الحياة الصاخبة تشغلك عن نفسك وتشغل الناس عن الناس! والأدهى من ذلك هو انشغال الناس بضجيج الحياة وانشغالهم بأنفسهم! حقد..حسد..تتبع الزلات والعثرات.. تفسيرات خاطئة مبنية على الأوهام إلخ.. من المفترض مع هذا الكم الهائل من التطور هو انشغالنا بالأدوات واكتشاف الجزيرة الجديدة في دواخلنا وكذلك في هذا العالم الصغير، صديقي إن العالم لم يكبر... جغرافية الحدود تقاربت حتى تكاد الأوطان تلتصق ببعض، سهل علينا البحث والاكتشاف حينما نبحث عن شيء في النت أو نسعى بقدمينا على الأرض الصغيرة، صدقني يا صديقي الأرض لم تعد الأرض... أوطاننا لم تعد إقليمية. بل نحن جيران في القرب والعلم والمستجدات والأحداث الجديدة والسريعة، ومازال بيننا من يفضل أن نبتعد في القلوب، فهو يسبح عكس التيار ويمشي بقاربه عكس الرياح! أتدري ما الذي وقفت عليه واكتشفته؟ هو.. فن المسافات، ابتعد قليلا كي تهدأ وتعالج امورك ثم ارجع بنشوة للحياة من جديد، قرأت خبرا في صحيفة «سبق» عن الرجل الأمريكي الذي استقال من وظيفته ليبني بيتا فوق شجرة عظيمة ويعيش كالصقر (في نظري) في الريف تاركا للناس ضجيجهم وتصنيفهم وفرض آرائهم وغطرستهم وتدخلاتهم في حياة الشخص إلزاما! فاشترى الرجل راحة باله، راحة البال ليست بغالية بل أرخص مما توقع، أحيانا يجمل بنا الابتعاد عن الحياة كي تهدأ ونهدأ، نجدد العلاقات مع الصحب والأهل إلخ، أيها الأكارم من يدلني على بيت الرجل الأمريكي لكي أجلس معه وارتشف الشاي معه قبل الغروب فوق الشجرة في مناطق الريف لعلني أقنعه أن يعطي دورة تدريبية للعالم بعنوان طويل مفاده هو: أكون طيرا حرا.. كيف أؤمن بقناعاتي تاركا سخرية البشر خارج دائرة حياتي..كيف نجدد هواءنا بالابتعاد عن الهواء الملوث الذي لوثه بعض أهل الأهواء والفسق والفساد، كيف أبتعد وأعيش وحيدا سعيدا غير مكترث بأن يطلقوا عليّ رصاص القول.. كيف أخبرهم أن بُعدي سياحة وخلوة وصفاء للقلب والهواء وحفظ للصداقة من التعفن، إن الرئتين تجبرانا أن نبتعد كي تصفو من الميكروبات المحيطة بنا، وفي زمن العالم الصغير يكفي أن هناك نافذة أسمها الإنترنت كفيلة بأن نشاهد العالم منها دون ضجيجهم والبحث عن إرضائهم والقرب الممل منهم. أيها السادة لقد طال العنوان على مدربنا الذي أمرته أن يقدم دورة بهذه المواضيع المتفرقة المُنصبة في بحر واحد ليتني أزوره فمن يصاحبني؟ ألقاكم على خير هناك في ريف الفكر والحياة.