يؤمن بنظرية "ولاية الفقيه" لكنه لم يصل إلى موقع مرشد الثورة في إيران إلا بعد تعديل دستوري يجيز ل"المجتهد" تولي المنصب بعد أن كان حكرا على "الفقهاء". يعد اليوم كبير المحافظين في إيران وعرابهم. يعتمد المغالاة في السرية والتعتيم في حياته، بناء على نصائح علماء متخصصين بعلم النفس، وتطبيقا لمقولة «من ليس له سر.. ليس له سحر». يحرص على الاطلاع على كل صغيرة وكبيرة، لكن هذه الميزة تتراجع إذا كان الأمر يتعلق بتفاصيل حياته وعلاقاته الشخصية وطريقة عيشه، وأسلوب إدارته للبلاد. ويؤكد المخرج الإيراني المنفي، محسن مخملباف في فيلم "خفايا حياة خامنئي" أن "مرشد الثورة ليس سوى شاه آخر"، مع فارق غير بسيط، هو أن الشاه المخلوع كان متصالحا مع فساده، بينما "الشاه الجديد" يدعي العفة. وعلى خطى الشاه المخلوع يسير"الشاه الجديد"، في الأكل والشرب والصرف على جمع المقتنيات والهوايات الشخصية ورفاه العائلة والأقارب والحاشية، كلام مخملباف يناقض تماما ما يقال في الإعلام الإيراني الذي يظهره زاهدا ومتواضعا. تأثر بمواقف وآراء المفكر الإيراني الراحل علي شريعتي رائد مدرسة "الإسلام بلا رجال الدين" الفكرية، لكن تأثره الأكبر كان بالخميني الذي تشبع بأفكاره ورؤاه، فأصبح أحد رموز فقهاء الشيعة المؤمنين ب"ولاية الفقيه" المدافعين عنها. يعود علي خامنئي المولود في يوليو/تموز عام 1939 بمدينة مشهد، بأصوله إلى أذربيجان، وكان والده جواد الخامنئي من أبرز علماء مشهد، وجده حسين الخامنئي من علماء آذربيجان المقيمين في النجف. تلقى خامنئي العلوم الشرعية وأصول الفقه الشيعي على يد والده، قبل أن يتنقل بين الحوزات العلمية في مشهد والنجف وقم، ليدرس على كبار العلماء والمراجع الدينية الفقه والفلسفة وعلوما أخرى. في عام 1958 دخل الحوزة العلمية في قم لإكمال دراسته الدينية العالية في الفقه والأصول وتتلمذ على يد البروجردي والخميني والحائري والطباطبائي، واستمرت دراسته حتى عام 1964 حين قطع دراسته للعناية بوالده بسبب مرض ألم به. مارس التدريس في بداية حياته بعد تخرجه من المدرسة، واستمر في التدريس أثناء تلقيه العلم في مراحل حياته اللاحقة. التحق بصفوف المعارضين لنظام الشاه مبكرا، ومارس نشاطه السياسي من دون إطار تنظيمي محدد، ووضع تحت المجهر من قبل جهاز الاستخبارات الإيراني "السافاك" فاعتقل ونفي عدة مرات في الفترة ما بين عامي 1970 و1978 بسبب نشاطه السياسي. تقلد العديد من الوظائف والمسؤوليات بعد نجاح الثورة عام 1979، اختير عضوا بمجلس قيادة الثورة، ثم قائدا للحرس الثوري، وإماما لصلاة الجمعة في طهران. وانتخب عضوا في الدورة الأولى للمجلس الاستشاري الإسلامي (أول برلمان في عهد الثورة) وظل جزءا من النظام السياسي. أسس الحزب الجمهوري الإسلامي بالاتفاق مع آية الله محمد بهشتي، وعلي أكبر هاشمي رفسنجاني وآية الله موسوي أردبيلي. انتخب رئيسا للجمهورية عام 1981، وكان ترشحه في تلك الانتخابات بإشارة من الخميني، إثر مصرع محمد علي رجائي ثاني رؤساء الجمهورية، كما تولى مهام الرئاسة لولاية أخرى من عام 1985 حتى 1989. وقد عمل خلال رئاسته على إلغاء منصب رئيس الوزراء. أصبح المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران عقب رحيل الخميني