تستعد إيران للحرب كأنها وشيكة، وهي تدرك أن عليها هذه المرة أن تدافع عن أراضيها، بنفسها وبشكل مباشر، وعدا الحوثيين في اليمن لن تتلقى أي دعم أو إسناد من وكلائها الآخرين في لبنانوالعراقوغزة. تلقت طهران أخيرًا رسالة من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في شأن التفاوض للتوصل إلى اتفاق نووي جديد «خلال مهلة شهرين»، وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إن الرسالة هي «عبارة عن تهديد، لكنها تزعم أن فيها فرصًا أيضًا». لم يعط إيضاحات إضافية، علمًا أن ترمب وعددًا من أعوانه قالوا تلميحًا وتصريحًا «إما اتفاق مع إيران أو عمل عسكري ضدها». ينطوي ذلك على جانب كبير من المناورة والتهويل اللذين يضفيان غموضًا على الهدف الحقيقي لواشنطن: أهو الاتفاق الذي ينصح به عدد من مسؤولي الإدارة والحلفاء الأوروبيون فضلًا عن موسكو وبكين، أم العمل العسكري الذي تحرض عليه إسرائيل وآذانها الصاغية في البيت الأبيض والبنتاغون. في المقابل، تستعد إسرائيل لضرب إيران وكأنه استحقاق حاصل لا محالة. ثمة مشاورات مُجدْوَلةٌ هذا الأسبوع بين الأمريكيين والإسرائيليين حول الملف الإيراني، في انتظار رد طهران على الرسالة. وكان بنيامين نتنياهو صرح بأن إسرائيل حصلت على الأسلحة التي تحتاجها «لإنجاز المهمة في إيران». قبل ذلك، كانت معلومات سُربت عن أن نتنياهو تمكن من إقناع ترمب وفريقه بالأهمية الإستراتيجية لمهاجمة إيران استكمالًا للإنجازات العسكرية الإسرائيلية في غزةولبنان وسوريا، وبأن ثمة فرصة سانحة لضرب المنشآت النووية استنادًا إلى الدروس والنتائج التي حققها الهجوم الإسرائيلي (أكتوبر 2024) على مواقع عسكرية ومصانع للأسلحة في محافظاتطهران وخوزستان وإيلام. غير أن خطط أي هجمات مقبلة وأهدافها ستكون مختلفة، إذ إن إدارة جو بايدن كانت حظرت على إسرائيل أن تتعرض للمنشآت النفطية والنووية، وهي قيود قد لا تصر إدارة ترمب عليها. ليس واضحًا حتى الآن شكل المفاوضات التي يقترحها ترمب، لكن الفكرة الشائعة أنه يريدها أمريكية- إيرانية، ولكي تنجز خلال شهرين ينبغي أن تكون مباشرة، وهو ما لا تزال طهران ترفضه. وفي مواقفه الأخيرة وصف المرشد علي خامنئي العروض الأمريكية بأنها مجرد «خداع» ورد على التهديدات بأنها «لن تحقق للأمريكيين أي نتيجة» وأنهم «إذا فعلوا أي شيء خبيث ضد الأمة الإيرانية فسوف يتلقون صفعة قاسية». وتعتبر طهران أن معاودة سياسة «أقصى الضغوط» لا تنم عن رغبة في اتفاق جديد، كما أن أن الرزم الأربع من العقوبات الجديدة ترمي إلى وقف صادرات النفط إلى الصين، وهو حاليًا أهم شرايين الحياة للاقتصاد الإيراني. أما لماذا «مهلة الشهرين» فلأن الجانب الأمريكي يعتبر أن البنود النووية نوقشت في المفاوضات مع الإدارة السابقة، وأن الإدارة الحالية تركز تحديدًا على تقييد البرنامج الصاروخي، أما ملف السياسات الإقليمية لإيران فتراجعت أهميته ميدانيًا بعدما ضربت إسرائيل ميليشياتها في غزةولبنان وسوريا ويجري الآن الحد من خطورة تلك التي في العراق. بعد ثلاثة أيام على وصول رسالة ترمب إلى خامنئي، باشرت طائرات أمريكية شن هجمات غير مسبوقة على مواقع للحوثيين في مختلف مناطق سيطرتهم، وأرفقتها واشنطن بتحذيرات متكررة لإيران بوجوب وقف دعمها لهذه الجماعة واعتبارها مسؤولة عن هجماتها ضد السفن في البحر الأحمر. ثم أعلن البنتاغون أن الغارات تتوقف فور إعلان الحوثيين وقف هجماتهم هذه، لكنهم على العكس سعوا إلى الرد بقصف (لم يؤكد) لإحدى حاملات الطائرات، كما استأنفوا إطلاق صواريخ ضد إسرائيل، كما فعلوا قبل وقف إطلاق النار الذي أسقطته إسرائيل بسلسلة مجازر ضد المدنيين في قطاع غزة. وبطبيعة الحال وضعت إيران هذا التحدي في سياق الاستفزاز والضغوط على المفاوضات المفترضة، ومهما حرصت على الديبلوماسية في ردها على رسالة ترمب فإنها ستصر على المنهجية التي ترتئيها للتفاوض، خصوصًا أن موسكو حذرت بأنه لا يمكن تحديد مصير الاتفاق النووي من دون روسياوالصين. ويرجح أن يكون لبريطانيا وفرنسا وألمانيا، الدول الأخرى الموقعة على اتفاق 2015، موقف مماثل، لكنها تفضل مراقبة التطورات للتأكد من أن التوجه نحو التفاوض جدي. لم تفصح طهران أيضًا عن «الفرص» التي يعرضها ترمب، لكن خبراء المفاوضات مع إيران يعتقدون أن أي فرص «مغرية» لا بد أن تتعلق بتخفيف العقوبات أو رفعها، كذلك بحوافز اقتصادية وتكنولوجية، فأحد أهم مآخذ ترمب والجمهوريين على الاتفاق النووي السابق أنه لم يفتح أي أفق لصفقات أمريكية مع إيران. لكن الاختلال في معادلة «التهديدات والفرص» يبقي إيران في مربع مواجهة قد لا تكون متكافئة، فهي تريد التخلص من العقوبات والحفاظ على خطها الأيديولوجي ونظامها الذي تشكل القطيعة مع «الشيطان الأكبر» أحد مصادر قوته. * ينشر بالتزامن مع موقع «النهار العربي»