فيما يعقد مجلس خبراء القيادة في إيران اليوم جلسة مهمة لاختيار شخصية تتولى قيادة دفة المجلس، إضافة إلى بحث موضوع خلافة خامنئي في منصب المرشد الأعلى للثورة، بدأت تشتد الصراعات فعليا على المنصب شبه الشاغر في الوقت الراهن، وذلك عقب اختفاء المرشد الحالي علي خامنئي عن المشهد السياسي والإعلامي، وتواتر أنباء تفيد بتدهور صحته أو وفاته. وكانت صحيفة ال "لو فيجارو" الفرنسية نقلت عن مصادر استخباراتية غربية مطلع الشهر الجاري تأكيدات على مرض خامنئي بسرطان البروستاتا، وأن المرض وصل إلى المرحلة الرابعة والأخيرة، بعد أن انتشر في جميع أنحاء جسده. صراع الخلافة بداية يؤكد المحلل السياسي والخبير في الشؤون الإيرانية، عايد الشمري وجود صراع قائم بين المحافظين والإصلاحيين حول خلافة خامنئي. وشدد الشمري على دور الحرس الثوري، مؤكداً أن له الدور الأكبر في اختيار خليفة خامنئي، وعزا ذلك إلى كونه المكون الأكثر سيطرة على البلاد، وسوف يبقى المرشح لخلافة المرشد الإيراني من بين المحافظين فقط، المؤيدين لدوره في الشأن السياسي. وأشار الشمري إلى وجود ثلاث احتمالات مطروحة على الطاولة، وهي إما اختيار عضو مجلس الخبراء محمود هاشمي شاهرودي، وهو الاحتمال الأضعف، لأن شاهرودي لديه جنسية عراقية ومن مواليد النجف، لذلك توجد أصوات كثيرة تخالف توليه المنصب. أما الاحتمال الثاني - حسب الشمري – فهو اختيار رجل الدين المتشدد مصباح يزدي المعروف بولائه الكامل للحرس الثوري والداعم له، متوقعاً أن يكون للحرس الدور الأكبر في حال حصل يزدي على المنصب. ولفت الشمري إلى إمكانية اختيار نجل المرشد الحالي، مجتبى خامنئي، مرجعا توقعه إلى تهيئة خامنئي للرأي العام وتمهيد الطريق لتوريث المنصب إلى نجله، إضافة إلى وجود أصوات عديدة داخل الحرس الثوري تؤيد توليه منصب المرشد وخلافة أبيه. ووصف الشمري التصريحات التي تناقلتها وسائل الإعلام حول الموضوع بأنها مجرد تضليل للرأي العام العالمي، وإظهار إيران على أنها دولة ديموقراطية. وقال "لن يكون لوفاة خامنئي تغيير في السياسة الخارجية للنظام الإيراني تجاه التدخلات في الدول العربية، لأن إيران كما هو معلوم محكومة من قبل مؤسسة الحرس الثوري التي تنفذ الخطط التي رسمها مؤسس النظام الإيراني "الخميني"، المعروفة بتصدير الثورة إلى خارج حدود الجغرافية الإيرانية، وتبقى هذه عقيدة لا تتغير بتغير القادة، وإنما بتغيير النظام كاملا"، مستدركا بقوله "حتى لو تظاهر الإيرانيون بتغير سياستهم بعد موت خامنئي، فإن ذلك لن يستمر طويلا، وسيعود مشروع تصدير الثورة للسياسة الإيرانية بعد وقت ليس بطويل. صراع الإصلاحيين والمحافظين من جانبه، أكد المحلل السياسي ورئيس مركز الأحواز للإعلام والدراسات الاستراتيجية، حسن راضي، وجود خلاف حاد بين أجنحة السلطة في إيران، حول من يخلف خامنئي، إضافة إلى الخلافات التي تدور في الأوساط السياسية الإيرانية حول الشخصية التي سترأس مجلس خبراء القيادة في الفترة المقبلة. وسبق أن أعلن رئيس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني عن نيته ترشيح نفسه للمنصب في حال ترشح من ليس له أهلية. وأضاف راضي "جناح الإصلاح المعتدل في هذا المجلس يدعم هاشمي رفسنجاني، ولا ننسى أن مجموعة من أعضاء المجلس البالغ عددهم 86 عضوا كانوا وجهوا رسالة إلى رفسنجاني، طالبوه فيها بترشيح نفسه لهذا المنصب المهم في هذه المرحلة الحرجة من عمر النظام. وخوفا من ترشح رفسنجاني لهذا المنصب شن المحافظون هجوما واسعا وشرسا عليه في الصحف الموالية لخامنئي، واتهموه ب "دعم الفتنة التي استهدفت النظام"، في إشارة إلى المظاهرات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية عام 2009، عقب تزويرها لصالح الرئيس السابق أحمدي نجاد. وشبه رفسنجاني جناح المحافظين الذي يعرقل التوصل لتسوية حول ملف إيران النووي، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقد أثارت هذه التصريحات ضجة واسعة في البرلمان الإيراني وفي