نكتب بعد ساعات من بدء عملية عاصفة الحزم التي تقودها المملكة ضد التغوّل الإيراني في المنطقة وضد ضم اليمن لهيمنتها السياسية المباشرة عبر ذراعها الأيدلوجي الطائفي المتطرف جماعة الحوثي وذراع المصالح الذي استقطبته إيران كلياً ووظفته في هذا المشروع وهو الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح ونجله أحمد صالح المشروع السياسي الانتقالي المعد مع إيران. وما تقدم هو التوصيف الأدق لما يجري في اليمن، وليس القضية صراعا سياسيا داخليا بين أطراف يمنية، ويُدلل على ذلك أن اليمن كان يُستدرج بتمرد احادي عبر هذا الذراع بعد أن أُسقط بناء الدولة لأول مرة منذ الاستقلال عن الحكم الإمامي المستبد والمتخلف والنفوذ الإنجليزي، كما أنه أسقط مستغلا التقدير الخاطئ السابق في الخليج العربي كل التوافقات الوطنية التي بُنيت بعد المبادرة الخليجية، ونظّمت صناعة اليمن الجديد وأقاليمه. فعاد الحوثي ليهدم عسكرياً بتدرج وإصرار كل هذا البناء ليقذف اليمن في أتون صراع طائفي ويُحوّل إلى قاعدة إيرانية كبرى تستدعي كل مسارات الصراع الدموي والتناقضات الاجتماعية والاستقطابات الطائفية الحادة، التي لم يعرفها اليمن وكان ولا يزال متآخيا كزيود وشافعية مع رحلة إنسان اليمن. وهذا المخطط الخطير الذي نرى نماذجه عياناً في العراق وسوريا ولبنان وتأثيرات المشروع الإيراني المدمرة في باكستان وتركيا وأفغانستان على النسيج الاجتماعي الوطني تؤكد المصير الذي كان يُدحرج له اليمن بكل فئاته وأن وصوله لذلك المستوى، لم يكن من المقدور إنقاذه فيه. وتوجه المشروع الإيراني باستغلال خيانة علي صالح ليزحف على الجنوب، كان تأكيداً لهذا المسار التشطيري الخطير على إنسان اليمن، ومن ثم كل الجوار العربي وخاصة منطقة الخليج والعمق السعودي، في حين رَفض الحوثي عمليا وعسكريا كل التوافقات وأسقطها وطوّق صنعاء وهو يشارك في الحوار! الذي يستغله لصناعة مشروع الاحتلال السياسي الشامل من قبل إيران. وخلال فترة وجيزة حوّلت إيران دعمها لجسر جوي وبحري يُنظّم لتسليح حملات ميلشيات طائفية خطيرة تُصفي أي قدرة للشعب اليمني لرفض هذا الاحتلال السياسي، وعمل علي صالح مستغلا الثغرة التي نَفَذ منها في المبادرة الخليجية لتحقيق تفكيك كامل للقوات المسلحة، وكل التجارب تؤكد أن خيانة صالح للعقيدة القتالية للقوات المسلحة اليمنية كانت تستثمرها إيران وإن نصّبت مستقبلا نجله وسلمت الحكم التنفيذي للحوثي، لكنها في نهاية الأمر هي من يغزل اللعبة ويحصد آثارها. وعليه، فإن التحرك العسكري لم يكن مطلوبا وحسب، بل كان ضرورة لا بد منها لوقف التمدد الإيراني، الذي يجتاح المنطقة ويشعل الحروب الطائفية بين أبناء الشعوب المسلمة ويحيي النزعات الصراعية الخطيرة. وكان عنصر المباغتة في تزامن البيان السياسي لدول الخليج العربي وتنظيم الاتصالات مع الدول العربية وضم دولتين اسلاميتين مهمتين وهما باكستان وتركيا للتحالف، مهم جدا في ظل تعقيدات المشهد المحلي وبعد أن وصل الحوثيون بالفعل إلى القصر الجمهوري في عدن وأسقطوا مطارها، فلم يكن هناك مجال ولا مساحة لفصل العمل العسكري عن البيان السياسي، لمنع أي مجال لإيران من نقل قوات قاسم سليماني أو الميلشيات العراقية واللبنانية للأراضي اليمنية. كما أن تنظيم الحصار الجوي والبحري على امدادات إيران جاء متزامنا مع هذا الحراك، الذي انتزع موافقة دولية راضية أو مضطرة، حيث كان موقف واشنطن مواربا وغير واضح قبل بدء العملية العسكرية، إن مخزن الأهداف الأولى للطيران الحربي السعودي والحلفاء مهم جدا قبل أي ضجيج إعلامي، وخاصة أنه استهدف قوات المخلوع في صنعاءوعدن معا، وهو ما أعطى نتائج أولية أدت لاستعادة القوات الشرعية اليمنية للمطار ومحيط القصر الجمهوري. لقد كان نشر توجيهات الزعيم اليمني والقيادي في الإصلاح الشيخ حميد الأحمر، من الإذاعة السعودية بعد بدء الضربات رسالة مهمة لوحدة الشعب اليمني وخاصة قبائله والقطاعات العسكرية التي استدرجها المخلوع ونجله للتحالف مع إيران، فيما هي ترفض هذا الأمر لكن اضطراب الرؤية واختلاط الموقف والدعم المادي الضخم الذي جمعه المخلوع ساعد في توظيفها. وعليه، فإن المهمة القتالية الرئيسية على الأرض ستكون لقوات الشرعية كما يفترض، ولا تحتاج القبائل والمعسكرات العائدة للشرعية الا لإسناد لوجستي وتسليحي ومخابراتي بري، ومع عودة تنظيم الصف اليمني الاجتماعي وخاصة اللقاء المشترك والتجمع اليمني للإصلاح، فإن إمكانية ترتيب البيت اليمني باتفاق مصالح بحوار الدوحة وتوقيعه في الرياض كما أُعلن في العاصمتين ممكن، بعد هزيمة المشروع الإيراني وتحييد قوة الحوثيين. كاتب وباحث إسلامي ومحلل سياسي