بالرغم من تطور الحياة واندثار العديد من المهن اليدوية القديمة، ما تزال مهنة استخراج الملح بطريقة تقليدية صامدة في وجه التغيرات حتى يومنا هذا، وكان الملح الخشن وما يزال له قيمة كبيرة على المستوى الغذائي والعلاجي، حيث استخدم في الصناعات والتي من بينها دبغ الجلود، بينما يستخدمه الأهالي في الحافظ على الأطعمة من خلال تمليحها حتى لا تفسد أو تفقد قيمتها الغذائية، فكانت السيدات يحفظن اللحوم من خلال تمليحها. مراحل الاستخراج والتعبئة ويقول خبير مهنة استخراج الملح المواطن راشد محمد السالم من بلدة المقدام بالأحساء التي قضى فيها طفولته وريعان شبابه: ما زلت امتهن هذه المهنة حتى يومنا هذا. أقوم باستخراج الملح من أرض هذا الوطن المعطاء وأبيع ما أنتجه في الأسواق الشعبية، كسوق الإثنين بمدينة الجفر، وسوق الجمعة بالطرف، وسوق الخميس بالهفوف، وغيرها من أسواق المحافظة، وأشار السالم بأن مهنة استخراج الملح من المهن الصعبة جدًا، وتحتاج إلى قوة وصبر ولم أعرف مهنة أخرى غير هذه المهنة التي أمارسها منذ 60 عامًا، وبدأتها منذ مرحلة الطفولة حتى يومنا هذا ورثتها وتعلمت أسرارها من والدي. مبينًا أنه في زمن البدايات مع الملح كان يتم استخراجه من بلدة الطرف التي اشتهرت في ذلك الوقت بسبخاتها التي ينتج منها الملح فيما تتكون السبخات طبيعياً في الاراضي المنخفضة والتي عادة تكون مجمعاً للمياه التي تحمل معها كميات كبيرة من الأملاح الذائبة، حيث يحفر يدويًا حفرًا عميقة تصل إلى 4 أمتار أحيانًا يستغرق حفرها أكثر من يوم يبدأ العمل من الصباح الباكر إلى قبيل صلاة المغرب، وبعد حفر تلك الحفرة تخرج المياه ويستخرج منها الملح ثم يتم تعبئته في «المرحلة»، وينقل بواسطة الحمير إلى موقع التجفيف الذي يكون عادة في منازل أهل هذه المهنة، ويترك في الشمس لمدة من 4 إلى 5 أيام ليجف بفعل حرارة الشمس، ومن ثم يتم تعبأته في «الزبيل» مصنوعة من خوص النخيل تحمل 20 كيلًا، تنقل إلى السوق وتباع في ذلك الوقت بقيمة 15 ريال، وبعد ظهور السيارات أصبح يقل في صندوق سيارات الوانيت، ومن ثم بيعه على المحلات التجارية بالوزن، وكان قيمة الكيلو لا تتجاوز ريالًا واحدًا تقريبًا، أما تسويقه فشاق ومتبع بشكل كبير، حيث ينتظر صاحب السيارة أياماً لتسويق حمولته من الملح، وكتطور طبيعي صار الملح حالياً يباع في عبوات بلاستيكية وأكياس ذات أحجام متنوعة فزادت تلك الطريقة من تسويق الملح. استخدام الملح الخشن وأكد السالم أن أصحاب المهنة بدأوا في التقلص في حين ما تزال الطرق البدائية في استخراج الملح من منطقة تسمى «الهدبة» جنوب منطقة بقيق، لكن طرق تخزينه ونقله أصبحت أكثر تطورا حيث يتم نقله عبر السيارات وتعبئة في أكياس بلاستيكية ويتراوح سعر الكيلو الواحد بين 3 و4 ريالات، منوهًا إلى أن الملح ما يزال الطلب عليه في ازدياد لأهميته الغذائية والعلاجية حيث يدخل في علاج الحيوانات مثل الأغنام والإبل، منوهًا إلى أن بياض الملح ونقاوته يعتمد على مدى صفاء الماء المستخرج من تلك الحفرة، فكلما كان الماء نقيا كان الملح أكثر بياضًا. بدوره أكد أحد المستهلكين والذي اشترى كمية كبيرة من الملح، بأنه هو وعائلته لم ولن يتخلى عن الملح الخشن في استخداماته اليومية، مضيفًا إن الملح الخشن هو من أجود أنواع الملح المتوفر في الأسواق لأنه لم تتدخل في صناعته الألوان والصبغات وغيرها بل يتميز بأنه طبيعي 100%، خصوصًا في استخدامه في الطبخ بكميات كبيرة، كما أن بعض ربات البيوت تأخذه بشكله الخام من السوق وتعمل على طحنه وتنعيمه واستخدامه في جميع الأغراض.