ما كنت ألحظه منذ الصغر وما أسمعه من أهالي الأحساء أو ممن هم من خارج الأحساء ولكن عاشوا في الأحساء هو أن العيد في الأحساء فيه نوع من الاختلاف عن بقية المناطق الأخرى. فالمملكة العربية السعودية دولة بحجم قارة ولهذا من الطبيعي أن تكون هناك أساليب مختلفة للاحتفال بالأعياد. فأول يوم يكون معايدة بين دائرة ضيقة من الأقارب أو الأصدقاء أو الجيران. واليوم الثاني تتوسع دائرة المعايدة لتشمل زيارات متبادلة بين أسر ما هو متعارف عليه بنفس المدينة. وأما اليوم الثالث فيشمل تبادل زيارات ومعايدات بين أسر وعوائل المدن المختلفة. وإلى وقت قريب كانت هذه المدن الرئيسة هي مدينة الهفوف ومدينة المبرز ومدينة العيون ولكن في الوقت الحالي أصبح هناك عدد أكبر من المدن في الأحساء. وما يقوم به أهالي الأحساء أثناء أيام العيد هو تقليد وعادة قديمة لم تتغير منذ زمن طويل. ومع تغير مساحات المدن وتلاصقها مع بعضها البعض بسبب التمدد الأفقي الكبير فقد طرأ تغيير بسيط لم نره إلا في السنوات القليلة الماضية. فبطريقة عفوية واتفاق بين أسر الأحساء فقد تم جعل اليوم الثالث من عيد الفطر يوما ليقوم أهالي مدينة المبرز بزيارة أهالي مدينة الهفوف. وأثناء عيد الأضحى يقوم أهالي مدينة الهفوف بزيارة مدينة المبرز. وقد كان المتبع في السابق هو أن تكون الزيارة بنفس المنوال في كل عيد ولكن مقسومة بين زيارة صباحا وزيارة بعد العصر. وجمال هذا الاسلوب ينبع من كونه عادة لم تتغير منذ زمن رغم التغيرات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع السعودي بصفة عامة. وهذا يعكس أمرا مهما وهو أن العادات والتقاليد التي رأيناها تندثر من مجتمعنا لا تزال موجودة في الأحساء. ولا أعرف أي منطقة أخرى في المملكة يتم فيها مثل هذا الأمر عندما يتحرك المعايد من مدينة لأخرى ليرى أهله وأصدقاءه بغض النظر عن قرب تلك المدن من بعضها البعض ليصبح العيد في الماضي يمتد إلى أكثر من أربعة أيام. وقد كان هذا الترتيب التلقائي لتبادل المعايدة في زمن لم تكن هناك سبل مواصلات سريعة مثلما هو عليه الوضع في وقتنا الحاضر. وفي وقتنا الحالي وبوجود طرق مواصلات اسرع وأحدث ومع ذلك لا يزال أهالي الأحساء يتبعون نفس الروتين. ولعلم القارئ ففي خلال ثلاثة أيام متواصلة يكون هناك أصدقاء وزملاء وعوائل لا يسعفك الوقت لمعايدتهم. وهذا دليل على كثرة التواصل بين الأسر في الأحساء. وهذا الروتين وهذه العادة في المعايدة لا تشمل فقط كبار السن، بل ان الصغير والكبير يتبع نفس الأسلوب. ان عصرنا هذا هو زمن السرعة، زمن أصبح الكل فيه مشغولا بأموره الخاصة ومشاغله العائلية، ولهذا من الجميل أن ترى جمال التواصل في مناسبة سعيدة مثل أيام العيد يكون المجتمع فيه محافظا على عادات وتقاليد لم تتأثر ولم تتغير رغم تغير جميع الظروف الاجتماعية. كاتب ومحلل سياسي