منع بناء الغرف والجدران ب«البلوك» خلال التخييم في محمية الملك عبدالعزيز    35 قراراً ل «كوب 16» للحدِّ من تدهور الأراضي والجفاف    المملكة تستنكر قصف قوات الاحتلال مخيم النصيرات    العرب يقفون مع سورية وتحقيق تطلعات شعبها    3475 مخالفاً أحيلوا لبعثاتهم الدبلوماسية لاستكمال تسفيرهم    5 أسباب لحظر شبكات التواصل على المراهقين والأطفال    وجه جديد لموروث أصيل.. 17 صقّارة يخطفن الأضواء في مهرجان الملك عبدالعزيز للصقور 2024    إن العالم يتحول.. طموحات المتقاعدين    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو الرئاسي اليمني ووزير الدفاع ورئيس الأركان    المملكة تطلق دواءً لعلاج فقر الدم المنجلي    OpenAI تتحدى إيلون ماسك    روبوت يتواصل مع الزبائن    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يحضر الحفل الختامي للعرض الدولي السابع لجمال الخيل العربية الأصيلة    حدث مستدام    برشلونة يواجه ليغانيس من دون المدرب فليك    أبيض وأسود    القيادة تهنئ رئيس كينيا    14.9 تريليون ريال قيمة تعاملات المصرفية الإسلامية    100 مليون ريال لتسويق تطبيقات خدمات الشحن    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية في العالم    ضبط 19831 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    33 شكوى لحقوق الإنسان والدمام ومكة تتصدران    معرض جدة للكتاب يستهل برامجه برواية الانتهازي    ليالي أبوعريش تراث استثنائي    النرجسية في عالم العمل    تراث وهوية ثقافية    "نور الرياض "يتوهّج من "جاكس"بأعمال فنانين عالميين    الدحض    تأثير الاختيارات الغذائية على العمر    أطعمة تقصر العمر وأخرى تطيله    "الصحة العالمية": المملكة تخفض عدوى مجرى الدم في العناية المركزة أربعة أضعاف خلال أربع سنوات    رئيس البرلمان العربي: تسخير أدوات الدبلوماسية البرلمانية لدعم جهود الدول العربية والجامعة العربية في التعامل مع الأزمات الراهنة    رئيس هيئة الترفيه يعلن عن نزالات UFC القادمة ضمن فعاليات موسم الرياض    تايكوندو الحريق يجدد انتصاراته بكأس الناشئين    القبض على وزير الدفاع البرازيلي السابق    شركة أمريكية لإدارة الازدحام المروري    من يستخدم الآخر: التكنولوجيا أم الإنسان؟    ما زلت أحب    العدالة الاجتماعية.. قبل «العولمة».. !    تساؤلات حول سوريا الجديدة والجولاني..!    تأخير الدوام إلى ال 9 صباحًا بتعليم تبوك بدءًا من الغد    ملك الأردن يستقبل وزير الخارجية ولجنة الاتصال العربية بشأن سورية    أمير الرياض يتوج الفائزين بكأسَي ولي العهد للخيل المنتَجة محلياً وللإنتاج والمستورد    797 سلة غذائية و100 حقيبة إيوائية للمتضررين بسورية وأفغانستان    إيجابي    الإنسان والعِلم.. رؤية قرآنية لغاية الوجود    تشييع 7 جثامين في حادث سير بالأحساء    الرؤية تعيد تعريف دور المرأة    رعاية لأبناء القاصدين للمسجد النبوي    المملكة تسهل إجراءات العمرة.. والهدف 30 مليون معتمر من الخارج سنوياً    القوة الخاصة لأمن الطرق بالرياض تقبض على مقيم لترويجه مادة «الشبو»    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالصحافة يجري عملية تكميم ناجحة لمراجعة تعاني من تشوه «الأعضاء المعكوسة» النادر    المملكة وتنظيم كأس العالم 2034    بندر بن سلمان البداح كأس العالم 2034 حدث عالمي    أكثر من 1200 حالة وفاة بسبب جدري القردة في الكونغو الديمقراطية    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان للجيش اليمني    الرئيس التنفيذي ل«جودة الحياة» يناقش التعاون مع الأمم المتحدة    قائد القوات المشتركة يستقبل العرادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ظلال موسى.. الإنسان القلِق الخائف
نشر في الرياض يوم 23 - 10 - 2024

كلما تكرر سرد قصص نبي الله موسى في القرآن وتناول المواقف العصيبة والأحداث والنوازل التي خاضها ومر بها، كل ما أيقنت أكثر بأن المغزى والجدوى، هو خطاب متين ورسالة بليغة من الله القوي إلى الإنسان الضعيف، من مدبر الأمر، إلى القلِق حول تدبير الأمر، ولكنها رسالة غير مباشرة، عليك -أيه الإنسان- أن تربط معانياها وتغوص في بحرها حتى تصل إلى لؤلؤها ومرجانها ومغزاها الحقيقي، وذلك لن يكون إلا بالتدبر والاعتبار (لقد كان في قصصهم عبرة).