أروقة المؤسسات التابعة للجناح المحافظ وفي الصحافة الإيرانية. سياسة التوريث وقال راضي "إيران تمر بمرحلة بالغة الحساسية من عمر نظامها، حيث برزت قضايا عدة وملفات مهمة على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي، في الوقت الذي بدأ يبرز من جديد الصراع داخل النظام وتتشكل تيارات جديدة على الصراع التقليدي بين تياري المحافظين والإصلاحيين، مثل تيار الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي دفع به ليكون حلقة الوسط بين التيارات المتصارعة، كونه محافظا معتدلا ومقبولا من قبل المحافظين، ومدعوما من قبل المعسكر المتشدد وبالتحديد من المرشد الأعلى، والحرس الثوري، والاستخبارات بعدما قضي سنين طويلة يرأس مجلس الأمن القومي الإيراني. وهو أيضا مدعوم من قبل الإصلاحيين، وكل من يعارض سيطرة المحافظين في البلاد. إلا أنه وقبل مرور نصف دورته الرئاسية، بدأ المتشددون حملة إقالات وتضييق على وزراء حكومته ومقربيه. فأقال البرلمان الإيراني ذو الأكثرية المحافظة وزير العلوم، واستجوب وزراء آخرين بغية محاصرة حسن روحاني وتضييق الخناق عليه وعلى وزراء حكومته". وشدد راضي على أن الحرس الثوري الإيراني كذراع عسكرية عقائدية تابعة لخامنئي وتتحرك بأوامره، يلعب دورا مهما ورئيسا في كثير من القضايا السياسية في إيران، فهو المسيطر على الاقتصاد والبرلمان ومعظم مؤسسات النظام. لكن تبقى كلمة الفصل في كل القضايا الداخلية والخارجية بيد خامنئي، فهو الذي يحدد الخطوط العريضة لسياسة النظام، ويعطي الضوء الأخضر لكل حركة، داخلية كانت أم خارجية، وقد يكون لقياداته دور كبير في اختيار خليفة خامنئي. وأشار راضي إلى نجل خامنئي الأكبر، مجتبى، أبرز شخصية لخلافة أبيه، مؤكداً أن خامنئي كان يهيئ الأجواء لذلك الأمر. لكن جرت الرياح بما لا تشتهي سفنه. ففي مظاهرات عام 2009، خرج الإيرانيون في مظاهرات شملت طهران ومدنا أخرى، كان أبرز الشعارات التي رفعت فيها تندد بديكتاتورية خامنئي ومحاولته توريث ابنه. وكان لتلك المظاهرات والغضب الشعبي دور في إجبار النظام على إخفاء محاولاته الرامية إلى تهيئة نجل خامنئي لوراثة أبيه في منصب المرشد الأعلى، بعد وفاته أو حتى خلال حياته. معركة كسر العظم وتابع راضي "مع أن هناك أسماء عدة مرشحة لخلافة خامنئي في منصب "الولي الفقيه"، وفرص نجاحها من عدمه تعتمد على من يسيطر ويهيمن على مجلس خبراء القيادة، الذي يعين من يخلف المرشد بعد وفاته. إلا أن هناك صراعا حقيقيا على رئاسة مجلس الخبراء، يتمثل في الجناح الإصلاحي بزعامة هاشمي رفسنجاني، وهو أبرز وأقوى شخصية من الإصلاحيين داخل المجلس وخارجه. وهناك أسماء عدة من الجناح المحافظ، أبرزها محمد مصباح يزدي، ومحمد يزدي، وموحدي كرماني، وهاشمي شاهرودي، ومبين وجنتي". ويرى راضي أن شاهرودي وجنتي هما أبرز الشخصيات وأكثرهم حظا للوصول إلى رئاسة مجلس خبراء القيادة. وأشار راضي إلى وجود محاولات حثيثة لعودة أحمدي نجاد لساحة السياسية من جديد. وتصدياً لاحتمال عودته تحرك تيار المحافظين لمضايقته، حيث أدخل نائبه الأول رحيمي السجن لمدة خمس سنوات، بعد إدانته بتورطه بملف سرقة الأموال واستخدامها بشكل غير مشروع في فترة رئاسة نجاد. كما عادت من جديد قضية الفساد المالي وسرقة مليارات الدولارات من أموال العامة في أوساط رموز النظام لتتبدل إلى قضية تصفية حسابات سياسية بين أجنحة النظام المتصارعة. كما تشهد الساحة السياسية الإيرانية صراعا حول كيفية التعامل مع الملف النووي من جهة، وحدود العلاقة مع الولاياتالمتحدة الأميركية من جهة أخرى. وأردف راضي بقوله: "في ظل هذه القضايا والملفات الداخلية والدولية، أثقلت إيران كاهلها بسبب تدخلها السافر في العراق وسورية واليمن، ما كلف اقتصادها الهش مليارات الدولارات، نتيجة تسليحها للمليشيات وشبكات التجسس. في ظل هذا الوضع المعقد للنظام والصراع والخلاف على القضايا الداخلية والدولية يواجه النظام مشكلة حقيقية في التخطي من انتخاب رئيس لمجلس