السعودية تدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف شركة للصناعات الدفاعية في أنقرة    أمير منطقة جازان يشرّف حفل أهالي محافظة أبو عريش    إسرائيل تلمح بجاهزية جيشها للهجوم على إيران    العصابات الهايتية تصعد العنف وتنتهك حقوق الطفل    الاتفاق يفوز على الرفاع بثلاثية في دوري أبطال الخليج    التعاون يتفوق على ألتين أسير في دوري أبطال آسيا    القبض على (3) مقيمين في جدة لترويجهم مادة الحشيش المخدر    ماتياس يايسله يكشف سبب تراجع الأهلي بعد التقدم في النتيجة    واجهة صحية استثمارية    وزير الدفاع يجتمع مع رؤساء الشركات الصناعية الإيطالية    نائب أمير الرياض يعزي ابن شوية وابن حضرم    الطائرة الإغاثية السعودية 11 تصل لبنان    الأكفان المرسلة لغزة .. «نفدت»    النائب العام يشارك في مؤتمر لرؤساء النيابات العامة    أمير القصيم يستقبل نائب مدير الجوازات    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة أبو عريش    104 مليارات ريال اتفاقيات في ملتقى توطين قطاع الطاقة    في الشباك    حدثني عن سالم    سعود بن بندر يطلع على مشروعات أمانة الشرقية    تعازينا للسويلم    إغلاق 37 منشأة مخالفة بتبوك    أمير الشرقية يرعى اتفاقية بين سجون و«سواعد» ويستقبل أمين اتحاد غرف الخليج    مساعد وزير الداخلية لشؤون التقنية يزور جناح وزارة الداخلية في المعرض المصاحب لأعمال ملتقى الصحة العالمي 2024    4738 طالباً يتأهلون لمسابقة «موهوب»    الأسبوع العربي في "اليونسكو" تظاهرة عالمية بمبادرة سعودية    السفير الإيراني يزور مجمع طباعة المصحف الشريف    المعلومة بين الحقيقة والوهم    في ظلال موسى.. الإنسان القلِق الخائف    مفتي المملكة: الالتزام بأخذ لقاح الأنفلونزا الموسمية يتماشى مع القيم الشرعية    «التخصصي» ينجح في زراعة أول كبد روبوتية في العالم    5 قتلى و14 جريحاً.. هجوم إرهابي على مصنع للمسيرات التركية بأنقرة    الدفاع المدني ينظم المؤتمر والمعرض الدولي ال (4) لعمليات الإطفاء    هل يتعادل ترمب وهاريس ؟    «العدل»: 8 التزامات للعقد الإلكتروني الموحد لتسجيل الطلاب في المدارس الخاصة    وزير الخارجية يلتقي نظيره الأمريكي ويناقش مع يرماك تطورات أزمة أوكرانيا وروسيا    الإصابات تلاحق برشلونة قبل مواجهة بايرن    «إيفا فارما» تتعاون مع «الدواء» لتوفير أدوية بجودة عالمية في السوق السعودي    يناير 2025 بدء المرحلة الإلزامية لتوحيد منافذ الشحن للهواتف والأجهزة بالمملكة    مستشفى أبها للولادة والأطفال يُقيم فعالية اليوم العالمي للإبصار    المصارير يتنازلون عن قاتل والدهم لوجه الله تعالى    جمعية الكشافة تدعو للمشاركة في "جائزة الشباب الكشفي العربي"    نائب أمير مكة يتوِّج الفائزين بجائزة مكة للتميز    جامعة الأمير سلطان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يوقعان اتفاقية تعاون مشترك لإنشاء مركز فكر سعودي متخصص في الدبلوماسية العامة    ارتفاع إجمالي رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر بالسعودية بنسبة 13.4 % لعام 2023    الاتفاق يطمع في نقاط الرفاع البحريني    تطبيق مبادرة «غلِّفها بزيادة» في الرياض    «الطيران المدني»: 1273 شكوى من المسافرين على الناقلات الجوية    مجالات الكتب المسموعة    محمد القشعمي.. أستاذ جليل من الزمن الجميل    تعظيم شعائر الله    تجمّع مطارات الثاني    أخطاء شائعة خير.. هذه هي الكارثة    أهمية «داش كام» !    دور الإعلام في أرباح شركات الدواء    ما هي تكلفة الوحدة ؟    وزير الدفاع السعودي ونظيره الإيطالي يبحثان آفاق التعاون في المجال الدفاعي وسبل تعزيزه    "مفوض الإفتاء في جازان": القران والسنة تحث على تيسير الزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ظلال موسى.. الإنسان القلِق الخائف
نشر في الرياض يوم 23 - 10 - 2024

كلما تكرر سرد قصص نبي الله موسى في القرآن وتناول المواقف العصيبة والأحداث والنوازل التي خاضها ومر بها، كل ما أيقنت أكثر بأن المغزى والجدوى، هو خطاب متين ورسالة بليغة من الله القوي إلى الإنسان الضعيف، من مدبر الأمر، إلى القلِق حول تدبير الأمر، ولكنها رسالة غير مباشرة، عليك -أيه الإنسان- أن تربط معانياها وتغوص في بحرها حتى تصل إلى لؤلؤها ومرجانها ومغزاها الحقيقي، وذلك لن يكون إلا بالتدبر والاعتبار (لقد كان في قصصهم عبرة).