يستلهم المرء أن موسى منذ نعومة أظفاره وفي نشأته وخلال رشده، قد تعرض إلى العديد من المخاطر والمآزق التي تُخرج الإنسان من اليقين إلى الشك، ومن السكون إلى الانفعال، ومن التأني إلى العجلة والتسليم إلى القلق، والأمان إلى الخوف. وتلك هي طبائع الإنسان المحفورة في تكوينه، (إن الإنسان خُلق هلوعاً). وكأن الله أراد أن يخبرنا بأن موسى عليه السلام هو الإنسان، أي هو أنتم جميعكم أيه البشر، حتى نعتبر ونهذب طباعنا ونضبط أنفسنا ونسلم أمرنا.
بدأ الأمر عندما وضعته أمه في التابوت رضيعاً، ثم ألقته في اليم ليستهل رحلة الصعوبات ويمخر عُباب الاختبارات، ويصل إلى أيادي العدو في مشهد لا يمكن لقلب الأم الكبير أن يحتمله، فكل الأمهات قلوبهم تسع الكون عطفاً ورحمة، إلا إذا تعرض أحد أبنائها إلى خطر أو مُصاب فإنها تُمسي بقلب أضيق من ثقب إبرة، وذلك ما حدث، أصبح فؤاد أم موسى فارغاً إلا من ذكره والخوف عليه والقلق حول مصيره، ثم تأتي عناية الله عند القنوط ليربط على قلبها وتكون من الصابرين المؤمنين، بإرجاعه سالماً إلى أمه كي تقر عينها، فكلما اشتدت عُقد الكرب، فأبشر أيها الإنسان بحلول الانفراج والسرائر.
نشأ موسى بين يدي العدو الغاشم، في معقل الطغيان وفي قلب الخطر، ولكن الله حفظه وأحسن رعايته (ولما بلغ أشده واستوى آتينه حكماً وعلماً)، أدرك به أن قومه على ضلال وباطل، حتى حصل ما لم يكن في الحسبان، دخل المدينة ووجد رجلين يقتتلان أحدهما من جماعته والآخر عدو له، فدفع العدو دفعة أراد بها رد الظلم، ولكن الرجل مات من وكزته، (قال هذا من عمل الشيطان إنه عدوٌ مضلٌ مبين)، الشيطان عدو أزلي لك أيها الإنسان، هو من يسبب الشحناء والبغضاء وشعور السوء وتصرف السوء ويلوي النفس عن استقامتها، ويغطيها بظلام الهمزات والوسواس والقلق، والإدراك بهذه الفكره يصنع درعاً متيناً للإنسان بأن كل سوء لا يأتي إلا من الشيطان (يعدكم الفقر). جرت الأيام وانتشر خبر الواقعة، وأُفزع موسى أيما فزع (فخرج منها خائفاً يترقب)، خرج لينجو بنفسه غير مدركٍ بأنه يهرب من الضيق إلى السعة، ومن العطالة إلى العمل، ومن العزوبة إلى الزواج، ومن بساطة الإنسان إلى مقام الأنبياء عندما توجه إلى مدين تاركاً أرضه، ولكن المشيئة أخذت مجراها فنجى وبدأ حياة جديدة (لا تخف نجوت من القوم الظالمين). وكأن المغزى هنا بأن المصائب قد تظهر للإنسان بمظهر موحش، يقطع عنه الأمل ويجلّي عنه النور، وتغوص به الأفكار في أعماق الخوف، وتتزلق به في منحدر القلق، ولكن النوازل تأتي وفي بواطنها الرحمة، إما في عطاء، أو عِوضٍ نافع يحصل لاحقاً، أو منعٍ لمضره لا يدركها عقل الإنسان المحدود، تماماً كما حدث في قصة الخضر وموسى، وكأن الله يريد أن يصور قضاءه وتقديره للأمور في تصرفات الخضر، بينما ردات فعلنا وتصوراتنا وإدراكنا لأبعاد الحدث هي في حقيقة الأمر ليست إلا ردات فعل موسى عليه السلام، استهجان وإنكار واعتراض، ولكن هيهات أن يصبر الإنسان على ما لم يحط به خُبرا.
ذُكرت مواقف الخوف في سورة القصص وتحديداً قصة موسى ثماني مرات، وذكر موسى أنه خائف في مواضع أخرى - لا أحصيها - في القرآن، وفي كل مرة يتلقى التطمين من الله بأنه معه وقريب منه (لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى)، وتلك أعظم عبارة اطمئنان يتلقاها الإنسان، الله معنا وقريب منا ويرانا ويدبر أمورنا من السماء إلى الأرض. (يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين)، حتى في معترك المواجهات حين يخوض الانسان غمار التحدي للظفر بالانتصار، أو القفز في سلم النجاح فإنه لا بد وأن يعتريه القلق والخوف (فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى).
خلاصة القول إن قصة موسى بجميع أحداثها، تكتنف أعظم الدروس التي يعتبر ويتهذب بها الإنسان والمقام لا يسع لذكرها جميعاً، ولكن العبرة الأكبر هي في إدراك موسى بعد خوضه للعديد من المواقف في حياته أن الله معه وليس للخوف موطئ قدم عندما يحل اليقين الكامل بالله، حتى في أحلك الظروف، تتجلى هذه الفكرة عندما وقف مُحاصراً بين البحر وبين جحافل فرعون القادمة (فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين)، لم يذكر قلقه وخوفه هذه المرة، بل تذكر يقينه وقوة اليقين بالله فنجى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.