في وقت سابق من هذا الأسبوع، قال لاري سمرز - الذي كان وزيراً للمالية في عهد بيل كلينتون -: إنه «لا يمكن أن يفكّر في أي حدث منذ اتفاقية بريتون وودز يمكن مقارنته مع المزيج من جهود الصين لتأسيس مؤسسة جديدة كبيرة، وفشل الولاياتالمتحدة بإقناع العشرات من حلفائها التقليديين، بدءاً من بريطانيا، بعدم المشاركة». يشار إلى أن اتفاقية بريتون وودز هي التي أنشأت البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في يوليو 1944. ويقول: إنه يمكن تذكر هذا على أنه اللحظة التي خسرت فيها الولاياتالمتحدة مكانتها باعتبارها الاقتصاد الرائد في العالم. ويعتبر جديون راشمان - الكاتب في صحيفة الفاينانشال تايمز - أن واشنطن تشعر بالإحراج، على اعتبار أن البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية بقيادة الصين يمكن النظر إليه على أنه تعليق على تراجع الولاياتالمتحدة. صناع السياسة في بريطانيا وأوروبا يرون أن الصين تصبح أقوى وأمريكا، نسبياً، تبدو ضعيفة: ولذلك فهم يقومون «باتخاذ القرارت التي تعكس التكيف الحذر لرياح التغيير هذه». لكني أرى الأمر بشكل مختلف قليلاً. قرار أوروبا بدعم البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، رغم اعتراضات الولاياتالمتحدة، يعكس ضعفها الخاص أكثر من ضعف أمريكا. وهذا يدل أكثر، إذا كان ثمة حاجة إلى دليل، على التهاون الجغرافي السياسي العميق جداً في أوروبا. أولاً، أود أن أذكر أني أعتقد فعلاً أنه من الخطأ أن تقوم الولاياتالمتحدة بمعارضة إنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية. البنك الجديد قد يكون قادراً على القيام ببعض الأمور الجيدة: لأن تعزيز القروض لبناء جسور جديدة ومحطات لتوليد الطاقة هو وسيلة حميدة جداً لاستخدام نفوذك من أجل تحقيق مكاسب شخصية. وينبغي الترحيب بقيادة الصين في المساعي متعددة الأطراف من هذا النوع بدلاً من مقاومتها. كما كانت الولاياتالمتحدة أيضاً مُخطئة في الاستمرار، عاما بعد عام، في سوء إدارة البنوك متعدة الأطراف القائمة، خاصة البنك الدولي - وإنكار حق الصين في التصويت في تلك المؤسسات الذي تتطلبه مكانتها الاقتصادية الآن. لولا هذا الأمر، ربما لم تكن الصين لتقوم بالتخطيط لتأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية في المقام الأول. ولكن كل هذه الأسباب لا تبرر الحسابات التي من المفترض أن بريطانيا والاتحاد الأوروبي قاموا بها. المشاركة في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية قد يجلب لهم بعض المنافع التجارية المتواضعة، والأهم من ذلك، أنها تجعل زعماءهم يتزلفون بسرعة إلى الحكام في بكين. لكن تلك المكاسب لا تساوي شيئاً مقارنة مع تكلفة تقويض تحالفهم مع الولاياتالمتحدة، لأعوام عديدة في المستقبل، على الرغم من صعود الصين، إلا أن الولاياتالمتحدة ستظل القوة العسكرية البارزة في العالم. من الأفضل لأوروبا التي تنوي نزع سلاحها أن تدعو وترجو أن هذا الوضع سيستمر. حكومة بريطانيا، التي تُحب التفكير بنفسها بأنها حليف قوي للولايات المتحدة، تشارك أيضاً في جولة أخرى من التخفضيات العسكرية. في هذا المجال، بالكاد تستطيع اللحاق بشركائها في الاتحاد الأوروبي، الذين منذ مدة طويلة جعلوا العجز المؤسسي هو المبدأ التنظيمي لدفاعهم الوطني. إذا قامت إيران، أو حين تقوم، بتطوير الأسلحة النووية، ستكون الأخطار المباشرة وغير المباشرة على أوروبا أكبر بكثير من الخطر على الولاياتالمتحدة. هل أوروبا قادرة على تغيير أو تأجيل طموحات إيران بدون القيادة الأمريكية؟ يقوم الزعيم الروسي فلاديمير بوتين بتفكيك أوكرانيا؛ بحيث يختبر حدود التزام الغرب للدفاع عن بولندا ودول البلطيق، من بين دول أخرى؛ ويساعد على تعزيز عدم الاستقرار السياسي في أوروبا الغربية. القومية الروسية المتشددة هي بمثابة تهديد أكبر بكثير على أوروبا مما هو على الولاياتالمتحدة. ولتحقيق التوازن في القوة العسكرية الروسية، تعتمد أوروبا كلياً على حلف الناتو - وهو ما يعني عمليا الاعتماد على الولاياتالمتحدة. وما تزال الصين على مسافة بعيدة من أوروبا، لكن الاتحاد الأوروبي القادر على أن يرتقي إلى مستوى طموحات قادته يجدر به أن يوازن بين مصالحة الدولية بمنتهى الحذر. صحيح أنه يريد - وهذا من حقه - أن تكون علاقاته سليمة مع أكبر قوة اقتصادية صاعدة في العالم، لكن يجدر به أيضا أن يجتذب الصين إلى نظام قائم على اتباع القواعد الخاصة بالحوكمة العالمية. أفضل طريقة لذلك هي التصرف، على أفضل نحو ممكن، بالانسجام والتوافق مع الولاياتالمتحدة. من خلال إعطاء الصين نصراً دبلوماسياً كبيراً - بالاشتراك في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية - وهو قرار جبان إلى درجة أن بكين نفسها فوجئت به - فإنها عرقلت الجهود الرامية إلى إحضار الصين إلى مائدة الحوكمة العالمية القائمة على القواعد. وإذا كانت أوروبا في أية مرحلة مقبلة في المستقبل على استعداد للاهتمام بشؤونها ورعاية نفسها، فإنها تستطيع أن تبتسم بنوع من الرضا والحبور على تراجع الولاياتالمتحدة وتعمل على تشكيل استراتيجيتها الخاصة للتعامل مع روسياوالصينوإيران، وهي فقط 3 قضايا مثيرة للجدل، وهناك غيرها كثير. لكن بالنسبة للوقت الحاضر، يجب على البلدان المعنية أن تفهم جيدا، من الذي ينفعها، والذي يعمل معها لصالحها؟، ومن هو غير ذلك؟.