يستلهم المرء أن موسى منذ نعومة أظفاره وفي نشأته وخلال رشده، قد تعرض إلى العديد من المخاطر والمآزق التي تُخرج الإنسان من اليقين إلى الشك، ومن السكون إلى الانفعال، ومن التأني إلى العجلة والتسليم إلى القلق، والأمان إلى الخوف. وتلك هي طبائع الإنسان المحفورة في تكوينه، (إن الإنسان خُلق هلوعاً). وكأن الله أراد أن يخبرنا بأن موسى عليه السلام هو الإنسان، أي هو أنتم جميعكم أيه البشر، حتى نعتبر ونهذب طباعنا ونضبط أنفسنا ونسلم أمرنا.
بدأ الأمر عندما وضعته أمه في التابوت رضيعاً، ثم ألقته في اليم ليستهل رحلة الصعوبات ويمخر عُباب الاختبارات، ويصل إلى أيادي العدو في مشهد لا يمكن لقلب الأم الكبير أن يحتمله، فكل الأمهات قلوبهم تسع الكون عطفاً ورحمة، إلا إذا تعرض أحد أبنائها إلى خطر أو مُصاب فإنها تُمسي بقلب أضيق من ثقب إبرة، وذلك ما حدث، أصبح فؤاد أم موسى فارغاً إلا من ذكره والخوف عليه والقلق حول مصيره، ثم تأتي عناية الله عند القنوط ليربط على قلبها وتكون من الصابرين المؤمنين، بإرجاعه سالماً إلى أمه كي تقر عينها، فكلما اشتدت عُقد الكرب، فأبشر أيها الإنسان بحلول الانفراج والسرائر.
نشأ موسى بين يدي العدو الغاشم، في معقل الطغيان وفي قلب الخطر، ولكن الله حفظه وأحسن رعايته (ولما بلغ أشده واستوى آتينه حكماً وعلماً)، أدرك به أن قومه على ضلال وباطل، حتى حصل ما لم يكن في الحسبان، دخل المدينة ووجد رجلين يقتتلان أحدهما من جماعته والآخر عدو له، فدفع العدو دفعة أراد بها رد الظلم، ولكن الرجل مات من وكزته، (قال هذا من عمل الشيطان إنه عدوٌ مضلٌ مبين)، الشيطان عدو أزلي لك أيها الإنسان، هو من يسبب الشحناء والبغضاء وشعور السوء وتصرف السوء ويلوي النفس عن استقامتها، ويغطيها بظلام الهمزات والوسواس والقلق، والإدراك بهذه الفكره يصنع درعاً متيناً للإنسان بأن كل سوء لا يأتي إلا من الشيطان (يعدكم الفقر). جرت الأيام وانتشر خبر الواقعة، وأُفزع موسى أيما فزع (فخرج منها خائفاً يترقب)، خرج لينجو بنفسه غير مدركٍ بأنه يهرب من الضيق إلى السعة، ومن العطالة إلى العمل، ومن العزوبة إلى الزواج، ومن بساطة الإنسان إلى مقام الأنبياء عندما توجه إلى مدين تاركاً أرضه، ولكن المشيئة أخذت مجراها فنجى وبدأ حياة جديدة (لا تخف نجوت من القوم الظالمين). وكأن المغزى هنا بأن المصائب قد تظهر للإنسان بمظهر موحش، يقطع عنه الأمل ويجلّي عنه النور، وتغوص به الأفكار في أعماق الخوف، وتتزلق به في منحدر القلق، ولكن النوازل تأتي وفي بواطنها الرحمة، إما في عطاء، أو عِوضٍ نافع يحصل لاحقاً، أو منعٍ لمضره لا يدركها عقل الإنسان المحدود، تماماً كما حدث في قصة الخضر وموسى، وكأن الله يريد أن يصور قضاءه وتقديره للأمور في تصرفات الخضر، بينما ردات فعلنا وتصوراتنا وإدراكنا لأبعاد الحدث هي في حقيقة الأمر ليست إلا ردات فعل موسى عليه السلام، استهجان وإنكار واعتراض، ولكن هيهات أن يصبر الإنسان على ما لم يحط به خُبرا.
ذُكرت مواقف الخوف في سورة القصص وتحديداً قصة موسى ثماني مرات، وذكر موسى أنه خائف في مواضع أخرى - لا أحصيها - في القرآن، وفي كل مرة يتلقى التطمين من الله بأنه معه وقريب منه (لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى)، وتلك أعظم عبارة اطمئنان يتلقاها الإنسان، الله معنا وقريب منا ويرانا ويدبر أمورنا من السماء إلى الأرض. (يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين)، حتى في معترك المواجهات حين يخوض الانسان غمار التحدي للظفر بالانتصار، أو القفز في سلم النجاح فإنه لا بد وأن يعتريه القلق والخوف (فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى).
خلاصة القول إن قصة موسى بجميع أحداثها، تكتنف أعظم الدروس التي يعتبر ويتهذب بها الإنسان والمقام لا يسع لذكرها جميعاً، ولكن العبرة الأكبر هي في إدراك موسى بعد خوضه للعديد من المواقف في حياته أن الله معه وليس للخوف موطئ قدم عندما يحل اليقين الكامل بالله، حتى في أحلك الظروف، تتجلى هذه الفكرة عندما وقف مُحاصراً بين البحر وبين جحافل فرعون القادمة (فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين)، لم يذكر قلقه وخوفه هذه المرة، بل تذكر يقينه وقوة اليقين بالله فنجى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.