في عام 1989. ولم يكن خامنئي ضمن قائمة المرشحين لخلافة الخميني، بسبب وجود من هم أعلى منه مرتبة دينية. ونجح في الحفاظ على روح الثورة لضمان استمرار مشروعية ولاية الفقيه. يعد الأكثر تطرفا وتشددا ومن أكثر المدافعين عن البرنامج النووي الإيراني. وتقول وسائل الإعلام الغربية، نقلا عن بعض الدبلوماسيين المشاركين في المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي، إن هناك حاجزا يغلق طريق الاتفاق دائما. وهذا الحاجز هو صحة على خامنئي ومدى رضاه عن الاتفاق. وسبق لوسائل الإعلام الغربية أن دفنت خامنئي أكثر من مرة، وكانت السلطات الإيرانية قد أعلنت أنه يعاني من مرض سرطان البروستاتا، وقد أجريت له بضع عمليات جراحية صعبة. والأخبار عن الموت السريع المحتمل للزعيم الديني الإيراني غالبا ما تقوم على تفسيرات عديدة للمعلومات الواردة من وسائل الإعلام الإيرانية. إن الدور الذي يلعبه "المرشد الأعلى للثورة الإيرانية" في نظام السلطة في طهران لا مثيل له في العالم، حيث لا يمكن اتخاذ أي قرار هام في مجال الدين والسياسة والاقتصاد وأي تفاصيل أخرى تتعلق بالدولة وحياة البشر من دون موافقته، ناهيك عن سيطرته التامة على "الحرس الثوري" الذي يعد أكثر قدرة وفاعلية من الجيش الإيراني. لذلك كثرت التكهنات حول من سيرث منصب المرشد الأعلى بعد وفاة علي خامنئي. ويشار هنا غالبا إلى آية الله محمد يزدي البالغ من العمر 84 عاما بصفته نصيرا راسخا لأفكار الثورة وسياسيا محافظا. وانتخب يزدي في مارس/آذار الماضي رئيسا لمجلس الخبراء الذي يضم 86 عالما دينيا يتم انتخابهم لمدة 8 أعوام، وينتخب المجلس بدوره المرشد الأعلى للثورة الإيرانية. وهناك مرشح ثان، وهو صادق لاريجاني البالغ من العمر 54 عاما، رئيس النظام القضائي الإيراني، وهو مدعوم من قبل خامنئي. وكان أخوه على لاريجاني يترأس سابقا الوفد الإيراني في مفاوضات البرنامج النووي الإيراني. ويذكر اسم صادق لاريجاني كثيرا ما عندما يدور الحديث حول حملة مكافحة الفساد الجارية حاليا في إيران والتي يصفها المراقبون بأنها نوع من أنواع الصراع على السلطة. وسبق للنيابة العامة الإيرانية قد وجهت تهمة بالفساد إلى محمود هاشمي شاهرودي الذي يعد حليفا رئيسا للرئيس الإيراني الأسبق على أكبر رفسنجاني الذي يراهن عليه الغرب ويعتبره من أنصار النظام الليبرالي. رحيل أو بقاء حامنئي لن يغير كثيرا في سلوك طهران مع دول الجوار العربي وحتى دول أكثر بعدا عن حدودها، فالمؤسسة الدينية هي الحاكم الفعلي ومن خلفها أو من أمامها يقف الحرس الثوري الذي هو أكثر اهمية من الجيش ومن باقي مؤسسة الدولة، وإيران التي تريد قطف ثمار تدخلها في الوطن العربي الذي يترنح موشكا على السقوط بفعل الانقسام والحروب الأهلية ستواصل التمدد طالما أنها لا تجد ممانعة او مقاومة لمشروعها التوسعي. طهران تعرف تماما أن سوريا أكثر أهمية بالنسبة لها من العراق لأن سقوط بشار يعني نهاية حلمها الإمبراطوري. دمشق بيضة القبان بالنسبة لطهران التي تريد انهاء ملف المفاوضات حول سلاحها النووي حتى تتفرغ لحماية دمشق خيارها الأول حتى قبل العاصمة طهران، وحتى تواصل ضرب الخاصرة العربية في اليمن أيضا، طهران لن تهدأ إلا بعد أن تحس بالوجع في عقر دارها.