خبراء القيادة وبالتالي تعيين خليفة خامنئي. سياسات راسخة واستبعد راضي توقف سياسة التدخلات الإيرانية في البلاد العربية، مرجعا ذلك إلى أن سياسة تصدير الثورة إلى بلاد المنطقة وتوسيع النفوذ ركن في السياسات الإيرانية، حيث بدأت طهران تدخلاتها في شؤون الدول العربية منذ بداية تأسيس هذه الدولة على يد رضا البهلوي في بدايات القرن الماضي، حين احتلت الأحواز والإمارات الأخرى على الضفة الشرقية للخليج العربي، وأهمها إمارة القواسم والبوعلي والمرازيق وغيرها، مما سهل تدخلاتها واحتلالها في الضفة الغربية، حين احتلت الجزر الإماراتية الثلاث، أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى في بداية السبعينات من القرن الماضي. وبعد سقوط نظام بهلوي، ومجيء الخميني إلى السلطة بدعم غربي، انتهج النظام الحالي نهج وسياسة النظام السابق نفسها، وشن حربا ضروسا على العراق بهدف تصدير الثورة واحتلال الدول المجاورة. بعد فشل إيران في الحروب المباشرة لاحتلال الدول العربية آنذاك. ولفت راضي إلى اعتماد النظام سياسة الطائفية وتأسيس أحزاب ومليشيات تابعة له في الدول العربية بتنسيق غربي، واستطاع تحقيق ما كان يطمح إليه في حربه التي استمرت ثماني سنوات ضد الدول العربية في الفترة الممتدة من 1980 إلى 1988. كما استبعد تأثر سياسة إيران في مناطق الشعوب المحتلة بما فيها الأحواز بغياب خامنئي، عازياً ذلك إلى عدم اعتماد تلك السياسات على شخص أو تيار في النظام، بل إنها سياسة واستراتيجية ثابتة للدولة الفارسية الحديثة، التي بنيت على حساب تلك الشعوب وسيادتهم. مضيفا أن التغيير في تلك السياسة يعتمد على التحرك الجماهيري المنظم لتلك الشعوب لإضعاف النظام وإجباره على التراجع مرغما أمام مطالب الشعب العربي الأحوازي والشعوب الأخرى في خارطة إيران السياسية. واختتم راضي حديثه قائلاً "إذا حدثت متغيرات حقيقية بعد وفاة خامنئي في البنية الداخلية للنظام وترافقت مع تحركات شعبية في الأحواز والمناطق الأخرى للشعوب، في ذلك الوقت سيجبر النظام على التراجع ويسلم لمطالب الشعوب المشروعة". مواد من الدستور الإيراني نصت المادة الخامسة من الدستور الإيراني على أن ولاية الأمة تؤول إلى أعدل، وأعلم، وأتقى رجل في الأمة، ليدير شؤون البلاد وفق ما جاء في المادة (107) من الدستور، ونصت المادة نفسها على تساوي المرشد مع عامة الشعب أمام القانون. ومؤهلات المرشد هي: العلم، والعدالة، والمروءة، والفقه الواسع بظروف العصر، والشجاعة، والفطنة، والذكاء، والقدرة على إدارة الأمور. ويحظى الولي الفقيه الذي تطلق عليه الصحافة العربية مسمى "المرشد الأعلى" بصلاحيات دستورية واسعة، بدءا من القيادة العامة للقوات المسلحة، وتعيين رئيس السلطة القضائية، والمصادقة على صلاحيات رئيس الجمهورية بعد انتخابه، وتعيين رئيس مجلس صيانة الدستور، ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام. كما يحق له إلغاء قرارات البرلمان وإعلان الحرب والسلم، فهذه الصلاحيات في مجملها تجعل غياب المرشد يحدث فراغا في غاية الدقة والحساسية في إيران. يتم انتخاب المرشد الأعلى من قبل مجلس الخبراء "المنتخب من قبل الشعب"، وكان الخميني أول من أنيطت به ولاية الفقيه إلى أن توفي عام 1989 فتولى المرشد الحالي علي خامنئي هذا المنصب. وينسق "مكتب المرشد الأعلى" نشاط الولي الفقيه وظهوره أمام الناس، وهو مكون من أربعة أعضاء، يشترط أن يكون كل منهم "حجة الإسلام" أو "آية الله". وللمرشد الأعلى أكثر من ألفي ممثل، أغلبهم برتبة حجة الإسلام، ينتشرون في كل الوزارات وفي مؤسسات الدولة، وفي المراكز الثقافية داخل إيران وخارجها، وفي محافظاتإيران الثماني والعشرين. ويمكن لمجلس الخبراء- دستوريا- أن يعزل القائد من مهامه في إحدى الحالتين التاليتين: في حال عجزه عن أداء واجباته الدستورية، وفي حال فقدانه صفة من صفات الأهلية التي نصت عليها المادتان (5) و(109) من الدستور، أو إذا تبين أنه لا يملك تلك الصفة من الأساس.