تقول الرسالة الواتسابية اللطيفة الطريفة (نصيحة للشباب المقبلين على الزواج: اللي يبي أمه تخطب له يخليها تخطب له من العزاء؛ لأن جربنا الخطبة في الأعراس وشفنا الغش التجاري!)، والرسالة كما لا يخفى تشير إلى نوع من الغش الزواجي الذي شبهه صاحب الرسالة بالغش التجاري، على اعتبار أن الأعراس ليست المكان المناسب لخطبة الفتيات، ذلك أن الفتاة تظهر في العرس كائناً آخر لا يمت لحقيقتها بصلة، فما تعمله الفتيات قبل العرس يعتبر تغييراً جذرياً للشكل واللون والمواصفات والمقاييس، فمستحضرات التجميل وقوائم (الميك أب) تحيل دميمة الخلقة والتي لا تحمل ذرة من الحسن إلى ملكة جمال، والأمهات حين يقبلن على الأعراس ليس لإجابة الدعوة وتقدير القريبات أو الصديقات فحسب وليس لسماع أغنيات (الطقاقة) ومشاهدة الراقصات المائلات على قرع الدفوف ونغمات (الأورغ) فقط، بل للبحث عن الفتاة المناسبة لابنها الذي بالطبع قد وضع قائمة طويلة من صفات زوجة المستقبل، وحين تتفقد الأم الفتيات تقع في مأزق الجمال المزيف إضافة إلى ضعف النظر عند كثير من الأمهات، وعندما تعمل الأم (سيرتش) تكون الملفات التي تظهر أمامها جميلة جداً ولا تعلم أن تلك الملفات ملغمة بالفيروسات التي قد تأتي بأجل (الماذر بورد) في أقل من أسبوع. وقد تنطلي الخدعة على الأم المسكينة ثم تنطلي الخدعة على (أبو الشباب) حين يأتي للنظرة الشرعية وهو مرتبك يتفصد جبينه من العرق وينظر للفتاة نظرة سريعة فلا يفرق حين تمر مروراً خاطفاً هل نظر للفتاة أم (الأباجورة) القابعة في زاوية المجلس، وربما مرت الخدعة على العريس ليلة الزفاف حين يرى أمامه ما تشبه الحور العين في أوصافها ولكن حين يصبح سيرى بجانبه ما يجعله يقوم فزعاً متسائلاً هل التي بجواره عروسه أم حارس العمارة؟!. إلا أن الغش التجاري في الزواج لم يعد مقتصراً على زمننا (الأغبر) هذا، بل كان موجوداً في الماضي كما تذكر الروايات عن قصيدة للشاعر محمد بن فهاد القحطاني المتوفى عام 1354ه في عنيزة، تقول الرواية إن فتاة اسمها سارة لا تملك من مقومات الجمال ما يشفع لها بالزواج، ولهذا السبب عانت من العنوسة ولم يخطبها أحد إلى أن اغتم بسببها والدها، وفي يوم من الأيام زاره القحطاني واشتكى أبو سارة من عنوسة ابنته، فقال القحطاني: (وش) لي إذا زوجت ابنتك؟ فقال أبو البنت: «لك هاتين النخلتين طوال عمرك بس هات لنا شاب يتزوجها؟». فنظم القحطاني قصيدته وألقاها في مجلس مكتظ بالشباب فتسابق الخطاب على سارة إلى أن تزوجها أحد وجهاء البلد ولم يطلقها على الرغم من أنه اكتشف المبالغة التي ذكرها ابن فهاد في وصف سارة في قصيدته، ولكنه قد يكون وجد فيها ما يشفع لها من الخلق والتقوى وتدبير شؤون البيت، فماذا قال ابن فهاد في وصفه العجيب لسارة رغم أنه كان كفيف البصر؟ إليكم ببعض الأبيات المنتقاة من القصيدة الشعبية النبطية الرائعة: ولعتني بالهوى والحب سارة دلهتني عن غنادير البناتي يا حسايف بنت بن سلوم سارة عند ابوها تدرج مثل المهاتي ريق ساره مثل سكر في غضاره أو حليب ابكار عرب مسمناتي والثنايا قحويان في زباره زاهي نبته على كل النباتي راس ساره ذيل شقرا وسط غاره والجدايل بالرشوش مجدلاتي ما ذكر جار ذبح بالحب جاره بالمبيسم والثنايا المرهفاتي لايمي يعطي حنيش في خباره سمها يشظى العظام الصالباتي حالف ما أنسى ولا اسلى حب ساره كود اهل شقرا يخلون الصلاتي. ويبقى أن أقول في الختام: إن الغش التجاري في الزواج ظاهرة مخضرمة فهي تمتد منذ قصيدة ابن فهاد وما شابهها من تراثنا الشعبي القديم ولا تنتهي الآن عند خبيرات التجميل كجويل مردينيان اللاتي يحولن البشعة القبيحة إلى (Miss World). * تربوي