كثير من الناس يحرص على تربية سلوكه، أو سلوك من يرعاه ويراعيه، ويركز كثيرا على تهذيب هذا السلوك، وتأديب تلك النفس، وجبّلها على اتباع القيم الفاضلة، وفعل التصرفات القويمة، وتطبيع الذات على الأخلاق الحميدة.. وتبدأ مثل تلك التربية بمراقبة السلوك، ومتابعة الفعل ورده.. بل ان كثيرا من الأطروحات تتحدث عن تغيرات السلوك والتصرفات وملاحظتها؛ لأنها قد توحي بتغيرات في الشخص أو مرض، أو انحراف، أو غيرها.. ويحكم الكثيرون على الفرد ويحاكمونه من خلال سلوكه، وأفعاله، وأحواله، وتصرفاته.. وينسبون كثيرا من المشكلات التي تصيبه ويرجعونها إلى خلل في سلوكه بالذات.. وفي خضم ذلك يتناسى بل ويتجاهل كثير من الناس قيمة الفكر، وقدراته، ومضامينه، ومهاراته ولا يبالي البعض بالفكر ويهتم به كما يجد في السلوك والفعل.. بل يخلط الكثير حين يحكمون على سلوك خاطئ، أو تصرف سيئ بأنه "غير عقل" وهنا فيرجع فورا إلى العقل مع أنهم لا يعرفون ماذا يمكن أن يعني العقل والفكر قبل السلوك.. ما وددت الذهاب إليه هو أن كل راع ومسؤول عن رعيته لا يحاول اختبار الفكر لدى من يعولهم، ولا يحاول أن يسمع منهم أفكارهم وطرحهم، ولا يفكر بما في أذهانهم، ولا يلتفت إلى سلامة الفكر كما يحرص على سلامة السلوك.. بسبب ان الفكر هو باطني مضمور ومستور، أما السلوك فهو ظاهري مشهود وملحوظ لذا ترك البعض وأهمِلوا فسلبت عقولهم بقناعات منحرفة، وأفكار ملوثة.. حين يسمع المتلقي أن داعش السوء والإفساد ضمت جنسيات مختلفة ومن بلاد غربية متحررة.. وحين شاهد الجميع ودهش من صبيان أعمارهم 15 سنة تم "تدعيش" فكرهم، واستحوِذ على عقولهم.. تساءل الكل كيف تم إقناع هؤلاء وهم يحملون كثيرا من الطفولة ولم يصبحوا حتى شبابا.. لم تكن هناك إجابات وافية وشافية.. وقام البعض يرمي على كل جهة.. تعليم.. منابر إعلامية.. منابر الخطب.. ظروف اجتماعية.. اتصالات شخصية.. رفقة السوء. ولم يتحدث أحدهم عن ماذا كان سلوكهم الذهني لا سلوكهم الجسدي، حيث كانوا أمام أهاليهم يبدون طبيعيين في مظهرهم ولكنهم يخفون الكثير بباطنهم.. لماذا لم يتم اكتشافهم لأن الفكر لا أحد يتلمسه، ولا يحسه، ولا يختبره.. وفيما يخص هؤلاء الصغار لم يحرص البعض على تهذيب فكرهم كمسؤول، وكذلك فكر أولاده، وأسرته كما يحرص على تأديبهم خلقيا.. حيث تركوا خلف قذائف المحتوى الإعلامي الغزير بلا رقيب ولا حسيب.. وتركوا يمرحون ويسرحون بلا مساءلة ولا حوار.. ولم يستفهموا منهم ماذا تعلموا ومن علمهم وأين تعلموا.. وكم استغرقوا من الزمن لينحرفوا فكريا؟.. وكيف تواصلوا مع قادة الفكر الضال ولم يعرف أقرب الناس لهم؟ وتستمر التساؤلات كيف لشخص من غير بلادنا استطاع أن يقنع أبناءنا بأن يؤذوا وطنهم ومجتمعهم ويرفض تنفيذ أي أمر في بلادهم؟.. وما وسيلة التواصل التي كانت متاحة؟ ختام القول: حالة «التدعيش» لم يكن مدخلها إلا الفكر الذي احتاج إلى مصدر "مرسل".. ومحتوى.. ووسيط.. وتأثير.. وبحول الله وقوته لا نحتاج بالفعل إلا لفهم ما يجري بعمق فيما ذكرت من مداخل؛ للتعامل معها بدقة وقوة.. ولا يحتاج المسؤول في بيته إلا لتأديب العقل، وتهذيب الفكر، ومراقبة السلوك، واستيعاب الشخص.. ولا نحتاج إلا لإدراك بماذا، وكيف يفكر أبناؤنا.. وماذا ينقصهم فكرا، وهل لديهم جوع فكري ليتم تغذيتهم.. في ظني حين يكون الفكر هو السبب يكون هو الحل.. مستشار ومدرب إعلامي