في نهاية القرن الماضي بدأت الجريمة المنظمة تحتل مركز الصدارة كواحدة من الأزمات الأمنية الأكثر خطورة في العالم بسبب تعقد وتشابك العلاقات الاقتصادية والتجارية التي تجاوزت الحدود الوطنية وساهمت بدور كبير في انتقال الجريمة من البدائية إلى التنظيم الدولي الدقيق للجريمة عن طريق طائفة كبيرة من الأفراد أو المنظمات أو كما أطلق عليهم الايطاليون المافيا، وقد ساعد في انتشار الجريمة المنظمة التطور الهائل لوسائل الاتصال الحديثة وتقنية المعلومات وتحرير حركة التجارة وتدفق رؤوس الأموال كنتيجة طبيعية لظاهرة العولمة. ولا يوجد تعريف موحد للجريمة المنظمة إلا أن اللجنة الخاصة التي شكلها الرئيس الأمريكي ريجان حول الجريمة المنظمة أصدرت تقريراً في 31 مارس 1988م نص على أن الجريمة المنظمة هي: «جريمة يقوم بها جماعة من الأشخاص الذين يستخدمون الإجرام والعنف والإرادة المتعمدة للإفساد للحصول على منافع مادية أو معنوية والاحتفاظ بالسطوة». وهناك بعض النماذج لعدد من الجرائم المنظمة عبر الدول نذكر منها: الإرهاب، والتهريب والاتجار في المخدرات، وغسيل الأموال، وجريمة الرشوة والفساد، والتدليس والغش، والاتجار غير المشروع بالأسلحة، وغيرها الكثير، وظاهرة الجريمة المنظمة في ثوبها الجديد تتمثل في السيطرة على التجارة الدولية وإخضاعها لممارسات غير قانونية، كما أن الجاني في الجريمة المنظمة يختلف عن الجاني في الجرائم التقليدية في وضعه الاجتماعي والاقتصادي ومظهره الخارجي وسلوكه وقدراته العلمية. وهناك العديد من الآثار السلبية التي أفرزتها الجريمة المنظمة كتحدٍ كبير يواجه المجتمع الدولي، حيث أشارت الإحصائيات إلى وجود خسائر اقتصادية ومالية فادحة نتيجة للجرائم المنظمة، فقد صدر عن صندوق النقد الدولي تقرير يبين أن ما يقارب من (500) بليون دولار أمريكي يتم تداولها في عالم الإجرام من مكاسب غير مشروعة، وفي روسيا يوجد أكثر من (25) بليون دولار أمريكي من رأس المال الروسي يتم تداوله خارج روسيا بواسطة المنظمات الإجرامية، كما تؤكد بعض الإحصائيات أن خسائر الولاياتالمتحدة سنوياً من جرائم الحاسب الآلي فقط حوالي (500) مليون إلى (5) بلايين دولار أمريكي. ومن الآثار السلبية أيضا التي تخلفها الجريمة المنظمة تمويل مشروعات تجارة المخدرات وتجارة الأسلحة النارية والمتفجرات التي تؤدي إلى الإخلال بالأمن العام بسبب زيادة حالات العنف، إضافة إلى دخول الجريمة المنظمة في أعماق الأحزاب السياسية والجهاز الحكومي لإفساد الإدارات المحلية والقائمين عليها والمكلفين بإنفاذ القانون. وقد وظفت منظمات إرهابية كالقاعدة وحزب الله، وكذلك كيانات غير سيادية وغير شرعية (Non State Actors) مثل داعش هذا الأسلوب ليس للحصول على الأسلحة فحسب، ولكن للإتجار في سلع غير مشروعة بما في ذلك المخدرات لتحقيق أهداف معينة تخدم مصالح هذه المنظمات. ويمكن مكافحة الجريمة المنظمة من خلال التعاون المتبادل بين الدول وإبرام الاتفاقات الثنائية والمتعددة الأطراف لمحاربة هذه الظاهرة، وإصدار التشريعات القانونية اللازمة لذلك، وتقرير عقوبات صارمة لمن ينتهك هذه الأحكام، ونشر الوعي الوطني والثقافة بين الأفراد والجماعات والتنبيه على خطورة ظاهرة الجريمة المنظمة محلياً ودولياً. وللتصدي للجريمة المنظمة فإن المملكة عليها أن تعتمد كل الاعتماد على فكر وجهود أبنائها من خلال إعداد الكوادر والكفاءات الوطنية لمواجهة مخاطر الجريمة المنظمة إقليمياً ودولياً لأن المواطن هو رجل الأمن الأول كما قال الأمير نايف بن عبد العزيز يرحمه الله. وأخيراً لابد من تضافر الجهود والتعاون الإقليمي والدولي للحد من خطر الجريمة المنظمة.