(يتفق معظم المراقبين على استحالة أن يحكم الحوثيون اليمن منفردين، لكن يبدو أن الحوثيين اليوم يستطيعون أكثر من غيرهم جر اليمن إلى حرب أهلية طائفية قد يستعصى على اليمنيين وبلدان المحيط الاقليمي والمجتمع الدولي وضع حد لها في المستقبل المنظور)... من مقال بجريدة اليوم في15من شهر فبراير الماضي. لقد بينت مجريات عاصفة الحزم العسكرية ومنذ اليوم الأول لانطلاقها أن المملكة العربية السعودية بقيادة الملك سلمان وبالتشاور مع اخوانه حكام مجلس التعاون الخليجي قد اكتشفت نوايا الحوثيين ومآلات الأحداث قبل ظهورها على السطح. إن تحركاً عسكرياً بهذا الحجم عبر تحالف بهذا التماسك وبدعم إقليمي ودولي بهذه القوة لا يمكن أن يتحقق بين يوم وليلة، بل بإعداد دقيق وسط ظروف غاية في التعقيد. الآن وقد أخذت العاصفة مجراها، وبدون الرجوع إلى سياقات تاريخية مزعومة حول «مطامع السعودية في اليمن» أو وقوفها ضد وحدته وما شابه ذلك من تفسيرات، تجدر الإشارة إلى الضرورات الملحة التي دفعت المملكة وحلفاءها لهذا التدخل المحفوف بالمخاطر على مستوى اليمن وعلى مستوى بلدان الخليج العربي والبلدان العربية. على مستوى اليمن، وبعد أن سدت الطرق أمام جموع الشعب اليمني وقواه السياسية بعد انتفاضات 2011م وجد اليمنيون في بلدان الخليج والسعودية تحديداً مشروعاً سياسياً وافقوا جميعاً عليه تمثل في المبادرة الخليجية التي وقعها جميع الفرقاء وأصبحت وثيقة معترفا بها من الجميع بشهادة الجامعة العربية ومجلس الأمن ومنظمات عالمية نافذة. بدأ المسار السياسي السلمي وانتخب رئيس للجمهورية وتشكلت حكومة يمنية ودشنت هذه السلطة الشرعية حوارا شاملا بين كافة القوى الوطنية على أساس المبادرة الخليجية وصولاً إلى التوقيع على وثيقة السلم والشراكة التي تمثل مخرجات الحوار الوطني. وحدهم الحوثيون كانوا يملكون برنامجا واضح المعالم. قلة خبرتهم السياسية وغطرستهم القائمة على دعم ايديولوجي ممنهج وموجّه عن بعد من طهران قادهم إلى قصر أفق يعتمد التخريب الإعلامي وتعطيل كل ما يساعد على تطور الحوار والحلول السلمية. هذا المشهد «القوي» للحوثيين وتقدمهم أثار شهية طرف لا يقل رغبة في التخريب عنهم. الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، كان لا بد من نسج علاقة مشبوهة بين الطرفين وتم الإتفاق على كل شيء يعطل كل ما هو قائم. أما المستقبل ما بعد الخراب فلكل حادث حديث. هكذا سارت الأمور من اعتقال الرئيس ورئيس حكومته وصولاً إلى اجتياح محافظات الجنوب وبدء الضربات الجوية لقوات التحالف لمعاقل الحوثيين وألوية علي صالح. مساء الأربعاء 25 مارس أعلن العديد من معلقي الفضائيات «نهاية اللعبة» في اليمن وبداية الحرب الأهلية انطلاقاً من عدن. في الصباح الباكر كان الحوثيون وعلي صالح يعيدون حساباتهم وفقاً لمعايير القوة على الأرض التي لم يعد التهديد بها موثوقاً في العودة للمفاوضات. هل يعود الحوثيون للتفاوض بشروط ندية مع الشرعية والقوى الوطنية أم تغريهم وعود إيران التي لن تتجاوز أن يكونوا وقوداً لحرب بالوكالة كما هو حال غيرهم؟ الجواب تحدده ظروف جديدة على الأرض وفي أروقة المحادثات الجارية بين اليمنيين من كل الأطياف بما فيهم الحوثيون. العملية العسكرية -ولا أقول التدخل- للتحالف جاءت أيضاً لمصلحة السعودية وبلدان الخليج حيث تبدو اليوم أقوى من أي وقت مضى أمام التهديدات الإيرانية، التي استمدت المبالغة في قدراتها من ضعف الردود الخليجية. اليوم يفكر الإيرانيون بشكل مختلف حول التعاون الذي طالما كان شعاراً نفعياً لديهم. الدول الخليجية وشعوبها يشعرون اليوم بالاعتداد بدلاً من مشاعر الإحباط ويستمرون في مد يد الجيرة والتسامح وفق معايير توازن المصالح والقوة. وعلى مستوى العالم العربي ، وبالرغم من كره الناس للحروب وويلاتها، إلا أن مشاعر الهوية العربية ومعاني الموقف العربي ومعاهدة الدفاع العربي المشترك والتضامن العربي والفضاء العربي قد يعاد تأهيلها وفقاً لمعايير العصر.