لعلنا في مرحلة تتطلب التحول إلى وزارة للخزانة هدفها تنمية وتنويع الإيرادات بغية تحصين الخزانة من الاستدانة، تحت ضغوط تراجع أسعار النفط بما قد يؤثر على برنامج التنمية الطموح الذي تتبناه الحكومة وتسعى من خلاله لتحقيق تنمية متوازنة وتهيئة موارد بشرية منتجة والوصول لاقتصاد متنوع. وما يؤدي إلى استقرار تمويل الانفاق العام للدولة، والذي يتجسد ويحدد ويعلن في الميزانية العامة للدولة قبل بداية كل عام، هو تنوع مصادر دخل الخزانة، وهذا أمر غير متحقق حالياً؛ إذ إن المصدر الأول والرئيس لتمويل الخزانة منذ نحو 65 عاماً هو النفط، ولا يلوح في الأفق أي مُنافس يحدّ من سطوة النفط. وكما هو معروف ومُعلن رسمياً، فإن نصيب إيرادات النفط يربو على 90 بالمائة من إجمالي إيرادات الخزانة العامة للدولة. وبذلك تتضح المعضلة التي علينا التعامل معها تعاملاً منهجياً بعد تجربة مفعمة بالتقلبات والتأرجحات مع النفط؛ إن صعد سعره "تجرنا"، وإن انخفض أخذنا نبحث عن الأحزمة وخيارات التقشف. وعلينا استذكار النقاشات التي دارت في الربع الرابع من العام المنصرم (2014) عن الخيارات التي ستتخذها الحكومة الموقرة لتمويل الانفاق العام. وبعيداً عن الفذلكات، فليس أبلغ من استحضار تجربتنا منذ منتصف الثمانينيات ولفترة عقدين من الزمن عانت خلالها الخزانة العامة عجزا في الإيرادات اضطرها للاستدانة حتى وازى الدين العام من حيث القيمة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ولا بد من بيان أن الحكومة تعاملت بحرص أثناء فترة قصور الإيرادات، حيث إنها أصرت على قَصر الاقتراض على الداخل وعدم الانكشاف على الخارج، ثم إنها حَرصت على المسارعة في سداد الدين العام عند تحسن إيراداتها، فتقلص لما دون 2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لما ورد في بيانات الميزانية للعام 201، حيث بينت أن حجم الدين العام في نهاية عام 2014 قد انخفض إلى 44.3 مليار ريال، وهو ما يمثل قرابة 1.6 % من الناتج الإجمالي المحلي، وذلك مقارنة مع 60.1 مليار ريال نهاية العام 2013. وعند النظر إلى الإيرادات الفعلية للعام 2014، نجد أنها بلغت 1046 مليار ريال، منها نحو 115 مليار ريال (11 بالمائة) إيرادات غير نفطية، مقابل قرابة 931 مليار ريال (89 بالمائة) إيرادات نفطية. ورغم نمو الإيرادات غير النفطية، إلا انها مازالت منخفضة مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي للبلاد، الذي يقدر بنحو 2.8 ترليون ريال للعام 2014 وفقاً لمصلحة الإحصاءات العامة، أي ان الإيرادات غير النفطية تساوي 4.1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بإيرادات نفطية توازي نحو 33.3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يقودنا لمفارقة قد لا تكون غائبة عن الكثير بل قد يعتبرونها نتيجة بديهية، وهي أن الأهمية النسبية للإيرادات غير النفطية تتعزز عند تراجع أسعار النفط. وفي هذا السياق، فأعلى مستوى وصلت له الإيرادات غير النفطية نسبة للناتج المحلي الإجمالي كان في بداية التسعينيات (تحديداً العام 1991)، حيث تجاوزت قيمتها العشرة بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. استقرار إيرادات الخزانة العامة هدف ارتكازي علينا تحقيقه، وتحقيقه يقوم على إيجاد مصادر رديفة تحد من سطوة النفط، وهذا يعني بدائل عديدة، لعل من أهمها تفعيل برنامج الخصخصة، ليس بالضرورة من خلال بيع الأصول التي تملكها الحكومة بل من خلال تفعيل "الشراكات العامة الخاصة" (Public Private Partnerships) والتي تناولتها إستراتيجية الخصخصة، التي كان المجلس الاقتصادي الأعلى قد أقرها منذ قرابة 13 عاماً، في منتصف العام 2002. وبالتأكيد البدائل عديدة، لكن بعضها ليس مجدياً اجتماعياً أو سياسياً، مما يجعله غير قابل للتطبيق والأخذ به، أما "الشراكات العامة الخاصة" فهي نافذة واسعة لتحقيق أكثر من هدفٍ في آنٍ واحد: زيادة الإيرادات غير النفطية، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، وحفز النمو الاقتصادي، وتعزيز مساهمة الأنشطة غير النفطية. * متخصص في المعلوماتية والإنتاج