساحة مثل: مجلة الدعوة السعودية، وكان خطابها مؤثراً في جيل من الشباب المحافظ الذين تحوّلوا فيما بعد إلى قيادات لجيل الصحوة، وكانت مجلة محافظة ملتزمة بالسياسة الرسمية للدعوة في البلد. ومجلة (المجتمع) التي تصدر في الكويت من جمعية الإصلاح الاجتماعي، وكانت الصحوة تتابع من خلالها القضايا الإسلامية ومشكلات الحركات الإسلامية، وتقدم تحليلات لأوضاع المسلمين في العالم. ومجلة (البيان)، وإن كان صدورها متأخراً، إلاّ إنها احتلت مكانة لدى الصحوة من خلال طرحها العلمي ومنهجها الجاد في تحليل القضايا الإسلامية. هذه المجلات وغيرها من المجلات التي تصدر من مصر كانت المصدر الإعلامي الذي يتلقى منه التيار الإسلامي التصورات والآراء في كثير من القضايا الإسلامية، واستمر الأمر إلى دخول الفضائيات والإنترنت حيث انتشرت الفضائيات الإسلامية والمواقع الإسلامية في الإنترنت. وعلى الرغم مما اتسمت به تلك المجلات من الجدية في الطرح، إلاّ أنها تظل تمثل وجهة نظر الإسلاميين في الأحداث، وتعزل جيل الصحوة عن معرفة ما يدور في الجانب الآخر، وتعزلهم عن معرفة الواقع الاجتماعي والاقتصادي والتحوّلات الفكرية للمجتمع السعودي. ومع الانفتاح الإعلامي والثقافي الذي نعيشه في المملكة.. هل تخلّصت الصحوة من عزلتها الإعلامية؟ أكاد أشك في هذا!! وذلك من خلال معايشتي لشباب الصحوة؛ فإنني أجد أنهم ما زالوا معزولين عن العالم والأحداث ومتقوقعين على أنفسهم وعلى وسائل الإعلام الإسلامية، وما زالت مساحة من الشك والريبة في وسائل الإعلام الأخرى. من خلال تدريسي لطلاب كلية شرعية أجد أن كثيراً منهم لا يفقه بعض المصطلحات المعاصرة؛ بل لا يتابع الأحداث متابعة جيدة، وتصوّراتهم محدودة عن كثير من الأحداث والقضايا، إلاّ القليل من شباب الصحوة الذين كسروا العزلة، وانفتحوا على وسائل الإعلام، وحتى هؤلاء الذين كسروا العزلة الإعلامية مازال الكثير منهم يعاني من شلل الوعي وصدمة الفكر، ويشبهه (خضر) كناشئ تعرض للعزلة سنوات، ثم انفتح فجأة، وقد أدرك ما فاته من المعرفة، ويريد أن يستدرك ما فاته في وقت قصير. لقد كان للعزلة الإعلامية التي عاشتها أجيال من الصحوة آثار سلبية على الصحوة منها: الانغلاق الفكري والثقافي والمعرفي، والعزلة الفكرية والمعرفية، والاعتماد على رؤى إسلامية، بعضها سطحي في الطرح، وخاصة ما يتعلق بالرؤى السياسية. الغفلة عن التحوّلات الكبيرة التي يعيشها المجتمع السعودي، مما جعل خطاب الدعوة جامداً في قضاياه وأساليبه، ولا يلتفت إلى التغيّرات والتحوّلات، ولم يدرك بأن مجتمعنا السعودي في حاجة ماسّة إلى تحديث وتجديد الخطاب الدعوي. عدم القدرة على التكيف مع الخطاب الإعلامي العام، وعدم محاولة اختراقه والتعلل بالإقصائية من قبل الآخرين، والحقيقة أنه من خلال تجربتي القصيرة والمحدودة مع وسائل الإعلام الرسمي لم أجد تلك الإقصائية المزعومة؛ بل وجدت ترحيباً وتشجيعاً، ولكن اكتشفت أن سبب تلك الإقصائية هي ضعف القدرة على الكتابة الصحفية، وعدم قدرتنا على التعامل مع وسائل الإعلام بسبب ضعف الخبرة الإعلامية. إن على التيار الإسلامي أن يتعلم من أخطائه، وأن يكسر هذه العزلة الإعلامية، وأن يبادر إلى المشاركة، وأن يعد الكوادر الإعلامية المتميزة، وأن يكون طرحه الإعلامي مناسباً لما تعيشه المملكة من انفتاح وتنمية كبرى.