أنهت بعثة صندوق النقد الدولي زيارتها السنوية لتقييم أداء الاقتصاد السعودي بداية هذا الشهر، وجاءت توصيات دراسة البعثة متوافقة مع آراء المحللين، بحيث سيتأثر إجمالي عوائد الصادرات بالهبوط الحاصل في أسعار النفط بشكل كبير، ولكن على الرغم من ذلك سيكون التأثير على أداء باقي القطاعات الاقتصادية محدودا في العام الجاري؛ نتيجة للعديد من المصروفات الحكومية المدفوعة لمرة واحدة، ولذلك فإن النمو الحقيقي المتوقع في إجمالي الناتج المحلي للعام 2015 سيراوح 3.5%، في حين أن تبعات انخفاض أسعار النفط ستبدأ في التأثير على نمو إجمالي الناتج المحلي في العام المقبل بحيث يكون منخفضا إلى 2.7%. الأثر المحدود لانخفاض أسعار النفط انعكس على الاحتياطي العام للدولة، والذي انخفض في الشهور الأربعة الأولى من العام 2015 بما يقارب 180 مليار ريال، بالإضافة إلى 100 مليار ريال أخرى في مخصصات المشاريع المرصودة، وبذلك تكون الحكومة السعودية قامت بسحب نحو 20% من إجمالي احتياطاتها النقدية، الأمر الذي يتوقع أن يستمر على مدى العام الجاري؛ نظرا لأن العجز المتوقع في ميزانية هذا العام سيصل إلى 20% من إجمالي الناتج المحلي، بحيث يفوق العجر المتوقع في الموازنة بنحو 4 أضعاف، ليسجل عجزا قياسيا عند 550 مليار ريال. أهم النتائج التي سيترتب عليها تسجيل هذا العجز القياسي ستبدأ في الظهور في العام المقبل، فالانخفاض المتوقع في نمو الناتج المحلي في العام 2016 سيأتي في مجمله من ترشيد النفقات الحكومية؛ ولذلك تبرز الحاجة لمعالجة شاملة للسياسة النقدية ولوسائل تمويل العجز، بالإضافة إلى المشاريع الحكومية ومشاريع القطاع الخاص. ترشيد النفقات لا بد أن يبدأ من مراجعة سياسات دعم الطاقة التي أكدت دراسات الصندوق أنها تصب في مصلحة الأثرياء أكثر من أن تكون دعما لطبقات الدخل الدنيا، أما فيما يخص أدوات التمويل، فتبرز الحاجة الماسة إلى إصدار أدوات دين حكومية، ليس فقط لتكون مصدرا لتمويل العجز، إنما لتبدأ في تعميق أسواق الدين وزيادة الإقبال عليه، بالإضافة إلى توفير السعر الاسترشادي الذي ستبنى عليه تسعيرة الصكوك المصدرة من قبل القطاع الخاص. السعودية بدأت في رسم ملامح سوق الصكوك والسندات الذي باتت الحاجة إليه ملحة أكثر من أي وقت سابق، فمع فتح أسواق المال للمستثمر الأجنبي سيبدأ الطلب على أدوات الدخل الثابت الاستثمارية في التزايد. كما أن مؤسسة النقد تستمر في زيادة الضوابط على المصارف؛ لتخفيف مخاطر تركز قروضها لدى كبريات شركات القطاع الخاص، وهي بذلك تدعم الاقتصاد بطريقتين، فهي تحد من مخاطر البنوك، وتدفع الشركات إلى التوجه إلى إصدار الصكوك، كما أنها تدفع المصارف نحو تمويل شركات ومشاريع أصغر لتوسيع قاعدة تمويل الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. النجاح في مراجعة سياسات دعم الطاقة وبناء أسواق الدين سيعملان على دعم الاقتصاد السعودي في مواجهة أسعار النفط المتدنية، ولكن يبقى تحدي تنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط قائما.