تكاد الترجمات الواسعة للصحافة الغربية والإيرانية فيما يتعلق بعاصفة الحزم والموقف السعودي من اليمن تتطابق في الموقف الاستراتيجي، وإن اختلفت اللغة التي احتقنت كثيراً في إيران مؤخراً، ضد المملكة وأخذت بُعد الحرب الإعلامية الشاملة واستهداف رموز الدولة مع تغطيات مناهضة واسعة يحفل بها هذا الإعلام ويندمج مع الحرب الدبلوماسية الشرسة التي تشنها إيران منذ عملية عاصفة الحزم. وهنا لا بد من التنويه إلى نقطة مهمة جداً، وهي حقيقة تعثّر المشروع الإيراني في اليمن وخسائره في جبهة سوريا، وحتى مشروع الزحف للحشد الطائفي والميلشيات الإيرانية ضد مدن الاستقلال السني، والتي تعاني من كماشة داعش وإيران، فقد تعرضت لتعثّر، يعوّضه الإيرانيون مباشرة أو عبر حكومة العبادي بصب جام الغضب على المدنيين السُنة، العُزّل من السلاح، ورسميا مُنع أهل المدن من دخول بغداد والالتجاء مؤقتا للنجاة من القصف الأمريكي والمذابح الطائفية، في أكبر دلالة على حجم الانفصال والكراهية التي تمارسها إيران على شعوب الشرق العربي عبر أذرعتها المختلفة. لكنّ المقصود في النقطة المهمة، هو عدم الانجرار العاطفي إلى اعتبار هذا التقهقر الإيراني علامة هزيمة كاملة، فيما قد يُباغت المشهد من جديد بتنظيم صفوفها وصفقاتها الدبلوماسية فتتغيّر المعادلة المتفاعلة في سوريا واليمن، وينتكس المشهد العربي من جديد. وموضوع هذا المقال هو أحد عوامل التحرك الإيراني الجديد، فموقف الغرب من عاصفة الحزم التي لم تتغيّر إلا في المُسمّى من حيث مواجهة المشروع الإيراني، لم يكن مسانداً أبداً، وإن راعى شراكته التاريخية المصلحية مع المملكة والخليج عبر تصريحات دبلوماسية، لكن الموقف المجمل للغرب يعكس تناغما مع الخطة الإيرانية لتحويل الهجوم الميداني المضاد للمخلوع والحوثي والزحف على مدن الجنوب إلى مشروع توافق سياسي وليس مصالحة وطنية اجتماعية حقيقية. وما نعنيه بهذا المشروع أنه يوقف العملية ويُجري مفاوضات تحت سلطة القوة والنفوذ الإيراني، فتتسلم الذراع الإيرانية الحُكم وقوة التأثير السياسي باسم الحكومة المشتركة، فيُخنق اليمن تماماً تحت عباءة الحوثي كما خُنق لبنان وحوّل قاعدة طائفية وسياسية وعسكرية للمشروع الإيراني باسم دولة مستقلة، لكنها تحت عباءة إيران، وهو المشروع الذي تحدث جمال بن عمر عن توصله له بعد اجتياح الحوثي لصنعاء. فهو غطاء للمشروع الإيراني لا أكثر، وهو يزيد من تبعات واحتقان الحالة الوطنية اليمنية وتشرذمها، تحت مشروع ولي الفقيه الذي يُبسط في هذه الفترة داخل النسيج اليمني، فيُنتج حشدا طائفيا كالحشد الذي يجري في العراق، وهكذا تسقط اليمن في المستنقع الإيراني والحروب المتعددة والتشظي، ويفقد العرب حدوداً جديدة لأمنهم الاجتماعي والسياسي. إن خلاصات الموقف الغربي تدور حول هذا القبول بمخرجات هذه التسوية، بما فيها تصريحات الرئيس الأمريكي، فالغرب يعوّل بالفعل على علاقة شراكة مختلفة مع إيران، وهو يتفق معها بلا شك، في رفض اسقاط الأسد وصرح جون كيري مباشرة بأنه جزء من الحل، وذلك لمصلحة إسرائيل، والخشية من قيام سوريا ذات قرار مستقل وحُر، تُبنى من جديد. إن المنظور الغربي يتركز مؤخراً على التهيؤ لعهد الشراكة مع إيران بوضوح، ويعتمد على رؤية تعتبر أن أي قوة في الشرق الإسلامي، لم تعد في مجال الفاعلية، ولا الوضع المحوري، ولذلك فإن قيام محور جديد تفرضه توازنات ما بعد عاصفة الحزم في حال انتصارها، ويُبنى عليه أساس بتحالف سعودي وخليجي مع تركيا وباكستان. فضلاً عن تأثر الميدان الإقليمي بالكامل، وخاصة في سوريا ومشروع واشنطن وطهران المزدوج، والمهم للغرب في العراق، كل ذلك يعني تحولا إقليميا خارج حسابات الغرب والمآلات التي خطط لها، ولسنا هنا في صدد تبسيط الأمور ولا التقليل من حسابات المصالح للغرب في الخليج العربي واستنزاف نفطه التاريخي، فسيبقى للغرب بوصلته ومصالحه، لكنه أيضا قطع شوطا مهما في صناعة حلف وترويكة بديلة، إيران فيها شريك مرحلي مهم، وسقوط هذه المعادلة يعني اضطرابا واسعا لمساره، من حرب احتلال العراق 2003 حتى حرب داعش 2013. والمشكلة أن الغرب وإيران اليوم يحظيان باختراق خطير عبر جيب خليجي يروّج لمثل هذه المعطيات، التي تسعى لإعادة صناعة المخلوع وإعادة تموضع الحوثيين الوهمي، وحين تجف الصحف وتُرفع الأقلام تكون اليمن تحت حرب أهلية واحتلال معا، وليس لدى الغرب وإيران مشكلة مع هذه الحرب التي يَصعد فيها مشروعها الطائفي على حساب الدماء اليمنية، وأمن العرب، ويصعد نفوذها السياسي فيه. لكن الخسارة من دماء اليمنيين، في حين النصر لفكرة وقف المشروع الإيراني بانتصار اجتماعي يمني شمالي وجنوبي وضع تحت شمالي عشرة خطوط، هو الرهان الذي يَسلم به اليمن وتَكسر به المملكة معادلة الآخرين بمعادلة جديدة لمصالحها وأهل الخليج وكل اليمنيين. كاتب وباحث إسلامي ومحلل سياسي