(رمتني بدائها وانسلت) يتأكد هذا المثل حد التطابق مع أولئك الرامين بسهام الطائفية في كل مناسبة وزمان ومكان، ولئن كان الرماة مدججين بالغيظ وكثير من الارتباك تبدو الرمية متهالكة، لا تعدو أن تذبل قبل انطلاقها لتخرج من القوس ملتوية هشة ضعيفة، لتسقط عند أقدام الرامي، فتضمحل وتذوب في الوحل. أسلوب هؤلاء الرماة لم يكن في يوم من الأيام أوضح منه في هذه اللحظات الفارقة، التي بلغت فيها مساحة الوعي قدراً في العقول، فلم تترك حيزاً للمغالطات والإملاءات والتكتيكات التي عفى عليها الزمن. الطائفية أضحت في هذه الأيام صوتاً لأبواق تجيد الردح والقفز والمراوغة، وحينما يرتفع الصوت يكون ذلك دلالة على قدر الألم، وهذا ليس كل شيء فالأصوات المزعجة كذلك لا تصدر إلا من الأواني الفارغة. ولعل من أغبى التكتيكات والتي كانت تمر وتمرر فيما سلف، وكان من الأيام والأزمان، هي توجيه سهام الطائفية على جهة ما وتجييش الرأي العام لفئة ما تجاه هذه الجهة أو تلك بأسلوب الضغط الإعلامي الكثيف، ومحاصرة الجهة أياً كان موقعها وطبيعتها بالاتهامات الزائفة، هذا الضغط المركز والمحاصرة المستمرة تكون مع الوقت رأياً عاماً وتوجهاً غوغائياً من منطلق اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس، فما الذي كان يحدث سابقاً؟ تبدأ الجهة المتهمة زوراً وبهتاناً بالدفاع عن نفسها لإزالة هذه التهمة الجائرة فيظن المتابع أن الحملة الدعائية الكاذبة محقة، وأن الجهة المقصودة ما دافعت ولا دفعت عن نفسها التهمة إلا أنها مدانة وتستحق أن تكون في قفص الاتهام، هنا تصبح الضحية هي المجرمة وتقع في الفخ. السيناريو السابق عفى عليه الزمن وأصبح مكشوفاً ولم تعد تنطلي الخدعة على المتابع العادي، فضلا عن المتابع الواعي، أولئك الرماة المذعورون لم ولن يكون باستطاعتهم إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. أزعم الآن وأكثر من أي وقت مضى أن الطائفية تستخدم كنوع من الشعاراتية الفارغة التي يستخدمها اللوبي الذي يظن نفسه ضاغطاً وموجهاً ومهيمناً، فيكون مآل هذا الشعار الزائف الجمهور البسيط الذي يستجيب حد الإذعان لذلك التوجيه المضمر. وحين نناقش الأمر على منضدة الحقيقة، ونبحث عن الحق في صورته البيضاء، فإننا نحن من نمقت الطائفية والطائفيين، ويجب ألا يزايد أحد علينا في هذا التوجه والاتجاه والمسيرة الطويلة حين نتأملها في جميع وسائل إعلامنا ومناطقنا ذات التعدد المذهبي والتنوع الطيفي، سنجد أن تلك الطائفية لم تطل بوجهها القميء إلا بعد أحداث نعرفها ويعرفها جيداً من يزايد على موقفنا الصارم والحازم تجاه من يشق الصف أو يهدد الوحدة الوطنية واللحمة الشعبية الموغلة في تاريخ الأمة. أمر آخر ذو صلة، وهو سيناريو حديث يرتبط الآن ب ( السوشيال ميديا) وهو أسلوب يعتمد على التوقيت والتفويج، التوقيت هو اختيار الوقت المناسب لإشغال الأشخاص أو الجهات بمعارك وهمية جانبية؛ حتى يبتعدوا عن الهدف الأساس فيخفت الضوء الساطع أحياناً، وهذا يعتبر لهم مطلباً ومكسباً. والتفويج وهو مرحلة تتبع الخطوة السابقة، وفيها يجمع الغوغاء في وسم تويتري على سبيل المثال؛ لمواصلة الضغط الوهمي والإشغال الوقتي والتهديد الضمني. ما ينبغي التنبه له أن مواقفنا الوطنية لا تقبل المزايدة والمساومة؛ كوننا نمر في فترة زمنية مفصلية وضمن حالة استثنائية ينبغي فيها تضافر الجهود وتركيز الاهتمام وتوحد الكلمة وتأجيل الاختلاف. ويبقى حين نتحدث عن الطائفية في نطاق أشمل وفي حدود أوسع، فإنها أسلوب دعائي نجح لفترة معينة وضمن ظروف معينة، وفي نطاق معين، تم فيه وباحترافية عالية قلب المفهوم وعكس المصطلح وتصدير التهمة، وإلا حينما نحرر المسألة محل الخلاف سنجد -قطعاً- الفرق بين من يمثل الطائفة ومن يمثل الأمة بأغلبيتها وامتدادها، وحين تفتح السجلات ويفتش عن الأجندة سيتضح من هو الطائفي الحقيقي. من المهم ختاماً التأكيد على أننا عشنا في هذه المنطقة في تعايش جميل وضمن نسيج متفاعل منسجم، ولم يكن هناك أي من مظاهر للاختلاف الحاد، وأرجو أن يستمر ذلك بشرط أن نقوم جميعاً بتحييد أيدلوجيا التحريض وبؤر الاستفزاز. * تربوي