قديماً كان الصيادون يلجؤون إلى تجفيف الحوت وتمليحه، خوفاً عليه من أن يفسد، تحسباً للمواسم التي يقل فيها صيده، وخاصة في أوقات تقلب الطقس، والبرودة الشديدة والعواصف البحرية. وكانت صناعة وإعداد الحوت الناشف مهنة القدامى منهم، ورغم عدم الإقبال عليها الآن كما في السابق، إلا أنها ما زالت تقاوم الاندثار، وما زال البعض يمارسها، مفضلا تناول هذا النوع من الطعام من حين لآخر، خاصة في الطقس البارد. وفي ينبع، تعد مهنة صناعة الحوت الناشف مهنة محبي البحر، فهم وحدهم الخبراء بأنواعه، وطريقة تجفيفه، وتمليحه، وتخزينه استعداداً للمواسم التي يقل فيها الصيد، ومن ثم عرضه للبيع.. سليمان الغميري أقدم بائع للحوت الناشف بينبع، ويتخذ من سوق الليل الشعبي وسط المنطقة التاريخية محلاً لبيعه، يقول "إن هذه الوجبة عبارة عن سمك مملح يستخدم كما يستعمل غيره من المأكولات البحرية الطازجة، ويعد منه الإيدام". ويقول صالح الرفاعي الخبير في هذه المهنة إن "صناعة الحوت الناشف تبدأ بتشريح السمكة من الأعلى، ثم رش الملح البلدي عليها، و"تكميرها"، أي غمرها بالملح، ثم تترك لأسبوع كي يمتص الملح البلدي الماء، ثم نقوم بنفضها، ومن ثم نشرها في سطح المنزل، فتنتشر رائحتها النفاذة في الحارة كلها". ويضيف أن الحوت الناشف يستخدم بعد تنظيفه بالماء، وإضافة الثوم، والكمون، والفلفل، والشطة، والكرفس، وتتبيله جيداً للقضاء على رائحة التعتيق التي اكتسبها من الملح. ويستعمل في إعداد العديد من الأكلات الشعبية كاللخم، والسمك بالفرن. ويرى الرفاعي أن كبار السن يعشقون هذه الأكلة، وخاصة الأنواع المشهورة مثل سمك القرش، والثمدان، والديراك، بينما تبقى الأخرى كالهامور، والناجل، والشعور، والتي تعد المكون الرئيسي لوجبة الصيادين سيدة المائدة عند الكثيرين. من جهته طالب عضو المجلس البلدي بينبع عيد سالم العلوني بالحفاظ على هذه المهنة التي قاربت على الاختفاء، والعمل على إحيائها من خلال إنشاء معاهد لتدريب الراغبين، والعمل على تسويق منتجاتها لحفظها من الاندثار.