حينما أكتب عن أمر ما فليس القصد أبدا التعميم ولا التخصيص بل الأمر على إطلاقه من أن هناك فئات هي من نتحدث عنها وليس الكل.. لذا حين أتحدث عن أي أمر فليضع الكل ميزانه ويرى مكانه. وحين أتحدث عن هذه الإنسانة فأنا لا أنسج قصة من خيال بل هي واقع رأيته بعيني حين وقعت عيني على طالبات حرصن في نهاية حفل تخرجهن على الاتجاه لامرأة في عقدها الستيني أو أكثر.. رأيت مشاعر تفيض بدموع ودعاء ويالجمال ذلك المشهد، فاستفسرت عن الأمر فعلمت أنها معلمتهن من المرحلة الابتدائية والتي تابعت أخبارهن حتى نهاية المرحلة الثانوية وحرصت على الحضور لمن تواصل معها حتى ترى نتاج ثمار غرسها، تحدثت مع الفتيات ففاضت مشاعرهن وأكدن بصوت واحد أنها ليست معلمة بل أم تجسدت في مهنة كان ليومهن النصيب الأعظم منها.. زرعت وغرست وأدبت وتابعت وتفانت حتى حان موعد رحيلها لبلدها الأم وقد حمدت الله على تأدية الأمانة كاملة وختمتها بالاطمئنان عليهن ومشاركتهن فرحتهن. لم تسع للتميز والظهور، لم تسع للمنصب والجاه، لم تسع للذكر والنشر والاعلام، بل سعت لبقاء ذكرى طيبة لها بين من علمت لأنها تعلم أن البقاء لهذا الأمر وليس لمنصب وجاه ومكانة فكانت الامانة وكانت النهاية. ومع ذلك في مكان آخر أرى العجب من العديد ممن تلقى العلم على يد الوافدين من أي جنسية عربية وفي أي مجال كان حين يلقي بالعبارات التي تقلل من شأن هذا المعلم ويتفنن في إلقاء جميع أنواع الدعابات ،ناهيك عن ذكره بالسوء حين يُسأل عنه وعن عطائه من قبل تلاميذ جدد.. فيبدأ بالتحذير والسب والتنقيص من شأنه لمجرد أنه انتقل لمرحلة علمية أعلى متناسياً أن هذا المعلم قد سقاه علماً لم يكن يعلمه واضاف له معرفة لم تكن سُطرت في ذهنه أو عُرفت من قبل، والعجب الأكبر أنه يمتدح الأجنبي (الذي لا يتحدث اللغة العربية) ويفتخر بأنه استقى العلم منه بل ويصفه بالعادل والمساوي بالتعامل والأمين بالعطاء بالرغم من أنه فعل ما يفعله الوافد العربي؟؟؟ يُرْوَى عَنْ مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قوله : ..... وَتَعْلِيَمهُ مَنْ لا يَعْلَمُ صَدَقَةٌ وَبَذْلَهُ لأهْلِهِ قُرْبَةٌ ) حتى قال ( .. وهو إمامٌ والعَمَلُ تابعُهُ يُلْهَمُهُ السُعداءُ وَيُحْرَمُهُ الأَشْقِياءُ) وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه (من حق العالم عليك أن لا تكثر عليه السؤال ولا تفشين له سرا ولا تغتابن عنده أحدا ولا تطلبن عثرته وإن ذل قبلت معذرته وعليك أن توقره وتعظمه لله مادام يحفظ أمر الله ولا تجلسن أمامه وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته). قال أمير الشعراء أحمد شوقي : قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا ( وتعليمه من لا يعلم .. صدقة )،( من أشرف ممن بنى وأنشأ عقلك بعد الله سبحانه وتعالى )،أيكفي هذا أم أدركنا الآن أن من أسقانا العلم يستحق أن يُكرم ويُحفظ في حله وترحاله. اتقوا الله فيمن سقاكم العلم منذ نعومة اظفاركم حتى أصبحتم ما أنتم عليه.. فإن لم تفعلوا له خيراً فأقل الأمر ألا تذكروه بشر. فاحترام المعلم دليل على حسن التربية وأصل الخلق الطيب.