كان للتطورات الاقتصادية المتلاحقة في دول العالم دور مهم في توجه العديد من الحكومات نحو إيجاد صيغ تمويلية حديثة للتوسع في إقامة مشاريع البنية التحتية والمرافق العامة عن طريق الاعتماد على الشراكة مع القطاع الخاص، وقد كان لهذه التطورات أثرها الفاعل في زيادة الاهتمام بالعقود الإدارية لإشباع احتياجات الأفراد في إطار مرافق البنية الأساسية، وهذا ما أدى إلى ظهور أنواع متعددة من العقود من بينها عقود البوت. إذ إن اهتمام الحكومات بتبني هذا التوجه يرجع لأسباب اقتصادية مجدية سوف نتطرق إليها في هذا المقال القصير، ولكن أهمها هو توظيف أموال القطاع الخاص لتمويل هذه المشروعات، مما يعني أن الحكومة تحافظ على أية سيولة في حوزتها إما لاستثمارها أو للجوء إليها في الحالات الطارئة. ومصطلح البوت (B.O.T) هو اختصار للكلمات الإنجليزيةBuild, Operate and Transfer وتعني البناء والتشغيل وتحويل الملكية، وهذه الكلمات الثلاث تمثل المراحل اللازمة لتنفيذ عقود البوت. وهناك العديد من المشاريع الهائلة التي تم تنفيذها عن طريق البوت ومن أشهرها مشروع نفق المانش بين فرنسا وإنجلترا. وهذه النوعية من العقود تعني أن يعهد المالك سواء أكان جهة حكومية أو غير حكومية إلى القطاع الخاص إنشاء وتشييد بعض المشاريع التي تؤدي خدمة أساسية أو تلبي بعض الاحتياجات العامة للأفراد على أن يقوم القطاع الخاص (المتعهد) بدفع جميع النفقات مقابل حق الاستغلال لهذا المشروع مدة زمنية محددة تشابه فترة الامتياز تمكنه من استرداد التكاليف التي صرفها لتشييد المشروع والحصول على هامش ربح معين، على أن يقوم في نهاية المدة المتفق عليها بتسليم المشروع للحكومة بحالة جيدة وقابلة للاستمرار. ويفهم من هذا أن عقود البوت هي صورة من صور الشراكة بين القطاعين العام والخاص تتولى فيه شركة القطاع الخاص - التي يطلق عليها شركة المشروع أو المستثمر - إنشاء وتمويل مشاريع البنية التحتية والمرافق العامة وتشغيلها وإدارتها بهدف تطوير منظومة الاقتصاد الوطني. وإذا كان المالك في مشروع البوت هو الحكومة فإن هذا الأسلوب يخفف الأعباء المالية والإدارية عن الموازنة العامة للدولة ويمكنها من توفير الخدمات اللازمة لجمهور المنتفعين -عن طريق القطاع الخاص- خلال مدة زمنية وشروط محددة يتم الاتفاق عليها، على أن تخضع عملية الإدارة والتشغيل وكافة مراحل تنفيذ العقد لرقابة الحكومة أو الجهة المتعاقدة. وتتجه العديد من الدول الصناعية الكبرى أو الدول النامية على حد سواء نحو إبرام عقود البوت، نظراً لأهمية هذه العقود وما تقدمه من حلول ناجعة لمشكلة تمويل مشروعات البنية التحتية، فعن طريقها تستطيع الحكومة الحصول على العديد من المشروعات الحيوية دون أن تلجأ إلى الاقتراض أو زيادة الانفاق الحكومي. وهناك العديد من الأمثلة والنماذج التطبيقية لهذه العقود منها عقود محطات المياه والكهرباء والصرف الصحي وعقود أخرى في مجالات النفط والغاز الطبيعي وخدمات النقل المختلفة كالمطارات الدولية والكباري والسكك الحديدية وغيرها. ومن الأهداف التي يتم تحقيقها عن طريق عقود البوت استعادة القطاع العام للمشاريع التي يتم تشييدها بواسطة القطاع الخاص، وتقديم الخدمات في أفضل صورة ممكنة نتيجة لتمتع شركات القطاع الخاص بخبرات طويلة ومتراكمة تفوق خبرات القطاع العام، وكذلك إعداد الكوادر المدربة وتطوير الخبرات الفنية الوطنية. وختاماً فإن هذا الأسلوب وغيره من الأساليب المشابهة لتنفيذ المشروعات يبدو مناسباً وجاذباً لدول مجلس التعاون خصوصاً خلال هذه الفترة التي انخفض فيها دخل الدول نتيجة لتراجع أسعار النفط مما يعني الحفاظ على السيولة التي بحوزتها لأغراض أكثر أهمية كاستثمارها على سبيل المثال لا الحصر في صناديق للأجيال القادمة. وسوف نكمل الحديث حول هذا الموضوع في المقال القادم والذي يليه إن شاء الله عن التزامات شركة المشروع في كافة مراحل عقود البوت وعوامل نجاح هذه العقود والمخاطر التي تلحق بها وكيفية مواجهتها. المحامي والمستشار القانوني